هل وصلت رسالة الناخب التركي للحزب الحاكم؟

أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول يلوح لأنصاره بعد إعلان فوزه (الفرنسية)

وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الشرفة التي تعود أن يلقي فيها خطاب النصر وانتصارات حزب العدالة والتنمية على مدار أكثر من 20 عاما ليقول إن رسائل ناخبيه شعبه قد وصلت إليه وإلى الحزب الذي يحكم تركيا منذ عام 1994 ذلك بعد خسارته الكبيرة في انتخابات البلدية، وأنهم سوف يتدبرون في هذه النتائج التي ربما جاءت مخيبة لأمال الرئيس الذي أعلن أنها ستكون الانتخابات الأخيرة له.

وقد عكست نتائج انتخابات البلدية في تركيا تراجعا كبيرا للحزب الحاكم وحزب الحركة القومية المتحالف معه، ونجاحا كبيرا لحزب الشعب الجمهوري الذي تفتت تحالفه (الشعب) وخاض كل حزب من أحزابه الانتخابات المحلية منفردا، ومع ذلك استطاع الشعب الحمهوري أن يعتلي المركز الأول في التصويت بحصوله على 14 مليون صوتا انتخابيا، وجاء العدالة والتنمية ثانيا لاول مرة في تاريخه.

خسر العدالة والتنمية 8 مليون صوت عن أخر انتخابات له في المحليات 2019 وخسر 15 ولاية مقارنة بهذه الانتخابات، وحصل على 35% من عدد المصوتين في حين كان قد حصل على 44% في الدورة السابقة.

أخطر ما في هذه الانتخابات أن عدد المصوتين للحزب انخفض بهذا الرقم من الناخبين، وهؤلاء الذين لم يصوتوا للحزب الحاكم ولا صوتوا لغيره فقد احتجبوا عن التصويت والدليل أن حزب الشعب الجمهوري لم يزد عدد أصواته إلا مليون صوت فقط عن الدورة السابقة، وهذا واضح في نسبة التصويت 78% الأقل من الدورتين السابقتين، فماذا وراء هذا الاحتجاب أو المقاطعة؟

أسباب وراء التراجع

تراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لم يأت من فراغ فقد كانت هناك أسباب عديدة وراء ذلك لعل من أهم هذه الاسباب التراجع الاقتصادي الكبير الذي وصل إليه الاقتصاد التركي خلال خمس سنوات فقط، فقد فقدت الليرة التركية أكثر من خمس مرات قيمتها أمام الدولار كان الدولار لا يتعدي 6 ليرات في 2019 ووصل الآن إلى ما يقارب 33 ليرة تركية.

قد أثر هذا الترجع لليرة التركية كثيرا على الأوضاع الاقتصادية وأرتفاع الأسعار خاصة أسعار الإيجارات والمساكن، وكذلك التضخم الذي وصل إلى أرقام كبيرة جدا وتعدي 50% في الأشهر الأخيرة، كل هذا أثر سلبا على المواطن التركي الذي أصبح يئن كثيرا رغم الغطاء الاجتماعي التي تقدمه الدولة في الصحة والتعليم وبعض الخدمات الأخرى.

الجانب الاقتصادي أثر بشكل كبير على المتقاعدين إلى المعاش في تركيا الذين طالبوا مرارا برفع قيمة معاشهم عن 10 آلاف ليرة شهريا، وهي كتلة كبيرة من المصوتين للعدالة والتنمية ويقدروا بنحو 15 مليون متقاعد، هؤلاء ربما يكونون الجزء الأكبر فيمن قاطعوا الانتخابات التي جرت الأحد الماضي والتي أدت إلى خسارة الحزب لولايات لم يخسرها على مدر تاريخه مثل مرسين وأضنه، بل إلى بلديات صغيرة في إسطنبول مثل بي أوغلوا (تقسيم) التي خسرها الحزب لأول مرة أيضا.

هؤلاء الذين تقاعسوا عن الذهاب لانتخاب حزبهم المفضل حملوا رسالة للرئيس والحزب، نحن صوتنا لكم في انتخابات البرلمان والرئاسة مايو/ أيار الماضي لكننا لسنا راضون عن الأداء، نحن نوافق على السياسات العامة لكن هناك قصور في الأداء المحلي وفي المدن والأحياء، أنتبهوا لنا.

يتضح من نتيجة انتخابات البلدية حسب عديد من الباحثين أن هناك ترهل في الحزب الحاكم يستدعي انتفاضة داخلية فطول المكوث في السلطة أصاب الحزب وقياداته بالكسل والتراخي، وقد ظهر ذلك في الحملة الانتخابية للحزب خلال الانتخابات.

