سر صلاة نبي الإسلام بالأنبياء إماما في الأقصى

سرب من الطيور يحلق فوق قبة الصخرة في مجمع المسجد الأقصى (الفرنسية)

يختلف علماء السيرة النبوية في تاريخ حدوث معجزة الإسراء والمعراج، في أي شهر كانت، وفي أي يوم أيضا؟ ولكن الذي لا خلاف عليه هو المعجزة ذاتها، والإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم العروج به إلى السماوات العُلا، حيث نص القرآن الكريم على هذه الرحلة المباركة بقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء: 1).

وما ثبت كذلك في هذه الرحلة من المرويات النبوية، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء والمرسلين إماما في المسجد الأقصى، ولذا كانت هناك أسئلة مهمة تتعلق بهذه الصلاة، فلماذا كانت الرحلة من مسجد إلى مسجد، ولم تكن من المسجد الحرام إلى السماوات العُلا مباشرة؟ ولماذا صلى بالأنبياء والمرسلين إماما، وهو آخرهم؟ ولماذا كانت الصلاة في الأقصى ولم تكن في المسجد الحرام؟ وما دلالات ذلك كله للمسلمين قديما وحديثا في ظل الأحداث التي تعيشها الأمة في أرض مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبداية معراجه؟

حكمة الإسراء من مسجد إلى مسجد

لقد كانت رحلة الإسراء بدايتها من المسجد الحرام، ونهايتها بالمسجد الأقصى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة في بيت ابنة عمه السيدة أم هانئ، وكانت من الممكن أن تبدأ الرحلة من بيتها، ولكنها بدأت من مسجد إلى مسجد، وفي ذلك دلالة واضحة على أهمية المساجد في الإسلام، وعلى ارتباط المسلم بالمسجد، ولذا كان أول ما أسّس النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد هجرته المسجد، فبعد إخائه بين المهاجرين والأنصار، ووضع دستور المدينة الذي يُمثل القاعدة القانونية والحقوقية التي ينطلق ويرجع إليها الجميع، اختار أرضا وأقام عليها المسجد، الذي كان بمثابة دار اجتماعية للفقراء يبيتون فيها، ومكانا للطاعة وطلب العلم، ومركزا للحياة الإسلامية في المدينة.

لماذا إلى المسجد الأقصى تحديدا؟

وكان الاختيار الإلهي للانتقال إلى المسجد الأقصى، بعد البدء بالمسجد الحرام، وذلك لما يمثله الأقصى من أهمية تاريخية في المساجد في الإسلام، وفي تاريخ عبادة الله تعالى، فإن أشرف ثلاثة مساجد وأكثرها أجرا وفضلا بالترتيب: المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، ولأن المسجدين الأولين في مكانين قريبين، ويهتم المسلمون بزيارتهما، عند الحج والعمرة، فإن الأقصى له مكانة أيضا، وإن حلت في المرتبة الثالثة، لكنه لا يقل في القدسية عن بقية المقدسات. فكان الاختيار للدلالة على أن قدسية المساجد الثلاثة واحدة، تختلف في الأجر فقط، ولا تختلف في الأهمية والمكانة، والحفاظ عليها ورعايتها.

وهو ما يفسر لنا لماذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعا هناك، ولم يُجمعوا له في المسجد الحرام؟ لأسباب عدة، لأن معظم هؤلاء الأنبياء ممن يؤمن بهم بنو إسرائيل، ومعظمهم من أنبيائهم ورسلهم، وسوف يكون هذا المسجد وموضعه محل صراع لسنوات طويلة، بين المسلمين وأتباع هذه الديانات حول القدس وما حولها، فالمسجد الحرام والمسجد النبوي ليسا محل صراع بين المسلمين وغيرهم، إنما القدس والأقصى، فمنذ فتح المسلمين له، وحتى الآن، وهي منطقة صراع، العامل الديني فيها كبير، وله أهمية.

انتقال الملكية والأمانة

لقد كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء والمرسلين إماما، ذات دلالة بالنسبة للمسلمين كبيرة، لمن يتأمل هذه المسألة، فإن من المعلوم فقها أنه “لا يؤم الرجل في بيته، ولا في سلطانه”، وهو حديث نبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقاعدة فقهية كذلك، فقد كانت هذه الصلاة بمثابة نقل الملكية والأمانة من الأنبياء السابقين وأمتهم، إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.

ولذا كان حرص عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة على فتح بيت المقدس، لأن لهم فيه ملكا، ولهم فيه مسجدا، الصلاة فيه تعدل خمسمئة صلاة فيما سواه، وهو ما دفع بعض الصحابة إلى البقاء هناك بعد فتحه، وكلما غزاه الغزاة انتفض المسلمون لتحريره، عن عقيدة وإيمان بهذا الحق.

انتقال النبوة والرسالة

وهي كذلك دلالة على انتقال النبوة والرسالة، وبمثابة الشهادة منهم بذلك، فالإسلام وأمته هم أمة الشهادة، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143) ويأتي النبي يوم القيامة، وربما شهد قومه بإبلاغ الرسالة، وربما كذبوا عليه، فيأتي بأمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء له بالبلاغ، بناء على إيمانهم في القرآن الكريم بما قاموا به.

وقد ظلت النبوة والرسالة في بني إسرائيل قرونا عديدة، ولكنهم أساؤوا إليها، ولم يؤمنوا بها حق إيمانها، فحرفوا كتبها، وقتلوا أنبياءهم، وظنوا أن التكريم الإلهي لهم دائم لا ينتهي، فلما تخلوا عن الميراث السماوي، نقل الله تعالى الرسالة إلى نبي من أرض العرب، ونقل إليه أمانة الوحي، وآخر رسالات السماء، وآخر كتبه، ومع هذه الكتب ما يتعلق بالمقدسات، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

محاولات بائسة للصهاينة العرب

وقد حاولت بعض الأصوات المتصهينة العرب أن يصرفوا أنظار الناس عن أهمية الأقصى للمسلمين، فتارة تجد من يخرج ليقول: إننا لسنا مطالبين بالدفاع عن الأقصى، فهو مثله مثل أي مسجد، وكأن الدفاع عن المساجد، بل عن دور العبادة للمسلمين وغير المسلمين، ليس واجبا دينيا!!

وتارة يخرج من يقول: المسجد الأقصى، هو مسجد في منطقة قريبة من مكة، تسمى الجعرانة، وليس الموجود في فلسطين، وكله كلام فارغ لا ينطلق من علم ديني، ولا حقيقة تاريخية، سوى صرف الأنظار والقلوب عن قبلة المسلمين الأولى، ونهاية الإسراء، وبداية المعراج النبوي، الذي كان وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، له هذه المكانة، حتى قيام الساعة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

المصدر : الجزيرة مباشر