انتخابات الهند وتحديات الوجود الإسلامي.. القادم أخطر!

هنديات في انتظار الإدلاء بأصواتهن في المرحلة الأولى من الانتخابات (رويترز)

بدأت في التاسع عشر من إبريل/نيسان 2024، أكبر انتخابات برلمانية في العالم، يشارك فيها نحو مليار شخص، وتستمر لنحو شهرين، وتحدد من سيحكم أكبر دولة من حيث عدد السكان (1.4 مليار نسمة تعادل نحو 17% من سكان العالم)، حيث سيتوجه 969 مليون ناخب هندي إلى صناديق الاقتراع لاختيار 543 نائبًا يتشكل منهم البرلمان. ثم يتم تعيين نائبين إضافيين ليكون الإجمالي 545 عضوًا، وتتم الانتخابات على سبع مراحل، الأولى والثانية في يومي 19 و26 إبريل/نيسان، والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة أيام 7 و13 و20 و25 مايو/آيار، بينما الأخيرة في 1 يونيو/حزيران، ثم إعلان النتائج في الرابع من يونيو/حزيران 2024.

كيف يعمل النظام الانتخابي الهندي؟

يُدلي الناخبون بأصواتهم من خلال 5.5 ملايين جهاز تصويت إلكتروني في 1.05 مليون مركز اقتراع، ويتنافس فيها نحو 2660 حزبًا سياسيًا مسجلًا رسميًا، عدد الناشط منها 537 حزبًا.

في عام 2019، شاركت في الانتخابات 7 أحزاب وطنية و43 حزبًا على مستوى الولايات و623 حزبًا سياسيًا غير معترف به. ويتم الاعتراف بالأحزاب التي لها بصمة كبيرة في المجلس التشريعي للولاية. أما الذين لديهم حضور مهم في ولايات متعددة فيحصلون على علامة الحزب الوطني.

ويقود رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي زعيم حزب بهاراتيا جاناتا، ائتلافًا يضم أكثر من 30 حزبًا، في مواجهة التحالف الذي يقوده حزب المؤتمر المعارض الرئيسي، والذي يضم نحو 20 حزبًا، وفي عام 2019 حقق حزب بهاراتيا على 303 مقاعد، وحصل الائتلاف التابع له على 353 مقعدًا، بينما حصل حزب المؤتمر على 52 مقعدًا، وحصل الائتلاف التابع له على 91 مقعدًا، ويسعى مودي للحصول على 370 مقعدًا لحزبه و400 للتحالف الذي يقوده في انتخابات 2024.

وتقوم فلسفة النظام الانتخابي في الهند على أن الفائز الأعلى صوتًا هو الذي ينجح بغض النظر عن النسبة التي يحصل عليها حتى لو كانت 10% فقط من أصوات الناخبين وفق قاعدة (first past the post)  أي من يصل قبل غيره فهو الفائز، فلو تنافس 20 مرشحًا في دائرة انتخابية واحدة، الأكثر أصواتًا يمر على حساب الآخرين،  وتضيع الأصوات التي فاز بها باقي المرشحين، ويصبح نواب البرلمان لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة من الناخبين.

لذلك لم يفز أي حزب بنسبة 50% من أصوات الناخبين في أية انتخابات منذ حصول الهند على استقلالها وحتى الآن، فقد حكم حزب المؤتمر نحو 4 عقود دون أن تتجاوز حصته من الأصوات 50% أية مرة، وفاز بهاراتا الحاكم بنسبة 31% فقط من الأصوات في انتخابات 2014، ونسبة 39% في انتخابات عام 2019.

تعديل الدستور وترسيخ الاستبداد

يسعى رئيس الوزراء الحالي لتغيير نظام الانتخابات الهندي بصورة جذرية إذا فاز في الانتخابات الحالية، بحيث تعقد كل الانتخابات البرلمانية والإقليمية والبلدية والقروية في وقت واحد، بدعوى أن اختلاف التوقيت مكلف للغاية، ويشغل الناس والحكومة لوقت طويل، إلا أن الهدف الأكبر هو ضمان السيطرة على كل الانتخابات بحكم فارق الإمكانيات والقدرات المادية التي يتمتع بها الحزب الحاكم والأطراف الداخلية والخارجية التي تدعمه.

ويمارس مودي العديد من الضغوط ضد مختلف أطراف المعارضة السياسية في البلاد، سعيًا نحو الحصول على الأغلبية المطلقة بالبرلمان، لإجراء تغييرات جذرية على الدستور، تستهدف تحويل البلاد إلى دولة هندوسية وإلغاء النظم العلمانية والاشتراكية، وإلغاء قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية، وتنفيذ قانون مدني موحد، وتنفيذ قانون الجنسية المعدَّل الذي يمكن استخدامه وسيلة لسحب الجنسية من الملايين من مسلمي الهند، بالإضافة لحظر المدارس الإسلامية.

فقد أصدرت الحكومة الهندية، في الحادي عشر من مارس/آذار 2024 لوائح تنفيذ قانون الجنسية المعدَّل الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2019، والذي أتاح منح الجنسية للمهاجرين غير الشرعيين من غير المسلمين، ثم العمل على إجراء إحصاء في كل أنحاء البلاد لتقرير من هو مواطن هندي وفق وثائق سيُطلب من كل فرد إبرازها، ويُحرم المسلم الذي لا يملك تلك الأوراق من الجنسية (شهادة ميلاد رسمية أو شهادة التخرج من مدرسة ثانوية أو أوراق تملّك أراضٍ)، ولا تتوفر عند الأغلبية من المسلمين في الهند.

