نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية المبكرة في الإكوادور.. مزيد من الانسداد السياسي!

الفائزة الأولى لويزا غونزاليز

 

عاشت الإكوادور، أمس الأحد، انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، لم يتمكن فيها أيّ من المرشحين الثمانية لمنصب الرئاسة من حسم الفوز منذ الجولة الأولى بالحصول على أكثر من 40% من الأصوات، مع إحداث فارق لا يقل عن 10% عن المركز الثاني. وقد كان العنوان الأبرز في هذه الجولة، تأثير الاغتيال السياسي الأخير للمرشح الرئاسي فرناندو فيافسنسيو منذ عشرة أيام، على نتائج الانتخابات، بشكل يُنذر بمزيد من الانسداد السياسي، من خلال تباين الهيمنة على مؤسستي الرئاسة والبرلمان.

قبل عرض التفاصيل، وجبت الإشارة إلى أن الفائز في الجولة الثانية، يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول القادم، ونواب البرلمان البالغ عددهم 137، سيشغلون مناصبهم بشكل مؤقت حتى مايو/أيار 2025، نظرًا لكونها انتخابات مبكرة، أعلن الرئيس غييرمو لاسو عن إجرائها، بناء على قراره حل البرلمان منذ ثلاثة أشهر، استباقًا لاتفاق أغلبية البرلمان على عزله في ذلك الوقت لأسباب شرحناها في مقال سابق.

تواصل الأزمة

ويبدو أن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الحالية، أكدت أن الأزمة بين البرلمان والرئاسة التي استمرت سنتين، منذ تولّي لاسو الرئاسة، ستتواصل بشكل لا يوحي بأي بوادر انفراج سياسي، إذ حصلت المرشحة للرئاسة لويزا غونزاليز عن تيار الرئيس اليساري الأسبق رافاييل كورّيا، على المركز الأول كما كان متوقعًا، لكن بنسبة 33%. في المقابل، توزعت بقية النسبة بين باقي المرشحين الذين أجمعوا على خطاب التصدي لها، على غرار الانتخابات الماضية في فبراير/شباط 2021، وهو مؤشر قوي على هزيمتها في الجولة الثانية. في المقابل، حصل حزب “ثورة المواطنين” الذي تنتمي إليه على ما يقارب 40% من مقاعد البرلمان، كما كان عليه البرلمان المُنحلّ، وبالتالي فإنه سيبقى رقمًا صعبًا على الخصوم، كما أن التواصل بين المؤسستين سيشهد مزيدًا من الأزمات، الله أعلم بمآلاتها.

أمّا المركز الثاني في انتخابات الرئاسة والأكثر حظًّا في الفوز بالجولة القادمة، فقد مثّل المفاجأة، إذ حصل اليميني دانييل نوبوا على نحو 24% من الأصوات، داحِرًا بذلك المرشحين الذين كانوا أكثر حظًّا منه في استطلاعات الرأي، على غرار أوتو سونينهولزنر نائب الرئيس السابق، والمرشح الرئاسي السابق ياكو بيريز، والمرشح الملقب “رجل القبضة الحديدية” جان توبيك. ورغم أن نوبوا كان نائبًا في البرلمان المنحل، فإن شهرته تأتى من اللقب الذي يحمله، إذ يُطلَق على والده ألفارو نوبوا لقب “إمبراطور الموز”، ويُعَد أغنى رجل في الإكوادور، فهو يملك 124 شركة، موزعة على 50 دولة، ويتولى ابنه دانييل إدارة جزء من إمبراطوريته. إضافة إلى أن نوبوا الوالد، ترشح خمس مرات سابقة لرئاسة الإكوادور، وصعد الى الجولة الثانية أمام الرئيس الأسبق كورّيا في 2007.

المثير للفكاهة

في الحقيقة، ترتبط صورة نوبوا الوالد في عقول الإكوادوريين، في العشرية الأخيرة، بالشخصية المُثيرة للفكاهة والتندر، إذ أصيب الرجل باضطراب عقلي، وأصبح يظهر عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع تهريجية مُستحبّة، جعلت الناس يضحكون من قلوبهم، مع مراعاة الشفقة والطمع الدائم في كرمه العشوائي. غير أن أداء ابنه الرصين والمتمكن من الموضوعات المطروحة خلال المناظرة بين مرشحي الرئاسة، كسر صورة الابن المدلل السطحي، وكشف عن شخصية فاحشة الثراء ومجتهدة وطموحة في الوقت نفسه. وكان من الواضح أن نوبوا الابن كان يخطط بتركيز ممنهج للوصول إلى هذه المرحلة، إذ حرص خلال شغله مقعدًا في البرلمان المنحل على عدم فتح أي جبهة ضد أي حزب، وبدا هادئا طوال تلك المدة.

