أغذية ضرورية لإغاثة أطفال غزة

الحصول على وجبة تقي من الجوع صار حلما لكثيرين من أطفال غزة
الحصول على وجبة تقي من الجوع صار حلمًا لكثيرين من أطفال غزة (رويترز)

في الأيام الأولى من العدوان على غزة، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو إقناع قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخطته الرامية لتهجير الفلسطينين من قطاع غزة إلى سيناء في مصر ريثما تنتهي الحرب ويحقق هدفه الذي يتفهمه هؤلاء القادة وهو تدمير حركة حماس.

في حينه، نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن مصادرها، أن ما يريده نتنياهو هو أن تفتح مصر أبوابها لاستقبال الفلسطينيين ثم يقوم جيش إسرائيل بإغلاق الحدود بشكل دائم بمجرد خروجهم من ديارهم في القطاع. وأكدت الصحيفة على أن هدف نتنياهو المخادع هو ما حصل في العام 1948، وأن من يعتقد أن مخطط التهجير الدائم لا يمكن أن يحدث مجددًا فهو أحمق.

وأكد مركز مالكوم كير كارنيجي الشرق الأوسط إصدار وزارة الاستخبارات الإسرائيلية وثيقة تطرح فيها قائمة من الخيارات أمام السلطات الإسرائيلية للتعامل مع الفلسطينيين في غزة. وكان “إجلاء السكان من غزة إلى سيناء” و”إنشاء منطقة عازلة بعمق عدة كيلومترات داخل الأراضي المصرية، وعدم السماح بعودة الفلسطينيين إلى النشاط أو السكن بالقرب من الحدود الإسرائيلية” من ضمن هذه الخيارات.

وكشف الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، جيورا إيلاند، في مقال له عن طريقة الحكومة لتنفيذ مخطط التهجير القسري للفلسطينيين، وذلك من خلال “تهيئة الظروف لجعل الحياة في قطاع غزة غير ممكنة” ما يؤدي إلى “التهجير الجماعي لسكان القطاع إلى مصر أو الخليج”. وأكد إيلاند على أن الهدف النهائي هو “أن تتحول غزة إلى مكان لا يمكن لأي إنسان العيش فيه”. وبرر هذه السياسة المجرمة بقوله “أنظر إلى هذه النتيجة باعتبارها وسيلة وليس غاية، وأقول ذلك لأن ما من خيار آخر لضمان أمن إسرائيل، فنحن نخوض حربًا وجودية”.

التجويع ممنهج

وحتى تتحول غزة إلى مكان لا يمكن لأي إنسان العيش فيه، ترتكب قوات الجيش الإسرائيلي فظائع متواصلة خلال العدوان المستمر منذ 170 يومًا، من قصف وتدمير للمباني والقتل العشوائي للمدنيين، ولكنها تركز أكثر على تنفيذ مخطط تجويع لسكان القطاع، بدأ مع بداية الحرب، ويتصاعد بوتيرة كبيرة من يوم لآخر. ذلك أن المواطن الغزي أظهر قوة تحمل فولاذية في مواجهة القصف والقتل الهمجي، وعبر الناجون من تحت أنقاض البيوت المقصوفة عن ارتباطهم بأرضهم ورفض التهجير.

وأظهر الإنسان الغزي، أباء وأمهات قوة صبر عجيبة على استشهاد أولادهم بأسلحة القتل الإسرائيلية. ولكن هذا الإنسان نفسه قد لا يستطيع الصمود في مواجهة مخطط التجويع الذي بدأ يحصد أرواح الأطفال والمسنين وأصحاب الأمراض المزمنة، ولا يمكن إلقاء اللوم على إنسان تحمل قصف بيته وقتل زوجته وأولاده، ثم تخور عزيمته وهو يرى أولاده الناجين من القصف يعانون آلام الجوع والهزال.