بينما نجحت المعارضة خاصة الشعب الجمهوري في حملته الدعائية والوصول إلى عدد أكبر من ناخبيه عن طريق مناقشة السياسات العامة في انتخابات محلية وجذب الصراع إلى مناطق أخرى، فقد عجز العدالة والتنمية عن القيام بحملة إعلامية وإعلانية مثل المعارضة، وبالتاكيد كان انفصال حزب الرفاه الجديد الذي حل ثالثا في الانتخابات بحصوله على نسبة تقارب 7% من عدد المصوتين لأول مرة في تاريخه وحصل على ولايتين كبيرتين عن التحالف مع العدالة والتنمية كان مؤثرا.

اجتذب حزب الرفاة الجديد كتلة المحافطين في المجتمع التركي والذين يرون أن الموقف التركي قد خذل أهل غزة في حرب الإبادة التي يتعرضون لها علي يد الكيان الصهيوني، هؤلاء المحافظون يرون أن تركيا حتى الآن لم تقدم الدعم الكافي لغزة، ولم تتاخذ مواقف ضد الكيان الصهيوني تجعله يتراجع عن إبادته لشعب غزة وفلسطين، ولذا فضلوا التصويت للرفاة الأكثر تقدما في موقفه من غزة، ولا شك أن استمرار العلاقات التركية الاقتصادية مع الكيان الصهيوني – رغم نفي الحكومة التركية- وكذلك العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة ورحلات وزير الخارجية الأمريكي المتعددة إلى تركيا قد أثر على كتلة كبيرة من المحافظين الأتراك.

هل يستطيع أردوغان إعادة توازن الحزب

ربما لا يكون هناك تأثيرا كبيرا لانتخابات البلدية على السياسة العامة في تركيا حيث أنها انتخابات داخل المدن والأحياء ومجالها الخدمات المحلية، ولكن لا ينسى حزب الشعب الجمهوري أن بلدية إسطنبول كانت محطة رئيسية في وصول الرئيس أردوغان للحكم وقد حصل على منصب رئيس البلدية لمرة واحدة 1994- 1998.

ها هو أكرم إمام أوغلو يحصل علي منصب رئيس بلديتها للدورة الثانية على التوالي في سابقة له ولحزبه فما الذي يمنع أن يكون رئيسا للجمهورية في الانتخابات القادمة 2028، وكان الرئيس نفسه قد قال من يحكم إسطنبول يحكم تركيا المدنية ذات ال 11 مليون صوتا، وأكرم أوغلو ومنصور يافاش رئيس بلدية العاصمة أنقرة وأيضا للمرة الثانية وبفارق كبير عن مرشح العدالة والتنمية مثل رئيس بلدية إسطنبول من الحالمين أن يكون أحدهما رئيسا للبلاد، فهل يستطيع الرئيس التركي ومن معه أعادة الحزب إلى الطريق الصحيح وعودة شعبيته مرة أخرى إلى الشارع التركي.

الطريق أمام الحزب الحاكم والرئيس التركي للوصول مرة أخرى لناخبيه يمر عبر المشكلة الاقتصادية، أي نعم أن سنة الحياة التغيير لكن إذا كان هناك طموحا للحزب والرئيس في الاستمرار فعليهم أن ينتبهوا كثيرا للحالة الاقتصادية التركية، نعم كان هناك تأثيرا لكورونا، الزلزال، الانتخابات الرئاسية، وانتخابات البلدية التي أجريت هذا العام إلا إن المواطن لا يرى أمامه سوى عبء اقتصادي كبير على الحكومة أن تجد له حلا.

أيضا لابد من التوزان بين الخطاب العام تجاه ما يحدث في غزة وفلسطين والقدرات الخقيقية الفعلية للدولة التركية، فالخطاب السياسي إذا حمل أحلاما كبرى ولم تستطع الدولة تحقيقها فهذا يسبب أحباطا كبيرا للجمهور، والشارع التركي خلال ست أشهر ماضية هي عمر الحرب الصهيونية على غزة وصل طموحه سقفا عاليا، أخيرا على الحزب والرئيس أن ينظرا إلى داخل الحزب الحاكم ويعيدوا سمعته النقية للشعب التركي، وتقديم عناصر جديدة تحوز رضا الشعب، إذا انتبه الجميع في الحزب والرئاسة إلى هذه النقاط وأمامهم أربع سنوات بلا اختبارات تصويتية فسوف يكون هناك أملا كبيرا في عودة العدالة والتنمية إلى جماهيرته السابقة، وعودة ثقة المواطن التركي فيه.

 

المصدر : الجزيرة مباشر