ماذا بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل؟

لافتة تصور صواريخ وطائرات مسيّرة تحلق أمام علم إسرائيلي ممزق، مع نص بالفارسية يقول "الصفعة التالية ستكون أصعب" وبالعبرية "خطؤك التالي سيكون نهاية دولتك المزيفة"، معلقة على واجهة مبنى في ساحة فلسطين بطهران (الفرنسية)

استغرق الهجوم الإيراني على إسرائيل، البعيد المدى والمحسوب بدقة والمعلن عنه مسبقا، نحو خمس ساعات بين ليل السبت وفجر الأحد هذا الأسبوع. وبلغ ذروته في 16 دقيقة مع اقتراب الصواريخ والطائرات المسيّرة من أهدافها.

هو غير مسبوق من حيث استهداف إيران لإسرائيل مباشرة. ولكن كل شيء كان معدا ومقدرا بدقة، بل وتحت السيطرة.  وهكذا تقول الأرقام فلا تكذب أو تتجمل أو تبالغ: إطلاق 36 صاروخ كروز و110 صواريخ باليستية و185 طائرة مسيّرة. والنتائج: اعتراض 99 في المائة منها، ومعظمها قبل وصول المجال الجوي لفلسطين المحتلة، وإصابة واحدة خطيرة بسبب الشظايا لصبية من بدو النقب و31 إصابة خفيفة مع أضرار مادية طفيفة بقاعدة جوية عسكرية. وهذا وفق رسم توضيحي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الأحد، ويتطابق مع ماورد بصحف أمريكية وبريطانية.

وهذه الإحصاءات ليست محل خلاف أو اختلاف. وعلى عكس هذا أعلنت تل أبيب وحلفاؤها “النصر”، وفي الوقت نفسه أعلنت طهران ومؤيدوها “النصر”. وبالطبع فإن أي مواجهة عسكرية بين جانبين لا تحتمل انتصارهما معا. لكن هذا هو الحال.

 

هل هي صفحة وطويت؟

وكالعادة بين العرب، تغلبت المبالغات والعواطف، وانقسم من شاء أن يتكلم ويفصح بين تهليل للهجوم الإيراني وبين استهزاء به وتهوين منه، ودون كثير نظر إلى ما يلي.. إلى المستقبل.

وعلى صعيد النخب، التي تظهر في وسائل الإعلام العربية، برز بعد الهجوم تيار يترجم عواطف بالشارع ناقمة على عجز النظام الرسمي العربي إزاء عدوانية إسرائيل المتحللة من كل شيء، فذهب إلى إفراط المديح لإيران، كي ينكأ جراح العجز والارتهان لتل أبيب وواشنطن.

وهذا علاوة على هؤلاء المحددة مواقفهم سلفا على ضفتي الاستقطاب، مع طهران وضدها، وبالارتباط بقوى إقليمية ودولية. وبالنسبة لهؤلاء وأولئك لا جديد فيما يقولون ويكتبون ويعلنون منذ عقود.

ولا يعرف المرء هل تنبه المهللون والمهونون إلى ثلاثة أمور:

أولها، إعلان طهران رسميا بعد إطلاق آخر صاروخ أن الأمر أصبح منتهيا، وتم إغلاق الصفحة.

وثانيها وبالمقابل، تحذير الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش في بداية جلسة مجلس الأمن بعدها بأن “شعوب المنطقة تواجه تهديدا جديا بصراع مدمر واسع النطاق”.

وثالثها، إعلان تدخل الرئيس الأمريكي بايدن لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لمنع الرد الفوري بضربة عسكرية لإيران، وإن كانت هناك تقديرات بمروحة من الخيارات الإسرائيلية مستقبلا في حدها الأقصى الإغارة على المنشآت النووية، والأدنى عمليات ضد أهداف منتقاة وهي الأرجح.