وقد تم رفع عشرات القضايا أمام المحكمة العليا ضد القانون، الذي يقول معارضوه إنه يخالف المادتين 14 و26 من الدستور الهندي، اللتين تحظران التفريق بين المواطنين على أساس الدين، لذا جاءت تحركات مودي لتغيير الدستور بعد الانتخابات.

ومع تعدد الاحتجاجات ضد القانون، أصدرت وزارة الداخلية الهندية بيانًا جاء فيه “إن قانون الجنسية ليس ضد المسلمين وإنما يخدم الإسلام الذي يتم تلطيخ سمعته بسبب الإساءة إلى غير المسلمين في بعض البلاد الإسلامية”، وهو ما رفضته المنظمات والشخصيات الإسلامية الكبرى في الهند، التي أصدرت بيانًا مضادًا يُندد بتنفيذ القانون واعتبرته اعتداءً على مبادئ المساواة والعدل ومتصادمًا مع روح الدستور الهندي، كما عارضته عدة منظمات حقوقية، بعضها تابع للأمم المتحدة، استنادًا إلى أنه يفرق بين المواطنين على أساس ديني ويعارض المبادئ القانونية والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها الحكومة الهندية.

هندوسية الدولة ومستقبل المسلمين

تهيمن النزعة القومية على الهوية السياسية في الهند بصورة كبيرة، وقد تنامت في ظل الحكومة الراهنة التي تحكم البلاد منذ 2014، وتشير معظم التقديرات أنها ستستمر في الحكم للسنوات الخمس القادمة، ويشكل الهندوس نحو 78% من إجمالي عدد السكان في الهند، يليهم المسلمون الذي تشير بعض التقديرات إلى أن نسبتهم تتراوح بين 12 و15% من إجمالي السكان، ثم المسيحيون ونسبتهم حوالي 2.5% في المرتبة الثالثة، ثم السيخ نحو 2%% ثم البوذيون 1% من إجمالي الهنود.

ويحاول مودي بعد الفوز بالأغلبية في انتخابات 2024، إعلان الدولة الهندوسية، يساعده على ذلك انخفاض نسبة تمثيل المسلمين في البرلمان الهندي، الذي لا يضم سوى 27 نائبًا فقط، ويواجهون صعوبات كبيرة في الحفاظ على هذا الرقم في الانتخابات الراهنة في ظل سياسات القمع والاستهداف الديني الذي يتعرضون له منذ وصول مودي للحكم، حيث مرر عشرات القوانين التي تستهدفهم، مثل قوانين الأحوال الشخصية وإغلاق المدارس الإسلامية وتقنين عملية بناء المساجد، بل والقيام بهدم العشرات منها، وإقامة معابد هندوسية على أنقاضها.

وفي أغلب الحالات يكون الإجراء المتبع، هو قيام الهندوس بتحريك دعاوى قضائية ضد المساجد، مطالبين بالحفر في أساسات المساجد والزعم بأنها أقيمت على أنقاض معابدهم، وتقبل المحاكم هذه القضايا، رغم وجود قانون صادر عام 1991، يضمن بقاء كل أماكن العبادة على الوضع الذي وجدت فيه يوم الاستقلال في أغسطس 1947.

وعقب سيطرة الهندوس على أرض مسجد البابري وهدمه عام 2019، أعدّت الجماعات الهندوسية قائمة بثلاثة آلاف مسجد يطالبون بتحويلها إلى معابد. هذا بجانب حظر الكتب الإسلامية وتقليص المعاهد والمدارس والجامعات الخاصة بالمسلمين، فضلًا عن ملاحقة الدعاة المسلمين، وحظر الطقوس الإسلامية مثل إطلاق اللحى وأداء الصلاة والصيام، ووصل الأمر إلى قيام عدد من المسؤولين الهنود بسب النبي (محمد) عليه الصلاة والسلام، ثم جاءت التحركات الرسمية لتغيير قوانين الأحوال الشخصية بما يتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية.

القادم أخطر

إن التحولات السياسية في الهند، لم تقف عند استهداف مسلمي الداخل، الذين يشكلون ثالث أكبر تجمع إسلامي في العالم بعد إندونيسيا وباكستان، لكن امتدت هذه التحولات في ظل حكومة مودي لاستهداف القضايا الإسلامية الكبرى في العالم المعاصر، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، في ظل التماهي الكبير بين النظام السياسي الهندي والنظام السياسي في الكيان الصهيوني، وتحولت الهند من مُناصر رئيس للحقوق الفلسطينية لأكثر من 6 عقود إلى داعم استراتيجي للكيان الصهيوني، وترسخ هذا الدعم مع الإعلان عن مشروع الممر الاستراتيجي الذي يربط بين الهند والكيان برعاية من الولايات المتحدة الأمريكية.

وأمام ارتباط المصالح الاقتصادية والاستراتيجية بين الهند ومعظم الدول العربية والإسلامية، فقد جاءت مواقف هذه الدول من السياسات الهندية، شديدة السلبية، وهو ما دفع الحكومة الهندية للاستمرار بل والتمادي في سياساتها، بل وصدرت تصريحات رسمية أن القادم بعد حسم نتيجة انتخابات 2024، سيكون أشد وأقوى، أو كما قال مودي: “إن الذي رأيتموه حتى الآن هو فيلم قصير أو فاتح شهية، أما الفيلم الكامل والوجبة الرئيسية فستأتي بعد الانتخابات”.

المصدر : الجزيرة مباشر