مجموعة السبع: خلق الصراعات أم حلها؟

قادة مجموعة الدول الصناعية السبع في قمة هيروشيما
قادة مجموعة الدول الصناعية السبع في قمة هيروشيما (رويترز)

 

(1) إسرائيل أولوية

انتهت أعمال وزراء خارجية مجموعة السبع الصناعية (كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة والولايات المتحدة) في كابري بإيطاليا، وبات معلومًا للمراقبين والمحللين ماذا يشغل الغرب وحلفاؤه واللغة الدبلوماسية المستخدمة في التعليق على الصراعات القائمة؟

البيان الختامي لأعمال المجموعة لم يخرج عن المتوقع، فليس هناك مراجعة من الغرب لمواقفه وانحيازاته التي تتسم بالمعايير المزدوجة، بل جاء متسقًا مع مواقفه السابقة.

فلقد أدانت المجموعة بشدة الضربة الإيرانية على إسرائيل، وأكدت دعمها والتزامها المطلق بأمن إسرائيل، في حين عرقلت أمريكا وفرنسا وبريطانيا بيانًا كان سيصدر عن مجلس الأمن صاغته روسيا يدين الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق الذي اتهمت إيران إسرائيل بمسؤوليتها عنه.

دعت المجموعة لوقف إطلاق النار في غزة وزيادة المساعدات الإنسانية للقطاع المنكوب والإفراج عن الرهائن، وأبدت معارضتها لعملية عسكرية إسرائيلية موسعة في رفح لتبعاتها الكارثية على سكانها.

كما أكدت المجموعة التزامها بخفض التصعيد في الشرق الأوسط، لكنها لم تدن ممارسات دولة الاحتلال في غزة ولم تهدد بفرض عقوبات على إسرائيل كما فعلت مع إيران، ويظهر النفاق الغربي في الحديث عن ضرورة وقف إطلاق النار في الوقت نفسه الذي تقوم فيه عدد من دول المجموعة وعلى رأسها أمريكا بتسليح إسرائيل لتمضي قدمًا في إبادة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلة!!.

البيان الختامي للمجموعة فيما يخص الصراع في غزة والسودان وليبيا لم يخرج عن عبارات إنشائية مكررة، وكأنهم يرسلون لشعوب هذه الدول برقيات عزاء سريعة فحواها: “نحن معكم.. نعزيكم في مصابكم الأليم وانتظروا دعمنا لحل الصراع ولا تنزعجوا لو تأخر المدد”، وأما فيما يخص المصالح الغربية الملحة وأولوياتها فنجد صياغة مختلفة أكثر حزمًا وتصميمًا عند الحديث عن روسيا وحربها في أوكرانيا والصين التي تحذرها المجموعة من مساعدة موسكو ودعمها القطاع الصناعي العسكري الروسي.

ومؤخرًا دافع وزير الخارجية الأمريكي عن موقف بلاده، ونفى أنها تتعامل بمعايير مزدوجة مع إسرائيل قائلًا: “هل توجد لدينا معايير مزدوجة مع إسرائيل؟ الجواب لا”، لكن الأفعال تجبّ الأقوال.

(2) ما أشبه اليوم بالبارحة

في عام 2021 كان البيان الختامي لمجموعة السبع المنعقد في بريطانيا يتضمن: ضرورة قيام روسيا بـوقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار بما في ذلك التدخلات، وتوعدت بـمحاسبة المسؤولين عن تنفيذ هجمات إلكترونية انطلاقًا من الأراضي الروسية، ودعتها إلى احترام حقوق الإنسان.

