هل حققت الضربة الإيرانية أهدافها؟

رجل دين إيراني يظهر علامة النصر أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل خلال احتفال عقب الهجوم الإيراني على إسرائيل (رويترز)

لم يعد أمام نتنياهو وتحالف العدوان الذي يواصل الإبادة في غزة غير توسيع الحرب للهروب من الهزيمة واستباق الإعلان الحتمي عن فشل الاحتلال وانتصار حماس، لذا كان الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا وقتل العميد محمد رضا زاهدي أحد قادة فيلق القدس في الحرس الثوري خطوة مدروسة لاستدراج إيران وإجبارها على الرد، والدخول في مواجهة مباشرة، وإيجاد مبررات للهدف الإستراتيجي الإسرائيلي وهو الرد بقصف المفاعل النووي الإيراني.

ولأن الإيرانيين يعلمون النوايا الصهيونية جيدا ويسعون للحفاظ على مشروعهم النووي، كان ردهم يوم 13 إبريل محسوبا ودقيقا، فهم تعمدوا توصيل رسالتهم واستعراض قوتهم  حفاظا على كرامتهم، على أن تكون الخسائر محدودة ولا تؤدي إلى توسيع الحرب أو تؤلم الإسرائيليين وتدفعهم للانتقام والرد على الهجوم بهجوم مضاد، وقد حرصت إيران على توصيل الرسالة للأمريكيين بهذا المعنى قبل وأثناء وبعد الضربة.

كان واضحا أن الإيرانيين لا يريدون حربا مفتوحة، فقد تأخروا في الرد حوالي أسبوعين، وأعلنوا عن موعد الضربة قبلها بثلاثة أيام، وأخبروا دول الجوار والدول الصديقة بالعملية العسكرية وهذا لا يتم في الحروب، مما أعطى للإسرائيليين وحلفائهم فرصة للاستعداد الجيد، بل وقبل أن تصل الصواريخ والقذائف الطائرة إلى فلسطين المحتلة أعلنت بعثة إيران في الأمم المتحدة أن “الرد الإيراني انتهى عند هذا الحد”.

الإسرائيليون والهيبة الضائعة

كان الإيرانيون يظنون أن الضربة ستكون رادعة، وأن يبتلع الإسرائيليون الهجوم الذي تم اعتراضه بمساعدة جيوش أمريكا وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى، لكن يبدو أن الجانب الصهيوني تحت ضغط الفشل المتواصل والعجز الواضح لا يرى ذلك.

ورغم تصريحات بايدن التي تطالب الإسرائيليين بعدم الرد ومنع توسيع الحرب فإن قادة الكيان الصهيوني يصرحون بضرورة الرد والانتقام، لاستعادة الهيبة الضائعة منذ هجوم القسام يوم السابع من أكتوبر، وهناك أمريكيون مثل مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون يدعون –علانية- للرد وأن يكون أقوى بكثير لاستعادة الردع، وعدم التجرؤ  وتكرار القصف.

ورغم ما أعلنه بايدن والإسرائيليون عن فشل الهجوم ومحدودية الخسائر وتدمير 99% من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة –حسب بياناتهم- فإن ما تم تصويره بالفيديو أكد ضرب قاعدتين عسكريتين في النقب بكل دقة.

وقد كشف الجانب الإيراني أنه بجانب الأجيال القديمة من الصواريخ وطائرات شاهد 136 التي تم اعتراضها بتكلفة عالية جدا تجاوزت المليار دولار؛ استخدم عددا قليلا من الصواريخ الفرط صوتية وهي التي تخطت منظومات الدفاع الجوي ووصلت إلى الأهداف العسكرية التي تم الإعلان عن بعضها والتكتم على البعض الآخر.

أطلق الإيرانيون الطائرات والصواريخ على دفعات وليس مرة واحدة تربك منظومات الدفاع الجوي وحائط الصد الأمريكي والأوروبي، واكتفوا بإطلاق نحو 300 مقذوف جوي تصل بالتتابع، بعضها بطيء وبعضها سريع، ومع هذا كشف الهجوم عجز الجيش الإسرائيلي عن المواجهة وحده، وأنه لولا الجيوش الأمريكية والبريطانية والفرنسية المنتشرة في العراق وسوريا والأردن لأصيب الكيان الصهيوني بالشلل؛ فماذا لو كان الهجوم بآلاف الصواريخ والمسيرات وبشكل مفاجيء؟ وماذا لو كان كله بالصواريخ الفرط صوتية؟!

