الحرب على الحقيقة.. إسرائيل واستهداف قناة الجزيرة

الأمن الإسرائيلي يداهم مكتب قناة الجزيرة، ويصادر المعدات، بعد قرار الحكومة الإسرائيلية إغلاق المكتب (الأناضول)

الحرب على الحقيقة، إنه العنوان الصريح لما تتعرض له قناة الجزيرة من استهدافات على مدار مسيرتها، منذ انطلاقها في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1996.

والخوف من الحقيقة هو الإجابة الصحيحة المفسرة لموقف حكومة الاحتلال الإسرائيلي ورئيسها بنيامين نتنياهو من قناة الجزيرة، التي قضت مضجعه ومضاجع أعضاء حكومته المتطرفين، لا لشيء سوى نقل الحقيقة المجردة.

إن الإجراء الإسرائيلي الأخير بحق قناة الجزيرة لمنع نشر حقيقة ما يحدث في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة يتجاوز أثره القناة إلى الإعلام الدولي كله، وهذا يؤكد العداء الإسرائيلي المستحكم لكافة وسائل الإعلام الناقلة للحقيقة.

حملات متكررة ضد “الجزيرة”

إنه من قبيل تحصيل الحاصل السؤال عن سبب الحملات المتكررة ضد قناة الجزيرة، واستهدافها من قبل العديد من الأنظمة في المنطقة، وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي.

وكذلك لسنا في حاجة إلى تأكيد المؤكد، وهو أن قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير بمنع قناة الجزيرة وإغلاق مكاتبها، محاولة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة لجني مكاسب سياسية، عبر مغازلة قاعدتهم السياسية بمثل هذا القرار.

أزعم أنه على مدار تاريخ وسائل الإعلام العربية والعالمية، لم تتعرض وسيلة إعلام لمثل ما تعرضت له قناة الجزيرة من محاولات استهداف؛ قمعا وتشهيرا وطعنا، سواء من نظم أو كيانات أو أفراد، رغم أنها تمثل محطة فارقة في مسيرة تصحيح الوعي، وعلامة بارزة في مجال الإعلام تاريخا وتأريخا.

“إن الجزيرة كانت ولا تزال شاهد حق لا يدلس ولسان صدق لا يجامل، وحرمت القتلة من التستر على القتل، وانحازت للحقيقة والإنسانية وتطلعات الشعوب العربية في توقها للتحرر”، هذه كلمات للأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، عام 2016، في الاحتفال بالذكرى العشرين لانطلاق الجزيرة، حان وقت استرجاعها، وقد أكدها الواقع مرارا وتكرارا وما زال.

لقد ترسخ حضور شبكة الجزيرة لدى الشعوب العربية، وتمددت في أوساط شعوب أخرى، حيث أصبحت مصدرا رئيسيا يحظى بثقة الباحثين عن الحقيقة، ومن يريدون متابعة الأحداث وتطوراتها في شتى أنحاء العالم.

 ثورة الجزيرة الإعلامية

إن استهداف حكومة الاحتلال الإسرائيلي لقناة الجزيرة يدفعنا إلى وقفة تأمل لما يمكن أن نسميه “ثورة الجزيرة الإعلامية”.

في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1996، كان العرب والعالم على موعد مع لحظة تاريخية، عندما انطلق بث قناة الجزيرة الإخبارية من قطر، التي كان انطلاقها ثورة إعلامية عربية.

وليس من قبيل المبالغة أن انطلاق قناة الجزيرة مثل تاريخا مهما، وأصبح تأريخا لما بعده، وكان حدا فاصلا بين عصرين؛ عصر ما قبل الجزيرة وعصر ما بعدها.

فلأول مرة في تاريخ الإعلام العربي، تبث قناة إخبارية عربية بمفهوم جديد يلامس هموم شعوب المنطقة، ويعبر عن قضاياها، ويصحح وعي الجماهير، من خلال الرأي والرأي الآخر، وتحول حلم المشاهد العربي الباحث عن الحقيقة إلى واقع ملموس على الأرض.