ولا يمكن لأب أن يتحمل رؤية أولاده والجوع يحصد أرواحهم البريئة، وهو عاجز عن توفير لقمة خبز تستنقذ تلك النفوس الطاهرة من براثن الموت، فيضطر إلى النزوح بمن تبقى من فلذات أكباده من هذا الجحيم. وبسبب تكرار قتل المئات من المنتظرين للطحين عند دوار الكويت، سجلت أعداد الفلسطينيين الصامدين في شمالي قطاع غزة تراجعًا من 700 ألف خلال المدة الشهور الماضية من العدوان، إلى 500 ألف إنسان أو أقل.

ولا أدل على تنفيذ الجيش الإسرائيلي لمخطط تجويع يستهدف الأطفال الفلسطينيين في شمالي قطاع غزة من شهادة منظمة “بتسيلم” مركز المعلومات “الإسرائيلي” لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وذلك في تقرير نشرته بعنوان: “إسرائيل تجوع قطاع غزة، تقول فيه إن “جميع سكان غزة جائعون، أي 2.2 مليون إنسان تمر عليهم أيام وليال من دون أن يتناولوا أي طعام تقريبًا. والبحث اليائس عن طعام لا يتوقف للحظة، لكنه في معظم الأحيان لا يسفر عن نتيجة، فيبقى السكان جائعين، بمن فيهم الرضع والأطفال والنساء الحوامل أو المرضعات وكبار السن”.

ولإفشال مخطط التجويع، وإن جزئيًا، ودعم الفلسطينيين في صمودهم على أرض غزة، يوجد مجموعة من الأغذية “عالية القيمة الغذائية” والفعالة في تخفيف وطئة الجوع وعلاج سوء التغذية، من خلال محتواها المركز من المغذيات، السعرات الحرارية والبروتينات الحيوية والعناصر المعدنية، في ظل التضييق على عدد الشاحنات الواصلة لقطاع غزة، وكمية الأطعمة “الحقيقية” الموجودة في تلك الشاحنات، وعرقلة وصولها لشمالي القطاع، وجنوبه أيضًا.

المعلبات ذاتية التسخين

في أجواء البرد والجوع والمرض والحصار التي يعيشها سكان غزة، يأتي دور المعلبات ذاتية التسخين المحتوية على اللحوم الحمراء أو البيضاء أو الأسماك والخضروات والمكرونة والشوربات الساخنة بأنواعها لتحدث فرقًا كبيرًا في زيادة فرص بقاء الضحايا من الأطفال والمسنين والحوامل والمصابين على قيد الحياة، شأنها شأن الإغاثة بهذه التكنولوجيا في المناطق المنكوبة بالحروب والزلازل وحالات الطوارئ والمواقف الحرجة، حيث تكون الطرق التقليدية لإعداد وتسخين الطعام منعدمة أو غير ممكنة.

في تقديري أن معلبات الأغذية ذاتية التسخين قد تكون حيوية لإنقاذ كل سكان القطاع، وخاصة الصامدين في الشمال. وكان من البديهي تزويد السكان في قطاع غزة بعبوات الأغذية ذاتية التسخين منذ اليوم الأول لفتح معبر رفح. ولكن بسؤال أحد مسؤولي الإغاثة العاملين على الأرض في القطاع عن استخدامها في الإغاثة، كانت المفاجئة أنها لم تصل للقطاع، رغم أنها تستخدم في الإغاثة خلال الكوارث منذ زمن بعيد.

إحدى المزايا الأساسية لمعلبات الأغذية ذاتية التسخين والمناسبة لقطاع غزة، هي قدرتها على توليد الحرارة فورًا، ودون الحاجة إلى مصادر خارجية مثل النار أو الكهرباء أو مواقد الطعام الغائبة هناك. وذلك باضافة قليل من الماء لعبوة أكسيد الكاليوم، والتي تقوم بتسخين عبوة الطعام الملاصقة لها في غضون دقائق معدودة إلى درجات حرارة عالية.

كذلك حجمها الصغير وقيمتها الغذائية العالية يسهل نقلها وتداولها، ذلك أن شاحنة واحدة يمكن أن توفر وجبة ساخنة لعشرات الألاف من المنكوبين وأطفالهم، وتعينهم على تحمل البرد القارس لأوقات طويلة. وهي أفضل بكثير من معلبات التونة التي لا تناسب جميع الأعمار، وتسبب مشاكل صحية بمرور الأيام.