 

المفاعل النووي الإيراني هو الهدف

قادة الكيان الصهيوني يرونها فرصتهم للانقضاض على المنشآت النووية في إيران، وقطع الطريق على تصنيع القنبلة النووية كما فعلوا مع المفاعل النووي العراقي عام 1981، لكن الأمريكيين والأوربيين يخشون رد الفعل الإيراني، ولهذا يكرر بايدن والأوربيون رفضهم  لتوسيع الحرب، ويزعمون أنهم يختلفون مع نتنياهو وتهوره، ويؤكدون في تصريحاتهم أن قصف القنصلية في سوريا تم بدون علمهم، وتركز مواقفهم على أنهم لن يشاركوا في أي رد إسرائيلي على إيران، وكل هذا يخالف الحقيقة، فلا يقدم الإسرائيليون على أمر إلا بعد الاتفاق والتنسيق مع الأمريكيين والحلفاء الغربيين.

الأمريكيون والأوربيون يخشون من الرد الإيراني إذا هاجم الإسرائيليون المنشآت النووية والقضاء على الحلم الإيراني في امتلاك السلاح النووي، وهم يتفقون على منع الإيرانيين من المضي في طريقهم، لكن يختلفون في كيفية إجهاض المشروع، فالقواعد العسكرية والمصالح الأمريكية والأوروبية المنتشرة في الخليج قد تكون أهدافا للقوة الصاروخية الإيرانية، وقرب المسافة يجعل لإيران التفوق في أي صدام.

 

ماذا ستفعل إيران إذا قرر الإسرائيليون الرد؟

من جهتهم أعلن الإيرانيون أكثر من مرة أنهم سيقصفون القواعد الأمريكية وأي دولة تشارك في العدوان عليهم، ولهذا تتحرك الدبلوماسية الأمريكية بتوصيل رسالة للإيرانيين أنهم ملتزمون بالدفاع عن إسرائيل في حالة تعرضها للهجوم؛ لكنهم لا يشاركون في أي عمل يقوم به الإسرائيليون خارج فلسطين المحتلة، وتريد الولايات المتحدة أن تكون بعيدة إذا ما هاجم الإسرائيليون الأراضي الإيرانية.

إذا ضمنت الولايات المتحدة أن تكون الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل بعيدة عنها فستعطي نتنياهو الضوء الأخضر، بعد إخلاء المواقع المهمة بما فيها مفاعل ديمونة الذي اقتربت الصواريخ الإيرانية الدقيقة منه في الضربة الأخيرة، وبالنسبة للإسرائيليين فإن تدمير المنشآت النووية الإيرانية مكسب كبير حتى لو خسرت مفاعل ديمونة وبعض القواعد، فمنع إيران من تصنيع القنبلة يعيد لهم ما فقدوه منذ السابع من أكتوبر من تفوق عسكري، وقنابلهم النووية في مخابيء محصنة تحت الأرض.

ولأهمية المفاعل النووي في حماية المشروع السياسي الإيراني فإن أي رد إسرائيلي داخل حدود إيران سيتبعه رد إيراني قد لا يكون بالقصف الصاروخي فقط؛ وإنما باستخدام أوراق أخرى؛ أهمها إغلاق مضيق هرمز الذي يخرج منه خمس إنتاج النفط العالمي الذي سيترتب عليه أزمة عالمية ستضرب كل القارات، وقد أعطى الإيرانيون إشارة واضحة باحتجاز السفينة التي ترفع العلم البرتغالي منذ أيام بالقرب من المضيق، وإذا كان المبرر أن إسرائيلي يشارك في ملكيتها فإنها البداية كما فعل الحوثيون في باب المندب، وستكون الضربة أشد للملاحة الدولية وحركة التجارة العالمية.

كل التطورات تؤكد أن استمرار العدوان على غزة سيشعل المزيد من النيران، وسيؤدي إلى المزيد من التصعيد واتساع الحرب، فقادة الاحتلال المهزوم لا يريدون وقف العدوان، ويبحثون عن أي نصر في غزة أو خارجها لكن كل الطرق مسدودة، والهزيمة تنتظرهم في كل مكان يذهبون إليه، وسيتحمل من يتحالف معهم المزيد من الخسائر.

المصدر : الجزيرة مباشر