ماذا وراء اغتيال مرشح رئاسي في الإكوادور؟

فرناندو فيافسنسيو

 

عاشت العاصمة كيتو جريمة تصفية من الوزن الثقيل، أودت بحياة المُرشح الرئاسي فرناندو فيافسنسيو على إثر تلقيه ثلاث رصاصات في الرأس، بين أنصاره وحرسه الأمني الخاص، من مسافة قريبة جدًا، طرحت نقاط استفهام عديدة، وقد جدّت هذه الجريمة والبلد على بُعد عشرة أيام من موعد انتخابات رئاسية وتشريعية مُبكرة، تجنّد لها الضحية بخطاب ناري مستفز لعصابات المخدرات والجريمة المنظمة التي استبدت بالإكوادور، ودعاهم لتصفيته، إن تجرّؤوا عليه!

ولم يتوقع أحد أن يحدث ذلك، والرجل يحظى بحراسة أمنية استثنائية، باعتبار الحُظوة الخاصة التي يوليها له الرئيس الحالي وبتلقيه تهديدات جادّة بالتصفية من قبل عصابات المخدرات، ورغم تلميح الرأي العام لمسؤولية العصابات عن اغتيال الرجل، إلّا أن التعقّل يفرض مراعاة معطيات أخرى تتعلق بطبيعة الشخصية الجدلية للضحية وتوتّر الظرف الزمني والسياسي في البلاد، وما يعنيه هذا الاغتيال في هذا التوقيت الحسّاس.

الوزن السياسي للضحية

قبل التعرف إلى ملامح الضحية ووزنه السياسي في المشهد العام، حريّ بنا عرض تفاصيل الجريمة، للوقوف على انهيار الأوضاع الأمنية في الإكوادور، وتفشّي جرائم التصفية عبر اعتماد أسلوب القتلة المأجورين، على غرار المكسيك وكولومبيا، حيث إنه، وعلى إثر الانتهاء من فعالية انتخابية في العاصمة كيتو، توجّه فيافسنسيو إلى سيارة خارج القاعة، كانت في انتظاره، وسط جمع غفير من أنصاره وحارسين من قوات الأمن، لصيقين به، وهمّ بدخول السيارة، وبمجرد استقراره في المقعد الخلفي، على يمين السائق، فاجأه القاتل بثلاث طلقات في الرأس، من الجانب الأيسر للسيارة الذي لم يكن مؤمّنًا بالمرّة، وهو ما أثار غضب أسرة الضحية وتساؤلهم عن “الفراغ المفتعل” في المشهد. زيادة على ذلك، كان من المفروض أن يُغادر الضحية مكان الفعالية من الباب الخلفي، حيث تنتظره السيارة، حسب تصريحات شقيقته، ثمّ أن السيارة المُصفّحة المُخصصة للضحية، منذ أشهر، قدمت إلى المكان بعد حدوث الجريمة بخمس دقائق، ولا أحد اقتنع بسبب تعويضها بسيارة غير مُصفحة.

يُضاف إلى ما سبق ذكره، وحسب مقاطع “الفيديو” التي نشرها الحاضرون، أن فريق تنفيذ الجريمة يضم شخصين على الأقل، القاتل وآخر في انتظاره على دراجة نارية، تمكن هذا الأخير من الهروب رغم الحضور الأمني المُكثّف، والقاتل تعرّض لطلقات وسط تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن، ووصل مقرّ الادعاء العام على قيد الحياة، لكن الجميع تفاجأ بخبر وفاته هناك، وهو ما أثار سُخط فريق عمل الضحية وأسرته، الذين شككوا في أن موت الفاعل “مقصود”، ورغم أن وزارة الداخلية أعلنت خلال يوم القبض على ستة مشتبه بهم في الضلوع في الجريمة، لم ينجح الخبر في التخفيف من حالة الغضب التي غزت شبكات التواصل الاجتماعي.

بيد من حديد

على صعيد آخر، تجدر الإشارة إلى أن عصابات المخدرات والجريمة المنظمة أصبحت تعدّ الإكوادور مرتعًا لها في السنوات الأخيرة،، نظرًا لاعتماد موانيها نقطة توزيع المخدرات نحو السوق الأوروبية والآسيوية، ومع تضاعف نفوذ العصابات في البلاد وتفشي الجرائم، احتلت الإكوادور المرتبة الثالثة في قائمة أخطر بلدان أمريكا الجنوبية من حيث معدل جرائم القتل العمد، وهو ما جعل المطلب الأمني، أحد أهمّ رهانات الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة، ولئن وعد المرشح الرئاسي جان توبيك بالضرب بيد من حديد على الخارجين عن القانون، مُستظهرًا بخبرته في المجال، فإن الضحية فيافسنسيو، اشتهر بخطابه الشعبوي الذي توعّد بالانتقام من عصابات المخدرات والتنكيل برؤسائهم، لجعلهم عِبرة في القارة الأمريكية، وقد لاقى خطابه صدى لدى أنصاره الذين لا يتخطون 9% من الناخبين، حسب استطلاعات الرأي، نظرًا لكون الرجل، يتوافر على مسيرة مهنية في الصحافة الاستقصائية، ويباهي غالبًا بعلاقته الجيدة مع الجانب الأمريكي وتعاونه المستقبلي معه في المجال الأمني والاستخباري، لاسيما في عسكرة الموانئ وقطع سُبل تهريب المخدرات منها.

أمّا في ما يخص الجانب السياسي، فإن شهرة القتيل فيافسنسيو ارتبطت سياسيًا بكونه “العدو اللدود” للرئيس اليساري الأسبق رافاييل كورّيا، الذي تجمعه به مسيرة خلافات يطول شرحها في هذا المقام، لكن تكفي الإشارة إلى أنه تفرّغ لإعداد “عمل استقصائي” سنة 2020، كان سببًا في الحكم بالسجن ثماني سنوات على الرئيس الأسبق اللاجئ في بلجيكا، وتجريده من حقوقه السياسية، وقد رأى كثيرون أن التهم مفتعلة، وتدخل في إطار ثأر سياسي من الرجل، بشهادة عدد لا يستهان به من المنظمات الدولية.

وقد مثّلت هذه العداوة، مادة دسمة لاعتماد الضحية خطابًا، نجح في استمالة جانب لا يستهان به من الجمهور في الإكوادور، اتّحد للقضاء على حظوظ عودة اليسار إلى الحُكم، ولطالما مثّلت شعارات الضحية صدى لخطاب الرئيس الحالي لاسو وسابقه مورينو، إلى درجة أن أغلب الرأي العام، كانوا يعدونه مُرشح الرئيس، نظرًا لأن هذا الأخير عجز عن الترشح، لأسباب ذكرناها في مقال سابق في هذه الزاوية، ولئن اعتادت اللجان الإلكترونية للحزب الحاكم، على إغراق شبكات التواصل الاجتماعي بتغريدات تتهم تيار الرئيس الأسبق “كورّيا” بمسؤوليته عن كل أزمات البلاد وكوارثها، إلا أن هذا الخطاب وعلى إثر اغتيال فيافسنسيو، باء برفض عريض هذه المرة، حيث أجمع الرأي العام على تحميل المسؤولية السلطات الرسمية، سواء بسبب الأداء الكارثي لعناصر الأمن، أو “بالتواطؤ” من خلال ترك فجوات مقصودة للمنفّذين! وللقراءة الأخيرة مؤشرات شائكة تفوق المعطيات المحلية، ربما نعرضها لاحقًا.

 

المصدر : الجزيرة مباشر