هل تستطيع داعش إنقاذ إسرائيل؟!

السفراء الأجانب يضعون أكاليل الورود على النصب التذكاري لضحايا هجمات داعش في روسيا (رويترز)

تعيش إسرائيل حالة من الانهيار والتلاشي داخليًّا وخارجيًّا، بما تقوم به ممن إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في غزة. فقد رأى العالم كله حقيقة استخدام الكيان المحتل الهجمات التي قامت بها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كذريعة للوحشية البربرية، فلا يمكن لأي وصف تطلقه إسرائيل أو غيرها على حماس أن يبرر القتل الوحشي لما يقرب من 50000 شخص من الأطفال والعجائز والمدنيين والنساء والصحفيين والعاملين في المجال الطبي وشيوخ الدين.

ومع هذه الوحشية المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر، استنفدت إسرائيل دعواها ومظلوميتها المبنية على الهولوكوست. هذا إلى جانب أن مواصلتها للهجمات الوحشية على غزة، تزيد من شرعية حماس وتعزز التعاطف العالمي مع المقاومة ومع الإسلام وحقيقته البريئة من كل ما تنسبه إليه.

والواقع أن هذه الأحداث قد كشفت زيف الخطاب الذي حاولت إسرائيل وأمريكا وأوروبا إرساءه في الشرق الأوسط، بوصم حماس والإسلام كله بالإرهاب والعنف، واستنفدت كل ذرائع هذه الدعاوى، فمنذ 7 أكتوبر الماضي ارتبط العنف والإرهاب والوحشية والهمجية بإسرائيل والغرب، وليس بالإسلام. وتجلى حكم قطاع الطرق الكامل والإرهاب بشكل صارخ في مواجهة مقاومة حماس نفسها التي تأكد حقها فيما تقوم بها وتبرر موقفها وازداد التعاطف معها. وأصبح من الواضح أكثر فأكثر للجميع كيف أن الحديث عن ثلاثة أو خمسة آلاف جريمة قتل نشرها أعضاء داعش للعالم، قد أغفل دماء ملايين المسلمين الذين قتلتهم أمريكا وأوروبا بوحشية في العراق وأفغانستان وسوريا أصالةً أو نيابة عن إسرائيل.

هجوم روسيا

والآن وصلنا إلى نقطة لا شرعية فيها أو مصداقية بين الجماهير لروايات الإرهاب الإسلامي التي تتذرع بها الإمبريالية الغربية. في الواقع، وفي هذه المرحلة لم تكن رواية الإرهاب الإسلامي هي التي انهارت في غزة أمام الإبادة الجماعية الإسرائيلية والدعم الأمريكي غير المحدود لها فحسب، بل أيضا تداعت كل السرديات الاستشراقية التي وفَّرت أساسًا عالميًّا لهذه الأيديولوجية الإمبريالية طوال ثلاثة قرون.

وفي السياق ذاته بدت الطريقة التي وقع بها الهجوم الإرهابي الوحشي الذي وقع في مدينة كروكوس أحد أهم مراكز الترفيه في موسكو، الأسبوع الماضي غريبة للغاية، فإعلان داعش مسؤوليتها عن هذا الهجوم الذي صرَّحت أمريكا مؤخرًا أنها تلقت معلومات استخباراتية عنه منذ فترة، وجميع البيانات والمعطيات التي لا تترك مجالا للشك تكشف حقيقة الفاعل والدافع وراء ما قام به. بالطبع، هناك مراجعة مطروحة حول رأس مال “الإرهاب الإسلامي” المستنزَف من خلال داعش. والغريب أنه لم يعد هناك من لا يعرف أو يفهم داعش؟ فالعلاقات صارت واضحة ومكشوفة تمامًا، وهدف تقديمهم لهذا الطرح هو إقناع أي شخص بأي شيء…

كما تعلمون، أمريكا التي دخلت سوريا من خلال فتح التحالف الدولي ضد الأسد الذي يقتل شعبه، قد غيَّرت فجأة هدفها هنا وقررت قتال منظمة إرهابية تسمى داعش لم تكن في الحسبان على الإطلاق، وصارت لها أولوية أعلى. في ذلك الحين، لم تستطع واشنطن التعامل مع داعش، ولكن بدعوى قتالها استقرت أقدامها في سوريا، فالحسابات واضحة جدًّا حيث شكَّل رحيل الأسد وتولي الشعب السوري السلطة مكانه خطرًا على أمن إسرائيل.

ولهذا عمل كلٌّ من داعش وأمريكا بتنسيق كامل لمحاربة الشعب السوري الضحية بدلا من قتال الأسد، وعندما بدأ وجود داعش في سوريا في التزايد، نقلت أمريكا أعضاء فرع خراسان من داعش إلى أفغانستان بطائراتها الخاصة لتقوم داعش هناك بالطبع بمحاربة طالبان العدو الرئيسي لأمريكا وحلفائها. ولا يزال أعضاء داعش بأنشطتهم الإرهابية ينتظرون فرصة لتدمير الاستقرار والبيئة الأمنية التي تأسست في أفغانستان، لكن طالبان أشد بأسًا من التأثر والتصدع أكثر مما يظنون.

هناك معلومات لا شك فيها وحقائق لا تحصى حول علاقة داعش بأمريكا في العراق وأفغانستان وسوريا وغيرها، ورغم ذلك فإن أمريكا تنتظر أن يصدقوا روايتها عن حادثة موسكو، فمن يمكن أن يصدقها؟! ربما تكون هناك أيادٍ أوكرانية، وربما يكون لها دور في السياسات التي ترغب أمريكا في اتباعها في الشرق الأوسط ضد الدول الإسلامية. ومن ناحية أخرى فإن قادة الدول الإسلامية يصدقون الأكاذيب الأمريكية أكثر من تصديقهم للحقائق، فاستخدام داعش من أجل شيطنة الحركات الإسلامية الديمقراطية المعتدلة تُسعد حكام العالم العربي، لأنهم بهذه الطريقة يحافظون على استبدادهم ويعززونه في وجه خصومهم. لذلك لا يريدون حتى أن يهتموا بما إذا كانت أمريكا أو إسرائيل تقف حقًّا وراء داعش، بل يؤسسون وجودهم وبقاءهم على القصص التي تخترعها أمريكا.

تحويل الانتباه

ولكن هذه المرة، هناك سردية مختلفة للقصة يظهر فيها بوتين الذي وقعت الأحداث في عاصمته موسكو، ومعلوم عن بوتين أنه شخص من غير المرجح أن يترك منفذي الحادث ومطلقي النار أو من يقف خلفهم…

والحقيقة أن الهدف الأكثر وضوحًا وراء محاولة ضرب موسكو بقصة الإرهاب الإسلامي هذه الأيام هو تحويل الانتباه عن إسرائيل التي تمارس كل أنواع الإرهاب والعنف والوحشية والهمجية، وترتكب الجرائم ضد الإنسانية أمام العالم منذ أكثر من 6 أشهر.

وهذا هو الديدن في جميع المشاهد السابقة، حيث تدخل داعش المشهد لصالح أو هكذا يُعتقد أنها مفيدة لكلٍّ من أمريكا وإسرائيل.

والآن بالطبع لم يعد هذا السيناريو مقبولا، فحتى وحشية داعش الزائفة لم تعد قادرة على التعتيم على وحشية إسرائيل الحقيقية، بل على العكس من ذلك فإن وحشية داعش تُنسب إلى إسرائيل من خلال أمريكا داعمها الأساسي.

المصدر : الجزيرة مباشر