 

إرادة سياسية

دون قدرات متكافئة

على أي حال، إذا سعينا لمحاولة فهم أبعاد الهجوم الإيراني على هذا النحو واستشراف احتمالات تداعياته، فمن المنطقي إضافة الملاحظات والمحددات التالية في مجال النظر والاهتمام، مع محاولة تجنب تأثير العواطف والمبالغات:

  • أظهرت القيادة الإيرانية قدرة على اتخاذ قرار (إرادة سياسية) بالرد أخيرا على جرائم اعتداءات إسرائيلية تكررت منذ زمن ضد أهداف داخل إراضيها وخارجها. لكنها عجزت عن بلوغ حد “الرد المتكافئ”، وإلحاق أضرار موجعة ومؤثرة، بالبشر.

وهنا يجب أن نأخذ في الاعتبار واقع التفوق الاستخباري والعملياتي والعسكري لصالح تل أبيب وحلفائها. كما لا يمكن تجاهل ضعف قدرات إيران في هذا المجال، بحيث لا تستطيع إلى اليوم تدبير عمليات تناظر ما تقوم به الأجهزة الإسرائيلية من جمع معلومات واستهداف ناجح وفعال لشخصيات وأهداف إيرانية، بما يتجاوز النطاق المحلي إلى الإقليم وخارجه.

  • أصبحت إسرائيل اليوم تراهن على تطوير تحالف إقليمي أوثق وأكثر علانية وفعالية معزز أمريكيا. ويتجاوز ما هو سياسي واقتصادي ومخابراتي معلوماتي، إلى ما هو عسكري. ويندرج صراحة تحت مظلة الدفاع عنها، وعن جيشها وآلتها الحربية.

وبالطبع فإن ليلة 13/ 14 إبريل/نيسان 2024 تؤرخ لإعلان غير مسبوق بانخراط دول عربية عسكريا في الدفاع عن إسرائيل. وهو ما التقطه ساسة وكتاب إسرائيليون سريعا سعيا للبناء عليه، وتطويره مستقبلا. وهذا مع أننا في سياق عدوان إبادة على الشعب الفلسطيني تجاوز شهره السادس. فماذا نحن فاعلون؟

وتحديدا ماذا يمكننا أن نفعل إذا لم نتجاهل كون هذا التحالف العسكري دفاعا عن الصهيونية وإسرائيلها يرتكز على شبكة وبنية اتفاقات ومؤسسات وممارسات جرى نسجها وترسيخها منذ نحو خمسين سنة؟

ومن مكونات شبكة وبنية التحالف هذه القواعد العسكرية الأمريكية بالعديد من الدول العربية من المحيط إلى الخليج. وكذا هناك المناورات العسكرية المشتركة التي تجري دوريا مع قوات أمريكية وإسرائيلية. ويقينا فإن القواعد والمناورات تنتهي أو ستنتهي في خدمة إسرائيل والدفاع عنها وجيشها. وها هي ليلة 13/ 14 إبريل تقدم الدليل الملموس.

وأيضا ضمن هذه الشبكة والبنية هذه الأطر المؤسسية التي تجمع جيوشا وأنظمة استخبارات ومعلومات عربية مع إسرائيل والولايات المتحدة وغيرها. وكان من بينها وما زال “منتدى النقب”، الذي انعقد اجتماعه الأول في مارس/آذار 2022، وتتضمن وثيقته التأسيسية، وباعتباره مؤسسة دائمة، بنودا في التعاون العسكري والأمني.

وبالطبع يتناقض كل ما سبق مع ميثاق الجامعة العربية واتفاقية الدفاع العربي المشترك. لكن هذا هو الحال، وقد جرى هندسة اتفاقات الصلح والوئام كي تعلو فوق كل التزام عربي وحقوق مواطني الدول العربية الموقعة عليها.

  • اللافت أنه لا طهران ولا غيرها إقليميا أو دوليا استثمر الهجوم الإيراني على إسرائيل لصالح القضية الفلسطينية ومن أجل وقف عدوان الإبادة والتهجير القسري على غزة وفي الضفة الغربية والقدس. وما حدث أن الخطاب الإيراني جاء خاليا من محاولة الربط بين شن هجومها أو التلويح به أو بتكراره وبين وقف العدوان على غزة. وبالأخص تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2728 لوقف إطلاق النار، الذي تجاهلت تل أبيب تنفيذه منذ إصداره في 25 مارس الماضي.