كما طالب البيان الصين باحترام حقوق الإنسان في كل من إقليم شينجيانغ وهونغ كونغ، كما تعهد القادة السبعة بتسريع التصدي للتغير المناخي محددين لأنفسهم هدفًا بخفض انبعاثات الدول من ثاني أكسيد الكربون بمقدار النصف بحلول العام 2030. بعد أقل من عام من اجتماع مجموعة السبع في بريطانيا قامت روسيا بعمليتها العسكرية في أوكرانيا. لم تحاول المجموعة استعادة الثقة المفقودة بين روسيا والغرب وتطمين روسيا ووقف تمدد الناتو شرقًا والكف عن إغراء أوكرانيا بدخول الناتو، لكنها اكتفت كعادتها بالتهديد والوعيد على اعتبار أن المجموعة تمثل 50% من الاقتصاد العالمي، وبينهم أقوى دولة في العالم اقتصادًا وتسليحًا وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

كما نجد في البيان حرصًا من مجموعة السبع على نقد الصين والتدخل في شؤونها الداخلية واتهامها بعدم احترامها لحقوق الإنسان في مناطق بعينها، وحرب غزة أثبتت بالدليل الناصع عدم احترام مجموعة السبع لحقوق الإنسان وازدواجية المعايير في تعاملها مع الدول الحليفة والدول المنافسة.

فلم نجد في بيان مجموعة السبع الأخير أي إدانة لإسرائيل لخرقها حقوق الإنسان في الأرض المحتلة التي يتعرض فيها الفلسطيني لكل أنواع البطش والعنصرية من جانب المستوطنين المتطرفين وقوات الأمن الإسرائيلية ناهيك مما ترتكبه قوات الاحتلال من جرائم حرب في غزة بتجويع السكان وعزلهم وقطع المساعدات عنهم وقتل الآلاف من المدنيين، وكذلك استهدافها للصحفيين والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية التابعين للمنظمات الدولية غير المسيسة.

كما لم يتحدث البيان الأخير عن حالة حقوق الإنسان في روسيا والصين، فهل الدولتان أحرزتا تقدمًا في هذا الملف؟ أم أن هناك الآن ما هو أهم من الملف الحقوقي يتم تباحثه على طاولة المجموعة الصناعية؟ وهو الحرب الروسية الأوكرانية التي تلقي بتوابعها الاقتصادية والأمنية على الدول السبع الآن، كما أن مجموعة السبع لم تلتزم بما تعهدت به من قبل في ملف التغير المناخي، فهي مشغولة بما لديها من صراعات وجودية في أوروبا والشرق الأوسط وأيضًا في المحيط الهادي حيث تزداد المخاوف من اندلاع صراع بين الصين وحلفائها والولايات المتحدة وحلفائها في هذه المنطقة، وشرارة البدء ستكون محاولة الصين ضم تايوان إلى الوطن الأم وهو ما تأكده الصين في كل مناسبة. لن يكون الصراع جيوسياسيًا فقط، لكنه صراع ذو خلفية اقتصادية، فأمريكا تريد أن تكبح الصين وتزيحها من مكانتها التي وصلت إليها اقتصاديًا على اعتبار أنه الاقتصاد رقم 2 عالميًا، كما تهيمن الصين على أسواق التكنولوجيا النظيفة العالمية حيث تنتج 80% من الألواح الشمسية على مستوى العالم وتصنع نحو ثلثي السيارات الكهربائية و”توربينات” الرياح وبطاريات “الليثيوم أيون” في العالم، وتدعم الدولة هذه الصناعات.

ولقد انتقدت “جانيت يلين” وزيرة الخزانة الأمريكية ذلك أثناء زيارتها لبيجين مؤخرًا، لأن ذلك قد يؤدي إلى تهديد الوظائف والشركات الأمريكية، ويجب وضع حد لهذا الأمر، والرد الصيني جاهز: عدم تسيس القضايا الاقتصادية والتجارية أو توسيع مفهوم الأمن القومي الأمريكي، بل الالتزام بالمعايير الأساسية لاقتصاد السوق المتمثلة في المنافسة العادلة والانفتاح والتعاون، وهي عبارات كانت تستخدمها أمريكا نفسها حين كانت تروج لاقتصاد السوق والعولمة. القوة والنفوذ لا تستقر في دول بعينها، بل العالم يلعب لعبة الكراسي الموسيقية، ولكن مجموعة السبع تصر على أن تحتفظ بمقاعدها بصفة دائمة وينتهي الحال بصنع الصراعات بدلًا من حلها.

 

المصدر : الجزيرة مباشر