صديق العرب

مظاهرة في رام الله تشكر جنوب إفريقيا (الأناضول)

عاش جيلي وهم صداقة عدد من زعماء الدول للعرب من خلال تكرار لقاءاتهم مع الرئيس عبد الناصر، ووصف وسائل الإعلام لهم بأنهم أصدقاء العرب، من أمثال الرئيس اليوغوسلافي تيتو والرئيس التنزاني نيريري والرئيس القبرصي مكاريوس وإمبراطور إثيوبيا هيلاسيلاسي، وبعد فترة تبين لنا أنهم حكام مستبدون يحكمون بالحديد والنار فضلا عما قام به هؤلاء من مذابح للمسلمين في بلادهم، وأن صداقتهم لعبد الناصر لا تعني صداقتهم للعرب.

وعاش الجيل الحالي نفس الخديعة مع تكرار الزيارات المتبادلة بين الرؤساء العرب والأجانب، واستمرار إطلاق وسائل الإعلام المحلية عليهم تعبير أصدقاء الشعوب العربية، حتى ظن الكثيرين أن دولا مثل فرنسا وألمانيا واليابان والهند تعد دولا صديقة للعرب، ليجيء طوفان الأقصى فيكشف هذا الوهم، مع مشاركة العديد من الدول في إمداد العدوان الإسرائيلي بالعتاد والمال وتبني مزاعمه وأكاذيبه بالمحافل الدولية.

وهكذا انكشف وهم الصداقة مع هؤلاء الذي امتد إلى كوريا الجنوبية والهند والصين وروسيا وإيطاليا وإنجلترا والنمسا وغيرها، حتى سويسرا التي تدعي الحياد قامت بتصنيف حماس منظمة إرهابية، في حين تواصل الطائرات الإسرائيلية قصف غزة ليل نهار، دون أن يصدر منها أي رد على تلك المجازر مثل غيرها من الدول الغربية.

لكن يشاء الله ألا تكون الصورة مظلمة تماما، حين قامت بوليفيا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل واتهامها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقامت كولومبيا باستدعاء سفيرها في تل أبيب بسبب التصعيد الإسرائيلي في غزة، وكررت تشيلي نفس الاستدعاء لسفيرها بإسرائيل، وجاء نفس المسلك من جانب هندوراس.

  تجارة محدودة للدول الصديقة مع العرب

كما استدعت جنوب إفريقيا جميع دبلوماسييها بإسرائيل ولم يكن لها سفير بها منذ 2018، حتى دولة بليز الواقعة في أمريكا الوسطى سحبت قنصلها من إسرائيل، وعلقت كل أنشطة ممثل إسرائيل القنصلي لديها بسبب قتل المدنيين الأبرياء في غزة، كما قامت بلدية برشلونة الإسبانية بقطع جميع العلاقات مع إسرائيل، هذا إلى جانب إجراءات دبلوماسية ضد إسرائيل من قبل الأردن وتركيا وتشاد والبحرين.

كذلك تقدمت بوليفيا بالشراكة مع جنوب إفريقيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي، بدعوى أمام محكمة الجنايات الدولية للتحقيق فيما يحدث بالأراضي الفلسطينية، كما قامت جنوب إفريقيا برفع دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية تعتبر خلالها أن أفعال إسرائيل تمثل إبادة جماعية، وطالبت المحكمة باتخاذ تدابير مؤقتة لحماية الفلسطينيين في غزة من الأضرار الجسيمة، وقامت بوليفيا بتأييد دعوة جنوب إفريقيا أمام المحكمة.

وشهدت مواقع التواصل كتابات للرئيس البوليفيي لويس آرسي يرفض خلالها جرائم الحرب في غزة، وللرئيس الكولومبي جوستفاو بيترو يصف هجمات إسرائيل بأنها تمثل مذبحة للشعب الفلسطيني، وللرئيس التشيلي غابريل بوريتش يصف فيها إسرائيل بأنها تنتهك القانون الإنساني، وهكذا قدم هؤلاء الرؤساء دلائل عملية على صداقتهم للعرب رغم قلة تجارتهم مع الدول العربية، بالمقارنة لتركز تجارة العرب مع الدول الغربية والشرقية المساندة لإسرائيل.

ففي عام 2022 كان نصيب الدول العربية مجتمعة أقل من 4% من صادرات بوليفيا، وأقل من 1.5% من صادرات كولومبيا، ونحو 0.5% من صادرات تشيلي. وتكرر المشهد مع هندوراس عام 2021 حين كان نصيب العرب من صادراتها أقل من نسبة واحد بالألف، وكان نصيب العرب من صادرات جنوب إفريقيا 3% عام 2022.

