أي أثر تركه فتحي سرور في الحياة السياسية طوال 25 عاما؟!

فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري من 1990 حتى ثورة يناير (منصات التواصل الاجتماعي)

مات الدكتور أحمد فتحي سرور، وهناك ما يُشبه الإجماع بين الأكاديميين والمتخصصين على المكانة الرفيعة له في مجال القانون باعتباره أستاذًا كبيرًا وفقيهًا ضليعًا فيه.

وهذا التفوق في القانون تعليمًا وشهادة وتدريسًا وتأليفًا وممارسةً في النيابات ورئاسةً لمعاهد قانونية محلية وإقليمية ودولية وعملًا بالمحاماة ليس مجالًا للنقاش هنا، فهو شأن قاعات البحث والندوات والمؤتمرات المتخصصة، والأطروحات العلمية في معاهد وكليات القانون ومؤلفات أساتذته والمشتغلين بالمحاماة وكل من يعمل في مجال العدالة والتشريع والثقافة القانونية والدستورية.

نحن هنا بصدد فتحي سرور الوزير ورئيس البرلمان الأسبق، الذي انتقل في العمل السياسي من دائرة بعيدة عن فلك السلطة إلى الدائرة الأولى فيها عندما صار وزيرًا ثم رئيسًا للسلطة التشريعية.

وهو منذ شبابه كان منضويًا في التنظيمات السياسية الأحادية التي تأسست مع إعلان الجمهورية حيث كان عضوًا بالاتحاد الاشتراكي، ولما أعاد الرئيس السادات المنابر فالأحزاب كان ضمن أعضاء الحزب الوطني، وهو الحزب الحاكم -دون اختبارات انتخابية حقيقية تنافسية عادلة- منذ تأسيسه أواخر عهد السادات وطوال مرحلة مبارك حتى سقوط الاثنين معًا: مبارك والحزب في ثورة يناير 2011.

وبالتبعية كان ذلك سقوطًا للطبقة السياسية الموالية لمبارك والداعمة لبقائه 30 عامًا متواصلة، ومنهم فتحي سرور؛ ولهذا فلاغرابة في أن يذهب للعزاء في رحيل مبارك، ثم يشارك جمال مبارك في تشييعه قبل أيام.

كما لاغرابة في أن يكون سرور شديد الحماس لسلطة يوليو 2013، ويشيد بإجراءاتها، ويصف رأسها بأنه الملهم والمنقذ.

المرارة من يناير

ومن تفسير ذلك أنه ظل يشعر بمرارة من ثورة يناير؛ لأنها أزاحته مع برلمانه الأخير (2010) وهو البرلمان المتهم بالتزوير الواسع، كما قطعت الطريق عليه ليواصل البقاء رئيسًا للسلطة التشريعية أكثر من 21 عامًا، وهو عمومًا صاحب أطول فترة رئاسة لبرلمان منذ مجلس شورى القوانين عام 1866 وحتى اليوم.

ويزيد من مرارة ثورة يناير في حلق سرور أنها قدمته للمحاكمة متهمًا في موقعة الجمل، وصحيح أنه حصل هو وكل من كانوا في القضية على البراءة، إلا أن الشوكة ظلت في حلقه حتى وفاته من أثر البقاء عامًا في السجن على ذمة هذه القضية، وهو الذي كان يقرر من يُسجن عندما كان وكيلًا للنائب العام، وهو من كان يسعى لإخراج من يدافع عنهم من السجن، وهو من كانت لديه حصانة ضد الحبس منذ صار عضوًا في البرلمان ثم رئيسًا له، وهو الذي كان يُشّرع القوانين التي تتضمن الحبس والسجن.

سأشرح واقعة قديمة ربما يكون لها معنى في تفسير تحول الشخص عندما ينتقل من خانة السلطة الضيقة إلى سلطة أوسع وأكثر في الصلاحيات وصناعة القرار.

