القوة هي اللغة التي يفهمها الاحتلال

الحصول على وجبة تقي من الجوع صار حلما لكثيرين من أطفال غزة
الحصول على وجبة تقي الجوع صار حلما لكثيرين من أطفال غزة (رويترز)

ها هي هجمات الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة تدخل شهرها الخامس -عند كتابة هذا المقال، وطوال هذه الفترة لم تتوقف إسرائيل قط عن أعمال الإبادة الجماعية، وقصفها غير المسبوق على كل غزة حتى رفح، وهذا يزيد من حجم المأساة يومًا بعد يوم.

ورغم استمرار الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم ضد عدوان الوحشي لقوات الاحتلال، فإن حالة التزامن بين قصف قوات الاحتلال لكل شبر في غزة، واندلاع الاحتجاجات الرافضة له دون أن يكون هناك أثر حقيقي على الأرض، وبالتالي ما زال أهل غزة أطفالًا ونساءً وشيوخًا ورُضَّعًا ومرضى وأطباء ومعلمين وطلابًا يتعرضون للقتل الوحشي كل يوم، لهي حالةٌ داعية لأن يغير الاحتجاج من لغته وأعماله.

ففي المراحل الأولى من العدوان الإسرائيلي، كان للاحتجاجات تأثير إلى حد ما في وقف الهجمات. ومع ذلك، فإن استمرار همجية الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بدعم من أمريكا وأوروبا على الرغم من كل الاحتجاجات المناهضة لها، جعلت استمرارية الاحتجاجات بنفس اللهجة تفقد معناها وجدواها.

وهكذا يصبح من الضروري الانتقال إلى فصل آخر من العمل للرد على العدوان. وقد كان لتركيا قصب السبق في الوقوف مع الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل، حينما غيرت لهجتها من مستوى “الهجمات الإسرائيلية يجب أن تتوقف” إلى مستوى “يا إسرائيل” لا تسامُح بعد الآن، أوقفوا هجماتكم على الفور، وإلا…”

لا قوة توقف إسرائيل:

والحقيقة أننا اليوم إذا لم نعِ أنه لا توجد قوة أخرى يمكنها إيقاف إسرائيل، فإن ما نفعله هو مجرد حرث في الماء؛ لأن القوى التي نتوقع منها إيقاف إسرائيل هي بالفعل متعاونة معها وداعمة لها. والحديث عن تغييرهم لمواقفهم يعني أولًا أننا لم نستوعب الموضوع بما فيه الكفاية. فالاكتفاء بتصريحات الدعم فقط لا يعدو مجرد تصوير ما وصلت إليه الشعوب من ضعف وهوان.

ومن ناحية أخرى فقد صرَّح أهل غزة مرارًا وتكرارًا بأنهم لا ينتظرون أي شيء من أحد، وأنهم انطلقوا في طريق الحرية ولا يتوقعون أن يأتي أحد بجيوشه وأسلحته ويدعمهم. ولكن ربما الذي لم يحسبوه أنَّ إسرائيل التي تقوم بالإبادة الجماعية يمكنها أن تهاجم الأطفال بوحشية أمام أعين العالم، وأن العالم سيظل صامتًا لا يحرك ساكنًا إذا أقدمت على ذلك، وإن حدث كل ذلك فإنها لم تنتظر من قادة العالم الإسلامي أن يقفوا عاجزين عن تقديم أي مساعدة.

ولهذا فإن الاحتجاجات التي تنتشر في كل مكان في العالم ليست غضبًا من إسرائيل وحدها، بل إنها كذلك احتجاجات ضد زعماء الدول الإسلامية الذين لا يبذلون أي جهد فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية. وقد أخذت تلك الاحتجاجات تتحرك تدريجيًّا لتأخذ منحنى آخر، وتدعو حكوماتها إلى اتخاذ تدابير أكثر فعالية لإنقاذ أهل غزة الذين يتعرضون للإبادة الجماعية، إضافة إلى ظهور أصوات كثيرة الآن، على رأسها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ،تتحدث عن إعلان وجوب الجهاد ضد إسرائيل.

اللغة الوحيدة

فاللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل هي لغة القوة لا الكلمات. ومع ذلك فإنها لم تجد القوة التي تردعها عن الاستمرار فيما تفعل، اللهم إلا ما تقوم به المقاومة القوية التي ترد بها حماس على غطرسة الاحتلال وهجماته الغاشمة.

ومن ناحية أخرى فإن هناك بعض داعمي إسرائيل في عدوانها ضد حماس وعلى غزة، متعللين بذرائع الاحتلال الواهية. وعلى رأس هؤلاء الداعمين وسائل الإعلام الغربية مثل الـ”سي إن إن” والـ “بي بي سي” وكذلك بعض الهيئات السياسية، إلا أن الواقع يكشف مدى فداحة الكذب وهشاشة ذرائعهم، فنظرة سريعة على الوضع الراهن في مناطق فلسطينية أخرى مثل الضفة الغربية التي تغيب عنها حماس، لا تدع مجالا لتصديق ذلك الإفك الإسرائيلي.

فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بلغت الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة 30458 انتهاكا واعتداء، بمعدل 136 حالة في اليوم. ونتج عن ذلك -بحسب بيانات وزارة الصحة- مقتل 394 فلسطينيًّا، من بينهم 70 طفلًا، وتجاوز عدد المصابين 3918، إضافة إلى اعتقال حوالي 7040 فلسطينيًّا، من بينهم 260 طفلًا دون سن 18 عامًا.

بعيداً عن حماس

وإلى جانب انتهاكات جيش الاحتلال، بلغت انتهاكات المستوطنين 852 اعتداءً في الضفة الغربية، وداهموا 2632 منزلًا. وهذه كلها هجمات إسرائيلية على الفلسطينيين بعيدة عن حماس والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال. ورغم هذا فإن الذين صدقوا ادعاءات آلة الإرهاب والدعاية الإسرائيلية يعتقدون أن كل شيء بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن الحقيقة أنه في الأماكن التي لم تكن فيها حماس، لم يكن الوضع مختلفًا قبل ذلك التاريخ.

والتاريخ الحقيقي يؤكد أنه ما دام التهاون والعجز العالمي مستمرًا، ولا يقوم أحد بمواجهة قمع الاحتلال الغاشم، فإننا نسير نحو استبدال جذري وظهور جهات فاعلة جديدة وحلول غير معتادة على الساحة الإقليمية والعالمية. وحينئذٍ فإن المهم في أي طرف ستكون حينما سيصدر الحل الذي سيعيد ضبط موازين القوى ومعايير الأخلاق، ويعيد إحياء البشرية ويرفعها من الهاوية؟!

المصدر : الجزيرة مباشر