الشيطان يعظ!

بايدن (الأناضول)

 

دخلنا الشهر السادس من العدوان الصهيوني على غزة، 158 يوما من المجازر الشنيعة، 23 أسبوعا من الفظائع الرهيبة، تدمير ممنهج لكل أشكال الحياة.

أكثر من 31 ألف شهيد، عدد الجرحى يلامس 73 ألفا، 27 شهيدا جراء سوء التغذية، مأساة غزة الجديدة هى الموت جوعا، هناك حرب تجويع بجانب حرب الصواريخ والقذائف.

أيام العدوان النازي تتواصل، ولا أمل في توقفها بهدنة مؤقتة أو مستدامة أو وقف إطلاق نار دائم ولو في رمضان، لما لهذا الشهر الكريم من خصوصية عند المسلمين، فلا خصوصية أو قيمة للمسلمين لدى إسرائيل ومن يدعمونها.

وأعداد الشهداء والجرحى في صعود أيضا، وجميع الغزيين هم بين انتظار الشهادة أو الإصابة، وهم جميعا يعيشون التشريد والترويع والتجويع والمظلومية.

تعاطف أمريكي خادع

الشيطان الأمريكي يظهر في تصريحاته الأخيرة كأنه يتعاطف مع ضحايا العدوان، لكنه تعاطف خادع، تصريحات تفتقر إلى المصداقية حتى عندما يدعو لوقف النار لمدة ستة أسابيع، أو يقيم رصيفا بحريا في غزة لاستقبال المساعدات، أو إلقاء المساعدات من الجو مع دول عربية هى والعدم سواء في مساعي إيقاف الجريمة.

الشيطان الأمريكي إذا كان جادا وعادلا وإنسانيا وأخلاقيا فإنه قادر على لجم تابعه الصهيوني، فالعدوان أساسه واستمراره بيد واشنطن.

وبينما بايدن يذرف دموع التماسيح على ثلاثين ألفا من المدنيين الفلسطينيين ولا يريد سقوط ثلاثين ألفا آخرين في رفح، فإنه في الوقت نفسه يقول إن دعم إسرائيل خط أحمر، ومنحها ما تحتاج إليه من السلاح والعتاد العسكري وفتح المخازن أمامها خط أحمر.

بايدن يقدّم الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي المطلق لإسرائيل، وإدارته لم تسمح بأي إدانة -ولو رمزية- لها في مجلس الأمن، فلا مشروعات قوانين وقف إطلاق النار مرت، ولا البيانات السياسية لإدانتها سُمح بها.

طائرة أمريكية تقتل وأخرى تساعد

كيف تكون الطائرة التي تلقي المساعدات لغزة أمريكية، والطائرة التي تلقي الصواريخ فتقتل أهل غزة أمريكية أيضا، الشيطان الأمريكي الذي يعظ يقتل بيد ويرمي لقمة باليد الأخرى، هل يستقيم ذلك؟ وهل موعظته مقبولة؟

لو أن بلدا آخر في العالم أو كيانا أو تنظيما فعل واحدا على ألف أو مليون مما تفعله إسرائيل طوال ستة أشهر لكانت صدرت ضدها عشرات القرارات الدولية التي تدينها وتفرض العقوبات عليها وتسمح باستخدام القوة ضدها.

روسيا عندما غزت أوكرانيا، ولديها حجة بأنها تدافع عن أمنها القومي، فإن الغرب فرض حزما قاسية من العقوبات عليها.

وفي العراق وإيران وأفغانستان وليبيا واليمن وسوريا والسودان وكوريا الشمالية ودول غيرها، فُرضت عقوبات عليها وبعضها تعرّض لحروب أمريكية مباشرة أو ضربات انتقامية مدمرة، أو أشكال مختلفة من الحصار والتضييق والتجويع، لكن إسرائيل شديدة التدليل عند الشيطان الأمريكي الأعظم كما يطلق عليه الإيرانيون منذ ثورتهم ضد الشاه عام 1979.

