إسرائيل مجرد أداة

بايدن ونتنياهو خلال زيارة بايدن لإسرائيل عام 2016 عندما كان نائبا للرئيس الأمريكي باراك أوباما (رويترز)

نحن أمام أجندة أمريكية غربية بامتياز، من القصف المتكرر لسوريا واحتلال جنوب لبنان، من تدمير مفاعل العراق النووي والعدوان على إيران، من احتلال فلسطين وحرب الإبادة على غزة، من الضرب عرض الحائط بالقوانين والمواثيق الدولية، والإفلات من عدالة المحاكم وعقوبات مجلس الأمن، الأجندة يقوم على تنفيذها الكيان الصهيوني، الذي أنشئ خصيصًا للقيام بهذا الدور، فلا غرابة إذن أن يجد الدعم المادي والعسكري المنقطع النظير، إضافة إلى الحماية القانونية والعسكرية بلا حدود، على مدى 76 عامًا مضت، هي عمر كيان الاحتلال، وما زال العرض مستمرًّا.

لو أن الأجيال الحالية لم تشهد المأساة من كل جوانبها على أرض الواقع، لما كان الأمر قابلًا للتصديق، هي حالة من الخيال والجنون والبلطجة، سوف يقف المؤرخون أمامها طويلًا، خصوصًا من يسمعون جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يقول: “لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها، ذلك أنها أنجح استثمار أمريكي في التاريخ، فهي تغنينا عن وجود 40 ألف عسكري بالمنطقة”؛ فلا غرابة إذن أن يصل حجم الإمدادات العسكرية لإسرائيل خلال ستة أشهر، إلى ما يزيد على 60 مليار دولار، من الولايات المتحدة وحدها، من بينها 26 مليارًا وقع عليها بايدن أمس الأول.

تعليمات بالتدليس

لو تابعنا التعليمات الصادرة لوسائل الإعلام الأمريكية، “بالتدليس والتزييف” حول كيفية التعامل مع حرب الإبادة في قطاع غزة، لأدركنا حجم أكاذيب “الأخلاق والمثل العليا”، التي خدعت العالم على مدى سنوات طويلة، لو تابعنا ردودهم على مظاهرات الطلاب في معظم الجامعات هناك، لتأكدنا من ذلك أيضًا، هذا فضلًا عن المواقف السياسية الغنية عن الشرح، أما عن مواقف النفاق الغربية فحدث ولا حرج، بدءًا من بريطانيا وألمانيا بشكل خاص، مرورًا بفرنسا، وحتى سويسرا التي امتنعت عن التصويت مؤخرًا بمجلس الأمن الدولي لصالح إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يؤكد أن المواقف واحدة، إلا أن الأحداث هي التي تكشف ذلك رويدًا.

في هذا الصدد تجدر الإشارة، إلى أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفشل ما كان يعرف بعصبة الأمم، اتجه العالم نحو إنشاء ما يعرف الآن بالأمم المتحدة، وما ينبثق عنها من مجلس أمن، في إطار التوجه نحو عالم أكثر عدالة -كما هو معلن- إلا أنه في الوقت نفسه تم إقرار ما يعرف بحق النقض أو الفيتو الذي يحق لخمس من الدول الكبار استخدامه، لإجهاض أي شيء وكل شيء، وها هي القضية الفلسطينية، كانت أكثر ضحايا الفيتو، الذي استخدمته الولايات المتحدة وحدها لصالح الكيان الصهيوني نحو 59 مرة، من بينها 5 مرات خلال الأشهر الستة الماضية فقط!!

كما تجدر الإشارة، إلى أن نحو ثمانية ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات، معظمهم في مخيمات لاجئين لم يحركوا ساكنًا في الضمير الإنساني العالمي كل هذه السنوات، بل على العكس، كانت المساعدات الدولية المقدمة إليهم عرضة للابتزاز والمساومة طوال الوقت، ليس ذلك فقط، بل كانوا في متناول القصف الصهيوني والاغتيالات، وسط ظروف معيشية هي الأسوأ في التاريخ، وكان الغرب دائمًا وأبدًا في خندق المنافقين، يعطيك من طرف اللسان حلاوةً، إلا أن سلاحه كان القاتل الفتاك بعد السلاح الأمريكي.