لكن مهما بدت مميزات هذه الشخصية، فإن الجانب القاتم من صورة شخصية والده في مجال الأعمال لا يمكن إغفالها، فالرجل وأسرته التي تدير إمبراطوريته، متهمون بقضايا “الاستعباد البشري” في مزارع الموز التي يملكونها، بشهادة منظمات دولية، بالإضافة إلى قضايا تهرب ضريبي وغسيل أموال.

أمّا المركز الثالث الذي جمع نحو 16% من الأصوات، فقد فاز به كريستيان زوريتا، خليفة المرشح الغائب الحاضر، فرناندو فيافسنسيو، الذي اغتيل قبل عشرة أيام على موعد الانتخابات، في جريمة مثيرة للاستغراب. وبهذا يكون قد تقدم مركزين، بناء على نتائج استطلاعات الرأي قبل جريمة الاغتيال. لكن المثير أيضًا أن التحالف الهش للحزبين اللذين اتفقا على ترشيح فيافسنسيو للرئاسة، وفي سابقة غير متوقعة بالمرة، تمّ تأكيد فوزه بالمركز الثاني في البرلمان من خلال الحصول على 20% من المقاعد، بعد فرز 85% من الأصوات. لكن يبدو أن الخلافات بين الحزبين التي لم تخْفَ عن الإكوادوريين، بلغت ذروتها وأدّت إلى فك التحالف رسميًّا بعد ثلاث ساعات فقط من إغلاق مراكز الاقتراع.

في الحقيقة، لم تكن التوقعات بأن التعاطف مع المرشح فيافسنسيو الذي تمّ اغتياله، من خلال التصويت لخليفته وللتحالف الذي يمثله، سيبلغ هذا المستوى، لكن الأرقام فاقت التوقعات. ومن المحتمل جدًّا، أن يصوّت هؤلاء لدانييل نوبوا في الجولة الثانية، انتقامًا من المرشحة اليسارية غونزاليز، التي عدَّها فيافسنسيو ممثلة خصمه اللدود، وروّجت اللجان الإلكترونية المحسوبة على اليمين، لمسؤولية زعيمها كورّيا في تدبير جريمة الاغتيال، دون الاستظهار بأي دليل.

من جانبه، رأى الرئيس الأسبق كورّيا، أن اتهامه “زورًا” بتدبير جريمة اغتيال، هي حيلة لاستقطاب عقول الناخبين البسطاء. ولم يستبعد أن يكون المسؤول عن التخطيط لهذه الحيلة، هو اليمين الذي ضحّى بشخصية فيافسنسيو الشعبية، لتحقيق الفرصة الأخيرة لحرمان مرشحته غونزاليز من حسم فوزها منذ الجولة الأولى، وقال في تصريح له الأسبوع الماضي لقناة (فرنسا 24) “اليمين هو المستفيد الوحيد من فيافسنسيو ميّتًا، أكثر منه حيًّا”.

مهما تكن نتيجة الجولة الثانية يوم 15 أكتوبر المقبل، فإن المؤكد من خلال نتائج هذه الجولة، هو تلاشي مفهوم الصلابة لدى الأحزاب في الإكوادور، باستثناء حزام الرئيس الأسبق كورّيا، حيث إن أغلب المرشحين كانوا بحاجة إلى تكوين تحالفات لكسب أكثر عدد من الأصوات، إضافة إلى أن مكونات التحالفات أيضًا، هي أحزاب أعرقها لم يبلغ عشر سنوات من النشاط الفعلي. أمّا الملاحظة الثانية فهي الغياب الفاقع لحزب الرئيس الحالي، الذي فضّل عدم الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية، بدعوى إعادة ترتيب البيت الداخلي، لكنها في الحقيقة خطة لستر حقيقة الإفلاس السياسي، التي ستنكشف لا محالة في انتخابات 2025.

الفائز الثاني دانييل نوبوا
المصدر : الجزيرة مباشر