إسرائيل تغرق في غزة وتحاول إنكار الحقيقة

نتنياهو وحلفاؤه يسعون إلى إطالة أمد الحرب
نتنياهو (رويترز)

ليست البطولة في افتعال شِجار..

لا تزال المنطقة تعيش حالة مأساوية على نواح عدة، ولعل آخرها بالتزامن مع ما يدور في غزة من إبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم أجمع، هو الرد الهزلي الذي قامت به إيران بعد تعرُّض مبنى سفارتها في العاصمة السورية دمشق لهجوم إسرائيلي تسبب في أضرار جسيمة وقتل عدد من كبار المسؤولين العسكريين فيها.

ومع ذلك فإن شعوب العالم ما زالت تطمح إلى تدخُّل أي قوة بأي طريقة لوقف الإبادة الجماعية والوحشية غير المسبوقة التي تعانيها غزة على مدار سبعة أشهر. ويمكننا القول إن الوضع المأساوي يكتسب حالة من الكوميديا السوداء؛ حيث إن إسرائيل نفسها حريصة على ذلك التدخل ولا سيما من قوة إقليمية مثل إيران، وذلك تزامنًا مع احتمال خفض أمريكا وأوروبا دعمهما غير المحدود للكيان الإسرائيلي في عملياته وجرائمه ضد الإنسانية، نتيجة لطول أمد هذه العمليات التي فشلت في تحقيق أهدافها التي أعلنت عنها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وكذلك فإن تحول محور الصراع من حماس وإسرائيل إلى إيران وإسرائيل الآن عن طريق اصطناع هجوم إيراني يمثل حلًّا منقذا لإسرائيل كلها وبالأخص لنتنياهو.

خدمة النظامين الإيراني والإسرائيلي

والواقع أن استخدام صافرة العداء بين إيران وإسرائيل في أوقات معينة يستنزف جزءا من الميزانية العامة لكلتيهما، لكنه يخدم الأنظمة على الصعيدين الداخليّ والخارجيّ. فمن وجهة النظر الإيرانية تساعد معارضتها لإسرائيل وأمريكا في توطيد النظام في الداخل؛ ولذلك فعندما يتعرض النظام لأي ضغوط من المعارضة الداخلية، سرعان ما يظهر توتر العلاقات مع إسرائيل وأمريكا لفرض حالة الطوارئ والتخفيف من ضغوط المعارضة.

ومن ناحية أخرى تمثل التهديدات الإيرانية لدول الخليج أهمية كبيرة لأمريكا؛ حيث تعمل على استمرار الاعتماد الكلي لدول الخليج على أمريكا في مجالات الدفاع وبالتالي تساعد على دعم الاقتصاد الأمريكي. كما أن كلا من أمريكا وإيران قد عملتا معًا للقضاء على قوة صدام حسين وقدرات بلاده القتالية هجومًا ودفاعًا التي كانت تشكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل، وكانت النتيجة أن تدخلت أمريكا وقدمت العراق لإيران على طبق من ذهب.

وقد أثبتت الأشهر السبعة الماضية تعرُّض الكيان الإسرائيلي للعديد من الهزائم لم يشهد مثلها من قبل، إلى جانب ظهور مدى ضعف هيئة مخابراته “الموساد”، وأصبحت قبته الحديدية أقرب إلى مصفاة لا تقدر على صد صواريخ المقاومة. وهذا يعني نجاح المقاومة في هزيمة الجيش الذي تتغنى به السلطة الإسرائيلية بعد إفراطه في التدمير وقيامه بمجازر بشعة في حق الإنسانية، سعيًا لإخفاء تلك الهزيمة.

وقد ظهرت هذه الهزيمة في تصريحات لمحللين وسياسيين وعسكريين حاليين وسابقين في الحكومة الإسرائيلية، كشفت عن أن إسرائيل ورئيس الوزراء نتنياهو، على الرغم من كل غطرستهما، هما الآن في وضع لا يُحسدان عليه. ومن تلك التصريحات ما قاله أمنون أبراموفيتش المحلل السياسي البارز في الإعلام العبري بعد أربعة أشهر من العمليات في غزة: “لقد انتهى عهد الانتصارات الإسرائيلية، وأرادت حماس أن تبلغنا أن هناك عربيًّا آخر غير الذي رأيناه في كامب ديفيد أو أوسلو”، وتصريح حاييم رامون وزير العدل السابق في الحكومة الإسرائيلية في الحادي عشر من إبريل/نيسان الحالي: “انتهت الحرب بهزيمة استراتيجية بالنسبة لنا، والآن نحن في ورطة”.

لم يكن سرًّا

فعلى مدى الأشهر السبعة الماضية، لم يتمكن نتنياهو من تحقيق أي من الأهداف التي وعد بها في المغامرة التي اقتحمها هو وداعموه وشركاؤه الأمريكيون والأوروبيون.

ولم يكن سرًّا سعيه الحثيث في البحث عن مخرج من غزة التي أصبحت فخًّا له مع توسيع مساحة الحرب. ولذلك اصطنع الهجوم الإيراني بخطوة استباقية استفزازية، بمهاجمة أهداف إيرانية في دمشق فجأة لإجبار إيران على الانخراط في اللعبة. وبالطبع، لم يكن لدى إيران خيار آخر غير الرد على السلوك الإسرائيلي. وهنا تكتمل الصورة التي تظهر فيها إسرائيل التي فقدت دعم أمريكا وأوروبا لها بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في غزة، ثم تصبح إسرائيل مرة ثانية فجأة ضحيةً، وتصدر جميع الدول الداعمة رسالة تضامن معها وإدانة لإيران. ولا تُخفي الصورة الدور المخزي للدول الأوروبية التي لم تصدر حتى إدانة لجريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل منذ أكثر من نصف عام، ثم تسارع في إدانة الهجوم الإيراني الذي لم يسفر عن أي نتائج حقيقية، ولم يتسبب في مقتل أي شخص.

وكان الهدف الحقيقي من هذا الهجوم المصطنع هو إسقاط حالة الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة فجأة من الزخم الذي كانت تحظى به، وإعادة ضبط بوصلة الأحداث وكأن القضية لم تعد بين غزة وإسرائيل، بل بين إسرائيل وإيران. وبالتالي تبييض وجوه أصدقاء إسرائيل الأوروبيين الذين كانوا مترددين في الوقوف إلى جانبها بسبب جرائمها في غزة، وإعطائهم فرصة للتعبير علنًا عن دعم صديقتهم إسرائيل مرة أخرى وبقوة أكبر في الصراع الذي تحول إلى معادلة إيرانية إسرائيلية.

لذلك من الضروري ألا نسمح بحدوث ذلك التمييع لما يحدث في غزة من مجازر وإبادة جماعية بهذه الطريقة. فأي محاولة لإزالة غزة وواقعها المأساوي الحالي من جدول الأعمال هي مساعدة لإسرائيل وخيانة للإنسانية.

المصدر : الجزيرة مباشر