   مكانة مرموقة للدول الصديقة بالاقتصاد الدولي

لذا يصبح لزاما علينا نحن العرب توجيه الشكر العملي إلى مواطني تلك الدول الست: جنوب إفريقيا وكولومبيا وتشيلي وبوليفيا وهندوراس وبوليفيا وبليز، البالغ عددهم 148 مليون نسمة، خاصة أنه قد سبق أن قامت بوليفيا بقطع العلاقات مع إسرائيل في يناير/ كانون الثاني 2009 عند عدوانها على غزة حينذاك، كما سبق للرئيس التشيلي أن زار الضفة الغربية عام 2018 عندما كان نائبا بالبرلمان، وصرح وقتها في مقابلة تلفزيونية بأن إسرائيل دولة إبادة ودولة إجرامية، وأيد بقوة مقاطعة المنتجات والبضائع المستوردة من إسرائيل.

ومن الواجب أن يعزز العرب تجارتهم مع هذه الدول، وأن تنال قسطا من السياحة العربية بالخارج، كما أنه من حق المواطن العربي أن يتعرف عليها وعلى المسؤولين فيها، خاصة أن لبعضها مكانة بالاقتصاد العالمي، فجنوب إفريقيا احتلت المركز الثامن والثلاثين بالاقتصاد العالمي عام 2022، وكولومبيا المركز الرابع والأربعين، وجاءت تشيلي في المركز السادس والأربعين وبوليفيا في الـ96 وهندوراس في الـ102 وبليز في الـ178 حسب الناتج المحلي الإجمالي.

وخلال عام 2022 بلغت قيمة التجارة الخارجية لجنوب إفريقيا 259 مليار دولار ولتشيلي المصدرة للنحاس 202 مليار دولار، ولكولومبيا المصدرة للنفط 134 مليار دولار، ولهندوراس المشهورة بتجارة البنّ والموز 30 مليارا، ولبوليفيا المصدرة للغاز الطبيعي 27 مليارا، ولبليز المصدرة للموز ملياري دولار، وذلك فضلا عن تجارتها الخدمية التي تزيد في بليز عن قيمة تجارتها السلعية.

   الاقتصاد واليسار والسجن يجمع بين الرؤساء

ومن المفيد معرفة خلفية رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا البالغ من العمر 71 عاما، الذي كان وراء تقديم الدعوى ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية، حيث كان ناشطا مناهضا للفصل العنصري وأسس نقابة لعمال المناجم، واعتُقل عام 1974 لتنظيمه بعض التجمعات، ومكث في السجن 11 شهرا، ثم اعتُقل مرة أخرى عام 1976 مدة ستة أشهر.

أما رئيس بوليفيا لويس آرسي المنتمي لحزب الحركة من أجل الاشتراكية فقد عمل محاسبا بعد تخرجه، ثم أكمل دراسته العليا للماجستير وعمل بالبنك المركزي وأستاذا جامعيا، وله مؤلفات اقتصادية ومصرفية، وشغل منصب وزير الاقتصاد والمالية العامة منذ عام 2006 حتى 2017، وترك المنصب للعلاج بالخارج، وبعد شفائه عاد لنفس المنصب حتى عام 2019، ثم فاز بالانتخابات الرئاسية عام 2020، ويصفه كثيرون بأنه عقل النهوض الاقتصادي لبوليفيا حيث انخفضت نسب الفقر في عهده وزادت معدلات نمو الناتج.

أما رئيس تشيلي السياسي اليساري غابرييل بوريك البالغ عمره 37 عاما، الذي يعد أصغر رئيس تولى حكم البلاد، فقد كان أحد قيادات الحركة الطلابية وهو من المعجبين برئيس فنزويلا الراحل هوغو تشافير والزعيم الكوبي فيدل كاسترو.

ويبلغ رئيس كولومبيا غوستافو بيترو 63 عاما، وهو اقتصادي وسياسي ويصف نفسه بأنه يساري، وعندما تولى منصب عمدة إحدى المدن وكانت له بصمات بها، عزله النظام الحاكم الذي كان يعارضه وحظر عليه العمل السياسي مدة 15 عاما بزعم سوء الإدارة، لكن لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان علقت العقوبة فعاد إلى منصبه.

وتبلغ رئيسة هندوراس زيومارا كاسترو 64 عاما، وتمثل حزبا يساريا، وكان زوجها مانويل زيلايا رئيسا للبلاد ثم أطاح به انقلاب عسكري عام 2009، فقاومت الانقلاب وظلت تعارض عسكرة المجتمع إلى أن فازت بالرئاسة بداية 2022.

أما بليز فهي إحدى دول الكومنولث البريطاني، ولهذا تخضع لحكم ملك بريطانيا الذي يمثله في بليز الحاكم العام، وهو حاليا فرويلا تزالام، أما السلطة الفعلية فهي في يد رئيس الوزراء وهو حاليا جون بريسينو الموجود بالسلطة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وإذا كانت الحرب على غزة قد كشفت عن أصدقاء حقيقيين للعرب من رؤساء البلدان، فقد أضافت كذلك الكثير من الأنصار للقضية الفلسطينية في مختلف بلدان العالم، بسبب المجازر الإسرائيلية المستمرة، والمطلوب التواصل مع هؤلاء لشكرهم، وللاستفادة منهم للضغط على مسؤولي بلادهم من أجل وقف العدوان الغاشم على غزة والضفة الغربية.

المصدر : الجزيرة مباشر