ومن استمع لوقائع وكلمات جلسة مجلس الأمن الأحد يمكنه ملاحظة أن أيًّا من المتحدثين، وأخص ممثلي إيران والجزائر وروسيا، لم يحاول الإشارة إلى تجاهل تنفيذ القرار ووقف إطلاق النار في مواجهة نظر الشكوى الإسرائيلية من الهجوم الإيراني.

وفي تجاهل إيران تحديدا لأي ربط ممكن بين الرد على عدوان استهدف قنصليتها بدمشق في الأول من إبريل وبين وقف العدوان على غزة، ولو بالتلويح والتهديد؛ مما يعزز الاعتقاد بأن هجوم 13/ 14 إبريل محض ممارسة مشروعة لحق الدفاع عن النفس لا تتجاوز ما هو “وطني”، ويتعلق حصرا بسيادة الدولة ورد اعتبارها داخليا وخارجيا.

وفي هذا ما يلقي ظلال شك على إمكانية تدخل إيران عسكريا في حال وسعت آلة العدوان الصهيوني الأمريكي ضرباتها ضد لبنان واليمن، انتقامًا للتضامن مع غزة.

 

وماذا عن “الدفاع المشترك”

عن المدنيين الفلسطينيين؟

  • تطرح ممارسة “الدفاع العسكري المشترك إقليميا ودوليا” عن إسرائيل، وتحديدا عن أهداف عسكرية صرفة ليس إلا، السؤال: ولماذا لم يتقدم أي من الدول المهتمة بإنقاذ الشعب الفلسطيني، ولو على سبيل المحاولة والضغط دبلوماسيا وسياسيا، بأي جهد لفرض منطقة حظر جوي فوق غزة.

وهذا أسوة بسوابق شمال وجنوب العراق والبوسنة وليبيا. في هذه السوابق ما جرى خارج مجلس الأمن والأمم المتحدة. حقا.. ألا يستحق مدنيو الشعب الفلسطيني العزّل دفاعا عسكريا مشتركا عنهم ضد الإبادة المستمرة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023؟!

  • أصبح من تحصيل الحاصل القول بأننا إزاء نظام رسمي عربي هشّ منهار، بلا وزن أو تأثير في الأحداث. وبالطبع فإن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية التي ضربت تفجيراتها داخل أراضي دول عربية وتطايرت صواريخها في أجواء سماوات عربية على هذا النحو تزيد من مخاوف وانكشاف مكونات هذا النظام العربي وأطره التي كانت جامعة. والمنطقي أن تعمق هذه المواجهة ذلك.

وليس بخاف، أنه عند بعض العرب ما يؤخذ على السياسة الإيرانية. وفي المقابل عند طهران ما يؤخذ على سياسات عربية اتجاهها منذ الثورة الإيرانية 1979. وهذا وذاك واقع لا يمكن تجاهله، في ظل ما هو أسوأ، والمقصود اصطناع صراع شيعي سني بغيض ولا عقلاني.

وعندما يتلفت المرء بحثًا عن قوة عاقلة يمكنها إدارة حوار عربي مثمر اليوم مع إيران لتصحيح الأخطاء والخطايا المتبادلة، لا يجد. لكن سيظل على كل من يرجح أولوية الخطر الصهيوني، مع عدم تغافل عما تفعل السياسة الإيرانية من أضرار بنا أو ما يفعله بعض بيننا من إضرارا بإيران، أن ينبه إلى ما يجب أن يكون.

وهذا ولو من أجل البحث عن الحد الأدنى لحماية مصالح شعوب عربية، هي التي تدفع الأثمان الأكثر كلفة من حياتها ومعيشتها ومستقبلها.

المصدر : الجزيرة مباشر