من يقف وراء انقلاب النيجر؟

قادة الانقلاب

 

الانقلاب العسكري الذي حدث في دولة النيجر، وقضى بعزل الرئيس المُنتخب محمد بازوم، لم يكن يشبه الانقلابات التي حدثت في القارة الإفريقية مؤخرًا، ولا حتى في النيجر نفسها، إذ إنه حدث بصورة خاطفة ودرامية، دون أي مظاهر عسكرية مثل تحريك الدبابات وغلق للجسور، ولم تسبقه تظاهرات سياسية، وكذلك لم يجابه بمقاومة من أنصار الرئيس الشرعي للبلاد.

صرخة بلا مُجيب

من شاشة التلفزيون القومي أطل الجنرال ميجور أمادو عبد الرحمن وخلفه مجموعة من الضباط، أطلقوا على أنفسهم قوات الدفاع والأمن، وقالوا إنهم سيطروا على الحكم لحماية الوطن، ووضع حدّ لنظام بازوم، بالإشارة لتدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية، فيما ناشد الرئيس المعزول الشعب والجيش بالتدخل لحماية التجربة الديمقراطية، دون أن تجد تلك الصرخة آذانًا صاغية، أو تحرك ضمير المجتمع الدولي، الذي يبدو أنه غير راغب في استقرار الدول الإفريقية، ولا يملك ردة فعل أكثر من التعبير عن قلقه، كأضعف الإيمان.

بدأت الأزمة بضرب حصار محكم على مقر الرئيس بازوم، الذي رفض الاستسلام والتوقيع على خطاب الاستقالة، والرضوخ لشروط الحرس الوطني، المسنود بالجيش وقوى خارجية، وجدت في غرب إفريقيا والساحل ضالتها، ثروات معدنية هائلة ونخبة سياسية وعسكرية قابلة للشراء والعمل بالوكالة، ما تسبب في وقوع نحو سبع انقلابات عسكرية في غرب إفريقيا منذ العام 2020، آخرها ما حدث في مارس/آذار 2021، عندما حاولت وحدة عسكرية الاستيلاء على القصر الرئاسي قبل أيام من أداء بازوم اليمين الدستورية، وعادت تلك الجهة نفسها لتنفذ انقلابها بعد عامين.

الدوافع الخفية وراء الانقلابات

ولعل النيجر، وهي دولة إفريقية غير ساحلية، لم تكن محصنة من الانقلابات، وقد شهدت بعد أن نالت استقلالها من فرنسا في العام 1960، نحو أربعة انقلابات عسكرية، كانت باريس ضالعة فيها بشكل مباشر، أشهرها الانقلاب الذي أطاح بالرئيس مامادو تانجا في فبراير/شباط 2010 بعد سعيه لتمديد ولايته بطريقة غير دستورية.

ولعل الدوافع الخفية وراء تلك الانقلابات تكمن في رغبة فرنسا بتعديل مسار الحكم في مستعمراتها القديمة وفقًا لمصالحها الاقتصادية، لكن ظهور الدب الروسي والتنين الصيني مؤخرًا خلط الأوراق بشدة في هذه المنطقة، وسحبها بعيدًا عن نفوذ الديك الفرنسي، وبالأحرى تحولت منطقة الساحل وغرب إفريقيا إلى محطة مشتعلة بالصراعات، ومأزومة بالانقلابات العسكرية، كما حدث في مالي وإفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، وما يجري إلى اليوم في السودان ليس ببعيد عن ذلك الصراع الدولي، وتداخل الأجندة والمطامع في السيطرة على الذهب واليورانيوم.

حلبة الصراع الروسي الفرنسي

بالرغم من أن بازوم يعد حليفًا لفرنسا، ولكنه واجه نزعة شعبية طاغية رافضة للوجود الفرنسي، وأقرب إلى الوقوع في مصيدة فاغنر، التي باتت مؤخرًا تتحرك بحريّة تامة في المنطقة، ولا يستبعد أن تكون روسيا ضالعة في هذا الانقلاب من خلال القضاء على التجربة الديمقراطية في نيامي، وصناعة ديكتاتورية عسكرية موالية لهم، كما حدث في مالي وبوركينا فاسو، وما حدث في السودان كذلك من خلال دعم مغامرة حميدتي للسيطرة على السلطة بالقوة، بينما فرنسا نفسها أصبحت قليلة الثقة في الرؤساء الموالين لها، وتعمل باستمرار على استبدالهم، سواء كان ذلك بالتصفية الجسدية، كما فعلت مع الرئيس التشادي إدريس ديبي، وأشارت أصابع الاتهام بمقتله إلى باريس، أو بالانقلابات العسكرية المباشرة، كما حدث في كثير من دول الساحل بعد الاستقلال، والتي أصبحت حلبة مكشوفة للصراع الفرنسي الروسي.

