الديكتاتور الأمريكي يحكم المنظمة الدولية

الرئيس الأمريكي جو بايدن (رويترز)

تضمن الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطية لأبنائها فقط، وتسمح لهم بالانتخاب الحر المباشر والتعبير عن آرائهم في محافل عديدة داخل الولايات الأمريكية الـ51، ولكن إذا امتد هذا التعبير لمصالح أمريكية خارج تلك الولايات، أو التعبير عن تضامن شعبي مع قضية تخص الخارج الأمريكي فإن عصا الأمن تعمل بكفاءة كبيرة، وقد شاهدنا هذا في تعامل هذا الأمن مع التضامن مع حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة التي انتقلت إلى الضفة الغربية تحت الاحتلال منذ ما يقرب من شهر ونصف الشهر.

تشجع الولايات المتحدة الأمريكية في دول العالم الثالث وخاصة في الدول المحيطة بفلسطين المحتلة عندما تأتي تلك الديمقراطية على مقاس مصالح الإدارة الأمريكية ورغباتها، ومؤسسات تلك الإدارة.

إذا جاءت حرية الشعوب شرقًا أو غربًا، جنوبًا أو شمالًا عكس الرغبة الأمريكية فلا تلبث دولة الحرية وتمثالها، والديمقراطية بشعاراتها أن تتدخل في حكم الشعوب سواء بانقلابات عسكرية تعيّن لها حارسًا أمينًا على مصالحها، أو بترتيب انقلاب سياسي ناعم بدعم أحزاب سياسية للانقلاب على المسار الديمقراطي.

رأينا هذا في دول شرق أوسطية، أو في أمريكا الجنوبية، البرازيل، فنزويلا، كوبا، وغيرها، فما أن تستشعر الإدارة الأمريكية خطرًا تحرريًا أو ديمقراطيًا يصل إلى نظم معبّرة عن الشعوب حتى تتدخل لتقلب الموازين لصالحها، لتخلق نظمًا تابعة لها.

المنظمات الدولية والتحكم الأمريكي

تعد الولايات المتحدة المنظمة الدولية الكبرى هي واحدة من منتجات صعودها إلى صدارة العالم سياسيًا وعسكريًا، فيما بعد الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن العشرين، لذا تتعامل معها أنها أداتها لفرض سيطرتها على العالم ووصايتها عليه.

أساس الفكرة وضعت الدول الخمس الكبار أمريكا، فرنسا، بريطانيا، الصين، وروسيا ريشة على رؤوسهم سميت بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الذي يعد صاحب القرار النهائي في توافق الدول أعضاء المنظمة الـ192، تلك الفكرة التي نسفت ديمقراطية العالم، وبالتالي ديمقراطية المنظمة التي جاءت عبر فشل المنظمة السابقة عصبة الأمم في منع نشوب الحرب العالمية الثانية.

على أساس التميز والتمايز بنيت منظمة مهمتها حفظ السلام الدولي، ولكن الأيام والتاريخ أثبت للعالم أن حق النقض كان دائمًا عائقًا أمام حرية دول العالم في التعبير عن شعوبها ودفاعها عن الحقوق.

استطاعت الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط الشرق الاشتراكي أن تهيمن تمامًا على تلك المنظمة رغم بقاء حق النقض لروسيا والصين، ولكن هيمنة الولايات المتحدة بمساعدة فرنسا وبريطانيا ظلت صاحبة النفوذ الأكبر في المنظمة، ولا مبالغة أن قلنا إن الديكتاتور الأمريكي من يتحكم في تلك المنظمة.

وقد شهد العالم أصواتًا متفرقة في ظل ما يحدث على أرض فلسطين، وفي أحداث أخرى نداءات من مفكرين وسياسيين وقادة دول تتطلب بإعادة التفكير في صلاحية الأمم المتحدة ومجلس الأمن في ظل وجود تلك السيطرة الأمريكية الغربية عليها.