في العام الدراسي 1985/ 1986 كنت بالسنة الثانية بإحدى كليات جامعة القاهرة، وكنت أسكن بالمدينة الجامعية، وحصل تذمر بشأن جودة الطعام، وعلى الفور حضر الدكتور فتحي سرور، وكان نائبًا لرئيس الجامعة لشؤون التعليم والطلاب، واجتمع بفريق من الطلبة في قاعة مبنى رئاسة المدينة، وكنت ضمن الحضور، وتفهّم مبررات الغضب وحل كل المشكلات فورًا بذكاء ولطف.

وهو حينئذ ربما كان يترقب توليه رئاسة جامعة القاهرة، لكنه بعد أشهر تقلد منصبًا أهم في منظومة الحكم والسياسة حيث صار وزيرًا للتربية والتعليم عام 1986، وبقي في هذا المنصب مدة 4 سنوات، انتقل بعدها إلى رئاسة مجلس الشعب منذ نهاية 1990 حتى يناير 2011.

وهنا نكون إزاء سرور الآخر، فالأول وهو الأستاذ الجامعي ثم عميد كلية الحقوق ثم نائب رئيس الجامعة، وعضو في الاتحاد الاشتراكي ثم الحزب الوطني، وبين هذه المواقع مناصب أخرى دبلوماسية مثّل فيها مصر في بلدان أوروبية وفي اليونسكو، سرور الأول هذا رجل علم وتدريس ووظائف مهنية يمارسها متخصصًا فلا يكون مسؤولًا عن شعب: هل يخدمه في قضاياه الأساسية أم لا؟ وإنما يقوم بعمله الاحترافي فيتميز فيه وحتى في الجانب السياسي في هذه المرحلة كان دوره محدودًا.

أما سرور الثاني، أو الوجه الآخر، وهو الوزير فرئيس السلطة التشريعية، فنجد لديه اتساعًا في الوظائف والأدوار والمهام والتأثير والبعد السياسي بوصفها واحدًا من عدد قليل ممن يمسكون بالسلطة مع مبارك، فهو من وزير لإحدى أهم الحقائب (التربية والتعليم) إلى رئيس السلطة التشريعية التي تمثل وتدافع عن مصالح الشعب كله، أي رئيس سلطة التشريع للشعب وللحكومة وللدولة، ورئيس سلطة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ورئيس سلطة المحاسبة لكل مسؤولي وأجهزة الدولة حتى رئيس الجمهورية نفسه، سلطة تمثيل الشعب والدفاع عن حقوقه وحرياته، والحفاظ على الدستور.

هل قام سرور بدوره كما يجب؟

تم تلخيص مسيرته في عبارات دالة ليست بحاجة إلى تفسير كبير، فهو يُوصف بأنه ترزي القوانين، أي يفصلها للسلطة كما تشاء، وهو صاحب العبارة الشهيرة بأن مجلس الشعب سيد قراره، بما يعني غل سلطة القضاء على النواب إلا بإرادة البرلمان، وهو الذي أخرج أثناء رئاسته للبرلمان تشريعات أرادتها السلطة ولم يكن مرضيًّا عنها شعبيًّا.

نتذكر تعديل الدستور 2005 الذي جعل ترشح المستقلين شبه مستحيل، وبعد تعديلات أخرى ظل ترشحهم صعبًا، مما فرغ تحول الرئاسة من الاستفتاء إلى الانتخاب المباشر من محتواه وجعله استفتاءً في شكل انتخابات.

وعندما كان وزيرًا لم يطور التعليم، بل أدخله في دوامة بدأت، ولم تنته حتى اليوم.

الخلاصة أنه أحد أعوان تمكين حكم الفرد طوال 25 عامًا، والاستبداد لا يُنشئ نفسه، بل أذرعه هي التي تنشئه، والمستبد أضعف ما يكون، فهو فرد، وقوته فيمن يدعمه من مؤسسات وأجهزة وتنظيمات وقيادات وأفراد.

لم يترك سرور أثرًا في تطوير الحياة السياسية، ودعم التحول الديمقراطي والحريات، والمسؤول بمواقفه، وليس بمناصبه وقدراته.

المصدر : الجزيرة مباشر