الهوان العربي

الإدانات الوحيدة لهذا الكيان المارق تجري في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي المنظمات والمحافل الدولية التي تتساوى فيها أصوات الدول الأعضاء ولا تكون فيها ميزة “الفيتو” الأمريكية في مجلس الأمن.

هذا المجلس صار وبالا على الضعفاء ومن لا ينضوون في تحالفات وثيقة أو تبعية ذليلة مع أعضائه الخمسة الكبار؛ أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا.

وإسرائيل تحظى بمعاملة خاصة من أمريكا داخل مجلس الأمن الفاسد الذي يستقوي على العرب والمسلمين أكثر من غيرهم في العالم، وللأسف هم من يفعلون ذلك بأنفسهم حيث حالة الشتات والضعف والهوان والتفريط فيما لديهم من عوامل قوة وتأثير تجعلهم ألعوبة في أيدي الأمريكان والدول الكبرى.

المحرقة في رمضان

هل يُعقل أن تستمر المحرقة الشنيعة حتى مع دخول شهر رمضان بينما نحو ملياري مسلم يمارسون حياتهم الاعتيادية، ولا يمتلكون لغزة غير الدعاء، أي دعاء هذا؟! إنه فعل العجزة والقعدة والأموات وهم أحياء!

هل يقبل الله مثل هذا الدعاء؟ وهل يقبل الصلاة والصيام والحج والعمرة من هؤلاء غير القادرين على إسكات بندقية واحدة عن قنص طفل أو إزهاق روح عجوز أصم أبكم أو نسف منزل بكل مافيه سكان؟ بل الأدهى أنهم عاجزون عن إدخال وجبة غذاء أو شربة ماء أو حبة دواء لإنقاذ الجوعى والجرحى إلا بضوء أخضر أمريكي إسرائيلي.

هل هناك معنى اليوم أن تكون عربيا ومسلما ما دام أشقاء لك مستباحين بالكامل ويبادون في بلادهم؟ وهدف إسرائيل أن تقول إنه كانت هنا غزة، وهي رسالة إلى العرب والمسلمين جميعا، مضمونها أننا رغم كارثة السابع من أكتوبر موجودون هنا ولن نغادر وغير قابلين للزوال وأيادينا طويلة وقادرون على التوسع لإقامة إسرائيل الكبرى.

قُبلة حياة عربية لإسرائيل

ألم يلتقط العرب والمسلمون رسالة أكتوبر؟ أفراد مقاومة بتسليح بدائي وروح فدائية يهزون الكيان الذي يستثمر فيه الغرب منذ قرن ليبقى ويقوى ويتفوق، ثم خلال ساعات يكتشف هذا الكيان وذلك العالم أن مشروعه قابل الزوال.

ولكن التخاذل العربي بدل أن يواجه العدوان سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا ونفطيا، وبكل ما لديه من أوراق وعلاقات دولية، لكي يردع إسرائيل ويبني موقفا جديدا على نتيجة 7 أكتوبر ليضعها في حجمها، حيث تظل عدوا أبديا مهما اتسع التطبيع معها، بدل ذلك فإن العرب يستسلمون للإبادة، وبعضهم يساعدها في الحصول على البضائع والأغذية أو يتواطأ معها للتخلص من المقاومة، ومن فكرة المقاومة نفسها.

تخيلوا حالة إسرائيل إذا كانت بعد زلزال أكتوبر وجدت أمة موحدة، لا نقول تحاربها، إنما على الأقل تقف ضدها لمنع محرقة غزة، ساعتها كانت ستتقزم أكثر مما تقزمت، وستنكشف أكثر مما انكشفت، وسترتعد أكثر مما ارتعدت، وكانت مع رعاتها الأمريكيين والأوروبيين سيستعجلون حل الدولتين جديا لتحافظ على كيانها وتشعر بالأمان.

العرب والمسلمون يمنحون إسرائيل قُبلة حياة جديدة.

المصدر : الجزيرة مباشر