“فيتو” العزلة الأمريكية

الرئيس الأمريكي جو بايدن (رويترز)

بذرائع مختلفة ومتنوعة مضت الولايات المتحدة الأمريكية في رعايتها للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني بشكل متواصل، وبدعم دائم لا ينقطع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى الآن.

في تبريرها لاستخدامها حق النقض “الفيتو” الأسبوع الماضي في مواجهة قرار أممي يمنح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، قالت راعية العدوان إنها تؤمن بالمفاوضات طريقًا وحيدًا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وبرغبة دولية في الضغط على دولة الاحتلال التي فاق عدوانها كل تصور، جاء التصويت لصالح قرار منح فلسطين العضوية الكاملة بأغلبية كبيرة، أيدته 12 دولة بينما امتنعت كل من سويسرا وبريطانيا عن التصويت قبل أن يجهضه الفيتو الأمريكي الأحمق.

في الغالبية الكبيرة التي حصل عليها القرار الدولي مؤشر بالغ الوضوح على ضيق وتململ دول العالم من إصرار الكيان المجرم على استمرار العدوان، وعلى العزلة التي تعانيها الولايات المتحدة.

فبمقدار ما سعت أمريكا لإجهاض قرار مجلس الأمن كانت عزلتها الدولية تتعمق، ورفض سلوكها الشائن يتزايد، والانتقادات الدولية ترتفع حدتها وتتهمها بالمشاركة في العدوان المستمر على قطاع غرة منذ سبعة أشهر، وبتواصل سلوكها السياسي الداعي إلى رفع الضغوط التي تمارسها دول العالم على “إسرائيل” لكي تقبل بوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

في الدعم المستمر للكيان المحتل وعدوانه مزيد من العزلة الدولية للولايات المتحدة، هذه حقيقة مؤكدة لا ينكرها أي متابع بدقة لتفاصيل الحرب المجرمة.

سوابق أمريكية أدت إلى العزلة

الفيتو الأمريكي الذي استخدمته الولايات المتحدة الأسبوع الماضي لم يكن هو الأول، فقد تكرر مرات عدة منذ بدء العدوان على قطاع غزة مما زاد من انفصال الموقف الأمريكي عن أقرب حلفاء الدولة الكبرى في العالم، وبقدر ما تكرر الاستخدام المتعسف لحق النقض كانت الولايات المتحدة تغرق في مزيد من العزلة العالمية، حتى جاء الفيتو الأخير لتتعالى أصوات عربية ودولية للمرة الأولى ضد السلوك الأمريكي الغارق في دعم حرب الإبادة، ولتنفجر أصوات بعض الدول العربية بإدانة هذه السياسة الحمقاء.

فقد رأت المملكة العربية السعودية أن فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار بقبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة بسبب الفيتو الأمريكي “يسهم في تكريس تعنت الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار انتهاكاته لقواعد القانون الدولي دون رادع، ولن يقرّب من السلام المنشود”. في حين قالت الجزائر إنها “ستعود أقوى وبدعم من الجمعية العامة من أجل العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة”، بينما نددت السلطة الفلسطينية للمرة الأولى وبشكل علني بالموقف الأمريكي ورأته “عدوانًا يدفع المنطقة إلى شفا الهاوية”، في حين أعربت باكستان عن استيائها من عدم قدرة المجلس الدولي على الوصول إلى قرار منصف للشعب الفلسطيني.

قبل أقل من شهرين وفي نهاية فبراير/شباط الماضي، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تجهض مشروع قرار جزائريًّا في مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية، وقتها استخدمت أمريكا حق الفيتو أيضًا ضد المشروع الذي كان “يرفض التهجير القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين، ويكرر مطالبة جميع الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي”.

‎وجدد المشروع وقتها دعوته إلى “وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق إلى قطاع غزة، وتقديم ما يكفي من المساعدات الإنسانية بشكل عاجل ومستمر وبالحجم المناسب إلى المدنيين الفلسطينيين”

منذ إجهاض الولايات المتحدة الأمريكية هذا القرار الدولي كانت الهوة بينها وبين دول العالم تزداد، والعزلة الدولية تتضح، فقد حاز المشروع وقتها دعم 13 من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وهو ما يكشف تعنت موقف أمريكا الداعم لحرب الإبادة وسط عالم بات يشعر بعبء الانفلات الصهيوني وسخافة المنطق الداعي إلى استمرار الحرب العدوانية بلا أسباب مقنعة.

في بداية ديسمبر/كانون الأول 2023، كانت الولايات المتحدة ترسخ لدعمها للعدوان، وتعزف منفردة أيضًا على نغمة إنقاذ الكيان المحتل من قرار تبناه مجلس الأمن الدولي يدعو أيضًا إلى وقف الحرب الصهيونية على قطاع غزة لأسباب إنسانية، فقد وافقت 13 دولة وقتها وامتنعت بريطانيا عن التصويت على القرار الذي قدمته الإمارات العربية المتحدة ممثلة للمجموعة العربية آنذاك، ودعا القرار إلى “وقف إنساني فوري لإطلاق النار في غزة” إلا أن الفيتو الأمريكي كان له بالمرصاد.

عزلة أمريكية داخلية

بتصميم “إسرائيل” على استمرار عدوانها الذي دفع ثمنه حتى الآن عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين ما بين شهيد وجريح ونازح، وبفشل الولايات المتحدة في كبح جماح رئيس الوزراء الإرهابي بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، امتدت عزلة الولايات المتحدة من الخارج إلى الداخل، فلأول مرة تبدو القضية الفلسطينية عاملًا مؤثرًا في الانتخابات الأمريكية التي يحين موعدها نهاية العام الحالي، فكل استطلاعات الرأي حتى الآن تشير إلى تقدم دونالد ترمب المنافس الأهم للرئيس الحالي جو بايدن، هذا التقدم وللمفارقة جاء مبنيًّا على الموقف الأمريكي الداعم والمساند لحرب الإبادة الصهيونية، وعلى خلفية الوعي الكبير الذي انتشر في الولايات المتحدة الأمريكية ودول العالم بشأن عدالة القضية الفلسطينية، وبات من المؤكد حجب الصوت العربي عن إدارة بايدن في الانتخابات المقبلة عقابًا لها على موقفها المخزي من العدوان.

بتماهي إدارة بايدن مع العدوان باتت الولايات المتحدة في عزلة، وأضحت هذه الإدارة في ورطة حقيقية تتضح نتائجها يومًا بعد الآخر، ولم يعد متبقيًا فقط سوى موقف سياسي عربي يستغل تلك العزلة ويتحرك بسعي دبلوماسي نشيط يزيد الضغوط على الكيان المحتل وراعيه الأمريكي، ويعمق من العزلة والاستياء الدولي اللذين يتضحان كل يوم بشكل أكبر، وهي خطوة مهمة في سبيل نهاية العدوان المنفلت، وهزيمة سياسية كبيرة ومحققة لأمريكا وربيبتها إسرائيل تليق بهما وبحماقة ما أقدما عليه منذ أكتوبر الماضي.

المصدر : الجزيرة مباشر