ميثاق “بروكسل” للهجرة.. اتفاقية مسمومة أم إصلاح حقيقي؟

يصطف المهاجرون الذين يطلبون اللجوء لنقلهم إلى مأوى مؤقت خلال يوم بارد في وسط مدينة إل باسو، تكساس، الولايات المتحدة (رويترز)

ومع بداية العام الجديد، ما زالت مشاكل العالم تتفاقم، فالحروب متعددة، والنظم الديكتاتورية في بلدان العالم الثالث تزداد قهرًا وتنكيلًا بشعوبها، هذا كله مع انتشار الفقر والجوع واختلال موازين البيئة بات سببًا رئيسًا في حتمية تزايد أعداد اللاجئين ونزوحهم إلى خارج أوطانهم.

لكن ميثاق بروكسل الجديد للهجرة الذي أقرته الدول الأوروبية نهاية العام المنصرم، أصبح قاب قوسين أو أدني من التطبيق بعد التصديق عليه من البرلمانات الأوروبية في وقت لاحق، فهل سيأتي بحلول لمشكلة اللاجئين؟ أم أنه سيكون سببًا في عرقلة وصولهم إلى القارة الأوروبية؟

ثلاث سنوات من التخبط، ومن الإخفاقات، قضتها الدول الأوروبية في مؤتمرات واجتماعات ومفاوضات بشأن ملف اللاجئين، حتى بات هو الهم الأول الذي يشغل الحكومات الأوروبية كلها في السنوات القليلة الماضية، وصارت صراعات سياسية متعددة بين الحكومات والأحزاب السياسية اليمينية التي استطاع اليمين المتطرف أن يستغلها بشكل جيد في تحقيق نجاحات سياسية وانتخابية غير مسبوقة!

الميثاق الجديد سيحيط أوروبا بأسوار عالية تمنع وصول اللاجئين، لكنها أسوار من القوانين واللوائح التي ستقف كحاجز فعلي يقوض دخولهم أوروبا، وحتى من سيصل منهم سيكون بإمكان القوانين الجديدة صلاحية ترحيله!

هو سيسمح كذلك ببقاء المهاجرين في معسكرات تشبه السجون، وسيتم البت سريعًا في طلباتهم، وبمقتضى الاتفاقية سيصبح أمر إصدار قوانين استثنائية في حالات استثنائية كما حدث أثناء موجة تدفق اللاجئين على القارة سنة 2015 أمرًا حتميًا.

أما اللاجئون الذي سيصلون إلى الدول الأوروبية من دول آمنة حددتها أوروبا مثل المغرب والجزائر مثلًا، فلن يسمح لهم باللجوء في أوروبا وعليهم المغادرة فورًا دون النظر في أسباب فرارهم، بمعنى أن فرز اللاجئين سيتم وفقًا لجنسيتهم وإقامتهم الأصلية قبل النظر في منحهم حق اللجوء، كما أن العائلات التي لديها أطفال قصّر فلن يصبح لها أولوية في حق اللجوء كما كان متبعًا، وسيتم خفض سن احتجاز الأطفال إلى 6 سنوات. أيضًا سوف يتم اعتبار الأطفال غير المصحوبين بذويهم من ضمن الفئات التي تشكل خطرًا أمنيًا!!

ترحيب أوروبي

من جهتها رحبت ألمانيا التي فيها النصيب الأكبر من المهاجرين بالميثاق، وربما يتعارض هذا الترحيب بما فعلته من قبل من فتح أبواب الهجرة، لكن هذا الترحيب يأتي في سياق السياسة المتبعة لكسب ثقة الشارع الألماني بعد أن حقق اليمين الشعبوي انتصارات شعبية بسبب هذا الملف، خاصة كذلك وأن هذا الميثاق الجديد سيمنع الدول من تمرير اللاجئين إلى ألمانيا.

اليونان وإيطاليا اللتان تتحملان العبء الأكبر من الوافدين غير القانونيين، أيضًا سعيدتان بالميثاق، لأنه سيلزم دول الاتحاد الأوروبي بتقاسم عبء اللاجئين، وهذا يعني التخفيف من حدة الوضع القائم الآن.

من جهتها أيضًا أشادت رئيسة البرلمان الأوروبي “روبرتا ميتسولا” بالميثاق واصفة إياه بـ”الاتفاقية التاريخية”، ومعتبرة أنه خطة أوروبية ستنهي ملف الهجرة الذي عانت منه أوروبا كثيرًا.

لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فالميثاق قوبل بمعارضة كبيرة من قبل لجان حقوق الإنسان، ومن المنظمات الداعمة لحقوق اللاجئين، فهي ترى أن ما يطرحه الميثاق من حق الدول الأوروبية في حجز اللاجئين في معسكرات اعتقال أو الترحيل إلى بلد ثالث هي سبة في جبين البشرية.

أيضًا المنظمات المعنية بحقوق الأطفال انتقدت الميثاق بقوة، لأن الاتفاقية تنتهك حقوقهم، وسيكون الأطفال بمقتضاها معرضين للخطر، وسيتم تشتيت العائلات.

في بروكسل نفسها التي تم فيها إبرام الاتفاق انتفضت منظمات عدة غير حكومية معنية بحقوق اللاجئين، وأعلنت رفضها لما تقوم به الدولة الأوروبية من أجل شرعنة ترحيل اللاجئين، وقالت إنه يخالف مبادئ حقوق الإنسان الدولية، ويتعارض حتى مع الدساتير الوطنية، لأنها ترى أن ترحيل المهاجرين لن يكون حلًا لأزمة الاتحاد الأوروبي في هذا الملف.

الميثاق سيزيد معاناة اللاجئين

ذكرنا مرارًا وتكرارًا أن الهجرة لن تتوقف دون وجود حلول جذرية لها، فمثلًا يذكر التقرير الذي صدر عن وكالة “فرونتكس” المنوط بها حماية الشواطئ الأوروبية من اللاجئين أنه خلال 11 شهرًا في سنة 2023 وحدها تم رصد “أكثر من 355 ألف محاولة عبور للحدود الأوروبية، أي بنسبة ارتفاع 17% مقارنة بالعام الذي سبقه”، كما تخطت طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي مليون طلب في نهاية العام المنصرم 2023، ومن المتوقع استمرار الزيادة في هذه الأعداد هذا العام أيضًا.

من الواضح أن الميثاق الجديد لن يغير الكثير من الوضع الراهن، بل على العكس سيزيد من خطورة الهجرة، لأنه سيجبر اللاجئين على سلوك دروب أكثر صعوبة للوصول إلى أوروبا، وستفقد فيها أرواح أكثر، لهذا ترى منظمة العفو الدولية أن النتيجة المحتملة لتطبيق الميثاق هي زيادة معاناة اللاجئين في كل خطوة سيخطوها أي طالب لجوء فيما بعد، وذكرت بأن العام الماضي وحده لقي أكثر من 2200 شخص حتفهم خلال رحلة عبور المتوسط قبل الميثاق، مما يعني أن العدد سيتضاعف بعد الميثاق!

المصدر : الجزيرة مباشر