إذ توفر عبوات الطعام ذاتية التسخين مجموعة واسعة من خيارات الأطعمة والمشروبات التي تلبي الاحتياجات الغذائية المختلفة أثناء الحرب، من اللحوم والدواجن، والخضروات المختلفة والأرز وشوربات العدس والخضروات والقهوة والشاي. توفير وجبات ومشروبات ساخنة وفورية جاهزة للأكل “عالية القيمة الغذائية” تعزز بلا شك الروح المعنوية والصمود والفرص البقاء على قيد الحياة في المواقف العصيبة التي يعيشها أطفال ونساء غزة في ظل العدوان والحصار المستمر منذ أكثر من 170 يومًا.

التمر غذاء حيوي

تبرز أهمية التمر في وقات الحروب والكوارث والأزمات. وذلك لكونه طعام “قوت” علاوة على كونه فاكهة، مثالي لجميع الأعمار، الأطفال والبالغين، النساء المرضعات والحوامل، المرضى والأصحاء، حيث يوجد ما لا يقل عن 1.1 مليون طفل في قطاع غزة، يمثلون 47% من السكان، وهو نقطة الضعف والعائق أمام صمود الأهالي في مواجهة القصف الذي لا يتوقف هناك.

ويتميز التمر بقيمته الغذائية العالية، حيث يحتوي الـ 100 جرام منه على 280 سعر حراري، ومجموعة من المغذيات والفيتامينات والعناصر المعدنية الأساسية، منها السكريات والألياف الغذائية والحديد والبوتاسيوم والزنك. ونظرًا لوجود مليون امرأة يعشن في قطاع غزة، بينهن 60 ألف إمراه حامل و180 حالة ولادة يومية، يصبح التمر غذاء ودواء لرفع المناعة والوقاية من أمراض نقص المغذيات وسوء التغذية للأم والجنين والأطفال جميعًا.

بالإضافة إلى أن التمر “طعام” سهل الحفظ لمدد طويلة دون فساد ودون الحاجة لثلاجات التبريد، وجاهز للأكل مباشرة ولا يحتاج إلى تجهيز أو طهي، وبالتالي فهو مثالي لتغذية المنكوبين في قطاع غزة في ظل غياب الكهرباء والغاز وأدوات الطهي.

الحليب المجفف لجميع الناس

لعب الحليب المجفف في هولندا ونيوزلندا دورًا فعالًا في علاج المجاعات المتكررة في الهند وسريلانكا في خمسينيات القرن الماضي. يتميز الحليب المجفف بوزنه المنخفض، بالمقارنة بالحليب الطازج، ومنتجات الألبان الأخرى، وقدرته الفائقة على التخزين دون الحاجة لأجهزة الحفظ التي تعمل بالكهرباء، وكذلك سهولة استرجاعه بإضافة المياه فقط.

ولا يخفى فوائد الحليب في التغذية للأطفال والرضع، والبالغين والمسنين، والحوامل والمرضعات على السواء، وهو غذاء متكامل وغني بالبروتينات والدهون عالية القيمة الغذائية، والفيتامينات وأهمها فيتامين د، والمعادن الأساسية وأهمها الكالسيوم وغيرها من المغذيات الصغرى والكبرى، ويكفي شاحنة واحدة محملة بالحليب البودرة المجفف لحل أزمة سوء التغذية عند الأطفال في قطاع غزة.

هذه الأغذية، الاستثنائية، قد تكون فعالة جزئيًا في إغاثة المنكوبين في قطاع غزة، شماله وجنوبه ، ولكنها ليست بديلًا لحق الفلسطينيين الطبيعي في الوصول للغذاء كسائر البشر، وهو حق يكفله القانون الدولي ممثلًا في معاهدة جنيف الرابعة، والذي يلزم دولتي الاحتلال والجوار، والمجتمع الدولي، فرادى ومتضامنين، بتزويد قطاع غزة بالمواد الغذائية في وقت السلم والحرب، ويحظر عليهم جميعًا وأشتاتًا مساعدة إسرائيل في انتهاك أنظمة المعاهدة، وإنزال العقاب الجماعي بسكان قطاع غزة.

المصدر : الجزيرة مباشر