في الأيام الأخيرة كان بازوم يحذّر من اختراقات روسيا عبر قوات فاغنر، خصوصًا بعد طرد القوات الفرنسية من مالي، واستضافتها في النيجر، التي تستورد منها فرنسا ما بين 30 إلى 40% من اليورانيوم اللازم لتشغيل محطتها النووية، وأدرك بازوم أنه حكمه مهدد بالسقوط، وأن هنالك جهات تتحرك ضده، فسعى إلى إحداث تغيرات داخل المؤسسة العسكرية، بدءًا بالحرس الرئاسي، ما يفسر هذا التحرك لقطع الطريق أمامه، كما أن هذا الانقلاب المفاجئ لن يكون الأخير، وسط حالة من الهشاشة الأمنية تعاني منها النيجر، بل الراجح أن انقلاب قائد الحرس الرئاسي خطوة أولى لها ما بعدها، سوف تضع البلاد تحت سيطرة مراكز القوى الجديدة، سواء كانت خلفها فرنسا أو روسيا.

من نيامي إلى الخرطوم

لا شك أن انقلاب النيجر سيلقي بظلاله على التطورات العسكرية في السودان، سيما وأن منطقة الساحل وغرب إفريقيا مرتبطة ببعضها البعض، بموجات النزوح والعصابات المُسلحة العابرة للحدود، فضلًا عن أن بازوم يعد حليفًا لحميدتي، وكلاهما ينحدر من القبائل العربية الإفريقية، وهذا يعني أن القوات التي تقاتل إلى جانب الدعم السريع وتم استنفارها عن طريق الفزع، ربما تعود إلى أدراجها، أو تهلك بالحصار الخانق.

يعد محمد بازوم  أول رئيس عربي يصعد إلى سدة السلطة في النيجر، رغم أنه ينحدر من أقلية سكانية، وينتمي إلى عرب ديفا، الذين يعيشون في شرق النيجر، ويعد بازوم رجل فرنسا في نيامي، وحامي مصالحها، كما تربطه صلات قوية بعائلة دقلو في السودان، ولديهم شراكات معها في مجالات التعدين، مما ساعد في تمويل حملته الانتخابية، وكان يطمح لتكوين جيش خاص به على غرار الدعم السريع، يستخدمه في بسط نفوذه، وهو ما جعل قبائل الهوسا التي تشكل أغلبية في النيجر تثور ضده وتتهم حزبه بالفساد، ولذلك بالطبع علاقة باقتحام المقر الرئيس للحزب الحاكم في نيامي وحرق محتوياته صباح الخميس، وربما لهذا السبب أيضًا انحازت القيادة العامة للجيش مع الانقلاب، ووجّه المجلس الوطني تحذيرًا للقوات الفرنسية من التدخل في الشأن الداخلي للنيجر، وهذا يعزز فرضية الدور الروسي وراء هذا الانقلاب.

استراتيجية الصدمات

اتخذ انقلاب النيجر استراتيجية الصدمات، فظهر جبل الجليد في الأول بتحرك الحرس الرئاسي، تحت تعتيم إعلامي، وتم حبس الرئيس بازوم ليوم كامل في مقر الحكم، دون أي تحركات مناوئة، ثم التنسيق بعد ذلك مع الجيش الوطني وإذاعة البيان الأول، وتكوين المجلس العسكري من تشكيلات مختلفة، وسط تنديدات دولية واسعة لم يأبه لها الانقلابيون الجدد بعد أن سيطروا على مقاليد الأمور بالفعل، وهذا يعني أن صفحة بازوم تم طيّها بالمرة، وأن التجربة الديمقراطية هنالك أصبحت في كف عفريت، كما أن فرنسا في طريقها لخسارة دولة أخرى حليفة لها، والأهم من ذلك أن المنطقة برمتها سوف تشهد تحولات سياسية وأمنية خطيرة على المدى القريب.

 

المصدر : الجزيرة مباشر