المخطط في بدايته كان غربيًّا، منذ وعد بلفور عام 1917، قبل أن يصبح غربيًّا أمريكيًّا فيما بعد، الكيان الصهيوني مجرد أداة، أو ألعوبة وجدت ضالتها، وسط حالة من التيه، كان اليهود “حرافيشها” على امتداد التاريخ، نتيجة ممارساتهم المدمرة للمجتمعات التي وُجدوا فيها شرقًا وغربًا، لم يستطع أحد تحملهم، لذا تم طردهم منها جميعًا، بل واستهدافهم بالإبادة في بعض الأحيان، فكان ما كان من استخدامهم بهذا الشكل الدموي، الممزوج بالعقد النفسية، في الوقت الذي يتوهمون فيه أنهم يستخدمون الآخرين لتحقيق مآربهم في إقامة كيانهم.

من هنا، كان من الطبيعي أن تجد المقاومة الفلسطينية نفسها تواجه الولايات المتحدة والغرب، وليس إسرائيل فقط، تواجههم على أرض المعركة، أفرادًا ومعدات، تواجههم في المحافل والمحاكم الدولية، تواجههم في الضغط على العرب حلفاء القضية التاريخيين، قبل أن تتغير بوصلتهم إلى الحياد، وأحيانًا إلى العكس، كما وضح في ممارسات البعض الآن، وجميعها أوضاع لم يكن الكيان الصهيوني يستطيع أبدًا إنجازها أو تحقيقها، بل كانت صناعة أصحاب القضية الأصليين المعنيين بالأمر، من واشنطن، مرورًا بلندن، وانتهاءً بكل عواصم الغرب تقريبًا.

دفاع عن الحضارة الغربية

الآن نتحدث عن ما يزيد على 34 ألف شهيد في قطاع غزة فقط خلال أقل من سبعة أشهر، نتحدث عن ما يزيد على 77 ألف جريح، نتحدث عن آلاف المفقودين والمخفيين قسريًّا، نتحدث عن تعذيب واغتصاب وإعدامات على مدار الساعة، نتحدث عن جهر قادة الكيان بالعزم على قتل المزيد من الأبرياء واجتياح ما بقي من القطاع في مدينة رفح تحديدًا، وها هو سلاح الغرب يتدفق بالتزامن على الكيان ليل نهار، لم يتوقف يومًا، كما أن أسلحة الولايات المتحدة وأموالها كانت أكثر تدفقًا، بإقرار من أغلبية ساحقة في مجلسي الشيوخ والنواب على حد سواء.

كان من الطبيعي إذن، أن يعلق بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان قائلًا: “إن اعتماد الكونغرس الأمريكي بأغلبية ساحقة مساعدات جديدة لإسرائيل، هو دفاع عن الحضارة الغربية!!” في تأكيد جديد على أن الغرب والولايات المتحدة هم أصحاب القضية، أو هم المعنيون بالأمر، وما إسرائيل إلا رأس حربة، تخسر من جنودها ومواطنيها لحساب مصالح هؤلاء وأولئك، الذين اعتادوا سداد الثمن بالمال والسلاح، من مسافة آلاف الأميال.

قد تكون تصريحات قادة حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في الآونة الأخيرة، تحمل هذه المعاني بوضوح، خصوصًا بعد فشل جولات المفاوضات المتعددة، إلا أن الحركة لا تملك تأثيرًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا، أو حتى إعلاميًّا، للتعامل مع هذا الوضع، الذي تعيشه الدبلوماسية العربية تمامًا، إنه الانبطاح الأزلي، الذي لا يستطيع المواجهة من جهة، وكان سببًا رئيسيًّا في هذه الحالة من العلاقات البينية المهترئة والمتردية من جهة أخرى. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

المصدر : الجزيرة مباشر