ومع دخول حرب الإبادة الصهيونية على غزة وفلسطين، وفي ظل احتمالات كبرى بالاجتياح الصهيوني لرفح فلسطين جنوب قطاع غزة، وعجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن على فرض قرار على الكيان الصهيوني بإيقاف تلك المأساة الإنسانية التي يتعرض لها مليونان ونصف مليون فلسطيني، بدأت تلك الأصوات تعلو وتنتشر، فماذا بعد الإبادة ينتظر العالم ليوقف المذبحة؟

الدولة الفلسطينية والاستبداد الأمريكي

يتواصل عجز الدول عن إيقاف مذبحة شعب فلسطين، تخرج التظاهرات المتضامنة مع حق الدولة الفلسطينية، تنتشر الاعتصامات في الدول الغربية والولايات المتحدة لوقف الحرب، ومنع مساعدات أمريكية غربية لدولة الكيان، تتحدث الدول كلها والساسة فيها عن حل الدولتين لإحلال السلام في الشرق الأوسط، ومنع التوسع فيها وتجنب حرب عالمية ثالثة.

في سبيل ذلك تتقدم الجزائر بمشروع قرار للمنظمة الدولة ومجلس أمنها بالاعتراف بفلسطين كدولة في الأمم المتحدة، وذلك من أجل تفاوض بين دولتين عضوتين في الأمم المتحدة.

الكيان الصهيوني يرفض تمامًا قيام دولة فلسطينية، على أي مساحة أرض، العالم يصرخ فلسطين هي الدولة والأصل وستبقى، لكن نتنياهو لا يعترف، وهل تعترف أمريكا رعاية الكيان والحرب حتى يعترف الكيان؟ لا فلسطين على أي حدود، لا 1967، ولا أي حدود، ففي المعتقد الصهيوني وجود دولة فلسطينية نهاية لدولتهم.

يمرر القرار الأممي من خلال الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأغلبية دولية تعترف بدولة فلسطين عضوًا بالمنظمة إلى مجلس الأمن، وفي المجلس يتضح القرار النهائي للمنظمة وتتضح مواقف الدول.

أفلتت فرنسا من السيطرة الأمريكية لتنضم إلى 11 دولة توافق على القرار، وامتنعت بريطانيا عن التصويت، يوافق 12 من الـ15 عضوًا للمجلس منهم 3 من أصحاب حق النقض روسيا، الصين، وفرنسا، وامتنعت الرابعة، فهل يمرر قرار ديمقراطي حصل على أغلبية المجلس، وأغلبية أصحاب النقض، وكان القرار قد حصل على موافقة 137 دولة من أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة؟

بينما يستعد العالم لإعلان فلسطين عضوًا كاملًا في الأمم المتحدة ظهر شرطي العالم المدعي ديمقراطيته، ظهر استبداد أمريكا وديكتاتوريتها لتعلن أنها السيد والمتحكم في هذا العالم المزيف، وطالما وجدت مصلحة للكيان الصهيوني وجدت أمريكا لتدافع عنه.

يتم هذا بإدارة ديمقراطية، أو جمهورية للولايات المتحدة لا فرق بين بايدن وترمب، ولا بوش وأوباما، فالكيان الصهيوني صنيعة الديكتاتور الذي يحكم العالم، ولا عزاء للأمم المتحدة ولا دوله، ديمقراطيته، ولا آراء أغلبيتها.

إذا كنا ندعو لإقامة مراسم الدفن للجامعة العربية الممثلة لحكام الدول العربية وسلاطينها، فإننا ندعو الآن للخروج من عباءة الديكتاتورية الأمريكية وإيجاد بديل للمنظمة الدولية بلا حق نقض، أما فلسطين فهي الدولة الأصل باقية اعترفت بها الأمم المتحدة أو لم تعترف، باقية بالمقاومة، باقية بأهلها، باقية لأنها التاريخ وستبقى، وما النصر إلا صبر ساعة، ونصر الله قريب.

المصدر : الجزيرة مباشر