العلاقة الحرام في الأزمة الفلسطينية

من هنا دخلت القوة الأمنية التابعة للواء ماجد فرج إلى قطاع غزة (غيتي)

ما فعلته سلطة الضفة الغربية، أو سلطة محمود عباس، في قطاع غزة خلال الأيام الماضية، من خلال اللواء ماجد فرج رئيس المخابرات العامة الفلسطينية، خيانة متكاملة الأركان للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بكل طوائفه، ذلك أن قفز السلطة إلى القطاع على ظهر الدبابات الإسرائيلية، لا يمكن تعريفه أو النظر إليه بأي شكل آخر، سوى مساعدة قوات الاحتلال على تحقيق أهدافها، على الرغم من كل هذه الدماء التي أريقت والأرواح التي أُزهقت.

بعد الفشل العسكري الذريع لقوات الكيان الصهيوني في قطاع غزة، على مدى ستة أشهر كاملة، وبعد الفشل السياسي داخليًّا وخارجيًّا، لم يجد الكيان من يحفظ له ماء الوجه، سوى سلطة الضفة الغربية من خلال عملائه هناك، إذ فوجئ أبناء القطاع بدخول مئات من قوات أمن الضفة الغربية خلسة إلى مدن غزة، خصوصًا مدينة رفح، بمصاحبة شاحنات البضائع، بالتنسيق مع قوات الاحتلال -حسب بيان وزارة الداخلية في غزة- وانضم إليهم في الداخل بعض من مواليهم من أبناء حركة فتح وأنصار الهارب محمد دحلان، خصوصًا من كانوا يعملون في جهاز الشرطة سابقًا، بهدف السيطرة على عملية توزيع المساعدات الإنسانية، ومن ثم السيطرة على القطاع، لحساب العدو الصهيوني!!

يقظة أمن غزة

لم يكن يتخيل هؤلاء وأولئك أن قوات أمن غزة ما زالت فاعلة ومسيطرة على الأوضاع إلى حد كبير، فتلقفتهم بالاعتقال والتحقيقات، التي كشفت تورط اللواء ماجد فرج، المشار إليه، من خلال خديعة، نفت مصر رسميًّا علمها بها، ولم تنف سلطة رام الله تورطها أو مشاركتها، إلا أن البيانات الرسمية المتزامنة من هناك أكدت “أحقية السلطة في حكم غزة”، بما يشير إلى أن الخيانة شاملة، والعمالة بلا حدود، في وقت تخوض فيه المقاومة الفلسطينية في القطاع، أشرف المعارك في التاريخ العربي الحديث، بمشاركة أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشريف، الذين لم يبخلوا بأرواحهم أيضا في كتابة هذا التاريخ الأسطوري.

من المعلوم أن قوات أمن السلطة كانت موجودة في القطاع حتى عام 2007، قبل أن تتوارى بالطرد، مع فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات البرلمانية عام 2006، وهو الأمر الذي لا يروق لإسرائيل ولا لسلطة رام الله في آن واحد، على الرغم من أن هذه السلطة لا حول لها ولا قوة داخل مدن الضفة نفسها، في ضوء الاجتياح الإسرائيلي اليومي للمدن والقرى هناك، وارتكاب مجازر واسعة في صفوف الأفراد والعائلات، تحت سمع وبصر قوات أمن محمود عباس، التي تُزايد بحملات اعتقال بين الحين والآخر في صفوف شباب المقاومة.

من هنا تحمل الأنفس المتردية الكثير من الضغينة، رغم أن الأمر كان يجب أن يرتقي، ويسمو فوق الخلافات، حينما يتعلق بمواجهة قوات الاحتلال في حرب وجودية، يراقبها العالم من أقصاه إلى أقصاه، وتحقق فيها المقاومة الكثير من أوجه العزة والفخر، بعد أن كانت القضية الفلسطينية في طي النسيان، على مدى 30 عاما على الأقل، هي عمر اتفاقيات أوسلو، التي لم يحصد منها المواطن الفلسطيني سوى الخنوع والخضوع والانكسار، بل والذل والمهانة على مدار الساعة بالطرق والمعابر والساحات، حتى داخل المسجد الأقصى الشريف.

رسالة الشعب إلى رام الله

الأرقام تشير إلى أن سلطة محمود عباس في رام الله بالضفة الغربية، تمتلك 80 ألف قطعة سلاح، لم تستخدم أي منها ذات يوم في مواجهة قوات الاحتلال، ليس ذلك فقط، بل استخدمتها كثيرا في قتل وقهر ومطاردة أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة، لحساب الكيان المحتل، أو بتوجيهات منه، على اعتبار أن الهدف من وجود قوات أمنية فلسطينية هناك، طبقًا لاتفاقية أوسلو، هو حفظ أمن الكيان، وحمايته من المقاومة، التي تتطلع إلى تحرير كل التراب الفلسطيني، وهو ما يتناقض مع أهداف السلطة الرسمية بوضعها الحالي، التي اكتفت بتقاضي رواتبها الشهرية من خلال ما تتعطف به الخزينة الإسرائيلية تحت مسميات مختلفة.

أي مراقب للأحداث الراهنة في قطاع غزة، أو الضفة الغربية على السواء، كان يتوقع من سلطة محمود عباس الثورة على هذا الوضع الشاذ، وطنيًّا وتاريخيًّا وأخلاقيًّا، وذلك بالدعوة إلى انتفاضة عارمة في أنحاء مدن وقرى الضفة، تضامنًا مع أشقائهم في غزة، على أن تتصدر قوات الأمن الفلسطينية المشهد، بالدفاع عن ذويهم في مواجهة هذا العدو الغاشم، وإلا فلا شرعية للسلطة، ولا لقواتها في آن واحد، وهو ما وقر في يقين المواطن الفلسطيني بالفعل، الذي أصبح يتطلع إلى فرض سلطة المقاومة في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية.

على العكس من ذلك، تحاول إسرائيل استخدام السلطة في مواجهة المقاومة، وتسعى السلطة للاستفادة من الأوضاع الراهنة في القطاع في بسط سيطرتها، لفرض مزيد من الخضوع وتصفية القضية، لحساب مصالح شخصية ضيقة، لا يمكن وصفها إلا بالعمالة والخيانة، وهو ما سوف يرفضه أبناء الشعب الفلسطيني بالداخل والخارج، خصوصًا أبناء قطاع غزة، الذين يرفعون الآن شعارات العزة والكرامة والتحرر، على الرغم من كل المآسي التي لحقت بهم، وكل ما عانوه من آلام.

أعتقد أنه بمجرد اعتقال العملاء في غزة، ووأد ذلك المخطط الشرير، وصلت رسالة الشعب الفلسطيني إلى رام الله وتل أبيب في آن واحد، وهي أن اليوم ليس كالأمس، وأن القضية الفلسطينية قد دخلت منحى مختلفا كليًّا عن السابق، وبالتالي فإن أيام أي سلطة موالية للاحتلال تصبح معدودة، وليس العكس، ليس بسبب الفساد المستشري، أو الثراء غير المشروع، أو الخضوع والخنوع، وإنما هي الخيانة والعمالة التي لا تسقط أبدًا بالتقادم، والتي نتجت عن علاقة حرام آن لها أن تتوقف.

المصدر : الجزيرة مباشر