وفي هذا الصدد، أعتقد أنه من المناسب أن أذكر القارئ ببعض ما أوردته في مقال سابق، نقلا من كتاب “تأثير الجزيرة” لمؤلفه فيليب سيب، أستاذ الصحافة والدبلوماسية العامة وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا، الذي يقول: “لقد لعبت الجزيرة دورا تاريخيا في تغيير المشهد الإعلامي، ليس في الشرق الأوسط فحسب، وإنما على الصعيد العالمي أيضا، وبذلك أثبتت أنه يمكن النجاح في تحدي هيمنة المؤسسة الإعلامية الغربية”.

وإلى جانب النجاح الذي حققته الجزيرة على هذا المستوى، فهي تقدم نموذجا داخل العالم العربي وخارجه، باعتبارها مثالا للمؤسسات الإعلامية ذات الحضور الإقليمي والعالمي، في العشرية القادمة بالتأكيد”. انتهى الاقتباس.

لقد أصبحت قناة الجزيرة اليوم شبكة من أضخم وأهم الشبكات الإعلامية العالمية، والأهم هو أنها وضعت العرب لأول مرة على خريطة المنافسة الإعلامية العالمية.

الحائرون في مهنية الجزيرة

لقد كان لافتا أن قرار نتنياهو بإغلاق مكاتب الجزيرة جاء بعد يوم واحد من الاحتفال باليوم العالمي للصحافة، وهذا يحمل الكثير من الدلالات، ويعد مؤشرا على حجم ما بلغه الاحتلال الإسرائيلي من صلف وتخبط.

ولسنا في حاجة للتذكير بأن الاحتلال الإسرائيلي كانت رسائله التحذيرية للجزيرة مباشرة ولم تتوقف، وذلك عبر استهداف صحفيي الجزيرة وعائلاتهم؛ فسقط منهم الشهداء والجرحى، ورغم ذلك لم تتوقف الجزيرة والعاملون فيها عن أداء رسالتهم في نقل الحقيقة بمهنية خالصة، وكشف خداع الاحتلال الإسرائيلي ووحشيته، وإيصال الصوت الفلسطيني للعالم.

وفي إطار ممارساتها المهنية، كانت قناة الجزيرة تُجلب إلى قلب الصراعات، ولم تسلم من الاتهامات من هؤلاء أو أولئك، وينسحب ذلك على تغطيتها لنزاعات عدة عربيا وعالميا.

فمن ناحية، تُتهم الجزيرة بالتطبيع لاستضافتها إسرائيليين، ونقلها أحداثا إسرائيلية، رغم أن هذا يأتي في إطار العمل المهني الصرف، الذي يصب في صالح القضية الفلسطينية، وإيقاظ الوعي العربي، عبر كشف حقيقة الاحتلال الإسرائيلي.

ومن ناحية أخرى، توجه الانتقادات للجزيرة بأنها ذراع إعلامي للمقاومة، ومعبر عنها، ومنحازة للتيار الإسلامي، ولكن الأمر يأتي أيضا ضمن حدود المهنية.

لقد نسي هؤلاء جميعا أن شبكة الجزيرة منفتحة على كل المصادر، وأنها الوحيدة بين القنوات الإخبارية التي لديها أكبر عدد من المراسلين على الأرض في أنحاء العالم المختلفة، وأنها الأكثر مشاهدة في العالم العربي.

غير أنه من المهم الإشارة إلى أن شبكة الجزيرة رغم مهنيتها العالية، وكونها الأضخم عالميا، فإنه لا يمكن إغفال هويتها، وانحيازها لقضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهذا عنوان لمصداقيتها، وعامل أساسي لتفوقها.

الحق ما شهدت به الأعداء، واتهامات نتنياهو للجزيرة شهادة لها، ووسام شرف على صدر قطر وشعبها والعاملين في القناة، وتأكيد قاطع على مهنية شبكة الجزيرة وفاعليتها في معركة الوعي وحرب المفاهيم، وكشف الحقيقة. ولن يضر الجزيرة ما تفعله إسرائيل وغيرها، وشمس الحقيقة لن يحجبها غبار أهل الباطل.

المصدر : الجزيرة مباشر