أمريكا والحلم العربي.. أمريكا والتطبيع

 

لا يخفى على أحد الدور المركزي الأمريكي المباشر وغير المباشر في جميع بؤر الصراع المشتعل منها والمنطفئ وحتى ما سوف يشتعل في المستقبل، ولأن هذا الدور ليس وليدًا حديث العهد وإنما بدأ بالتنامي المتسارع مع الحرب العالمية الثانية، ولطول عهد الشعوب به، فقد أصبح التعلق بالموقف الأمريكي أشبه بحلم لدى الكثير من شعوب الأرض، وبات الأمل بتقاطع المصالح أشبه بشعار لدى الكثيرين، رغم معرفتهم المسبقة أنّ أمريكا لا تخطو خطوة واحدة إلا في سبيل مصلحتها فقط، رغم كل الشعارات المزيفة التي تدعيها من نشر للديمقراطية، وترسيخ لقيم العدالة، وحماية حقوق الإنسان وغيرها الكثير.

الحلم العراقي

يُعَد اجتياح الجيش العراقي للكويت جريمة القرن العشرين، ومنذ اليوم الأول بدأت المعارضة العراقية تحلم بإسقاط صدام حسين عقب تحرير الكويت، وعقب التحرير لم يقم الشعب العراقي بثورة باستثناء انتفاضة البصرة التي قمعها صدام حسين بضوء أخضر من أمريكا، واحتاجت المعارضة إلى جرعات الصبر وانتظار نحو اثنتي عشرة سنة، واحتاجت أمريكا إلى الكذب والتزوير -كما بات معروفًا للعالم- كي تشرعن إسقاطها نظام الحكم في بغداد، وفور تولي بول بريمر الحكم أعلن أنه سيعيد العراق إلى ما قبل التاريخ. ها قد مضى على سقوط صدام ما يزيد على العقدين، فهل تحقق الحلم؟

لقد خسر العراق أكثر من مليون إنسان خلال فترة الحصار، وكذلك خسر جلّ علمائه والعقول المفكرة فيه، خسر حتى مياه دجلة والفرات، وخسر قبل كل ذلك قراره السيادي، بتعبير آخر خرج العراق من التاريخ، وربحت أمريكا النفط.

الحلم السوري

في السنة الأولى للثورة السورية، سارع النظام بإرسال رامي مخلوف الذي كان المؤتمن على خزائن بيت الأسد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لينقل إلى واشنطن رسالة واضحة مفادها “إن سقط النظام فلا أمن ولا أمان لإسرائيل”. مع ذلك حَلُم الكثير من السوريين بأن تعمل أمريكا على إسقاط الأسد، وعمل أحد المكونات على الاستعانة بهم، ومن خلالهم ضمنت أمريكا الهيمنة على منابع النفط في سوريا، في الوقت الذي كانت تعمل فيه على تعفين الوضع وعدم السماح للثورة بالانتصار، وفي الآن ذاته عدم السماح للنظام بإنهاء الثورة، والنتيجة كما هو واضح اليوم. نستطيع بكل بساطة النظر إلى سوريا المُقسَّمة حسب مصالح دول النفوذ مع غياب تام للقرار السوري. وأصبح معروفًا للقاصي والداني أعداد القتلى والمعتقلين وملايين المهجرين، حتى أنّ الكيماوي الذي كانت أمريكا تعُدّه خطًّا أحمر تغاضت عنه.

الحلم العربي

إثر البرود الذي تعاملت به أمريكا مع الشعب السوري، ونتيجة للتفوق الروسي في سوريا واشتعال الحرب الأوكرانية، بدأ بعض العرب بالتحلل رويدًا رويدًا من الحلم بأمريكا وبدا لهم أنّ الحلم بالدب الروسي أو التنين الصيني أمر مقبول، وبالتالي لا بأس من مصافحة اليد الملوثة بدماء الشعب السوري، فسارع الكثير منهم إلى اتخاذ التدابير اللازمة لعودة النظام إلى الجامعة العربية، وبقليل من التأني والتفكر في مواقف هذه الدول من ثورة السوريين، يتبين لأيّ مراقب أن هذه العودة ليست عودة المطرود وإنما عودة من أنجز مهمة كُلّف بها.

الموقف الأمريكي

لست خبيرة سياسية في واقع الأمر لأدّعي معرفتي بالموقف الأمريكي، لكن تكفي قراءة التاريخ والنظر إلى الواقع، لماذا انتظرت أمريكا اثنتي عشرة سنة لتُسقط نظام صدام مع أنها كانت تستطيع ذلك عقب تحرير الكويت مباشرة؟ ولماذا سمحت لصدام بأن يستخدم طائراته في قمع انتفاضة البصرة التي كانت خاضعة للحظر الأمريكي حينئذ؟ بكلّ تأكيد كانت مصلحتها الخاصة تقتضي ذلك. كذلك الأمر في سوريا، فالمصلحة الأمريكية أولًا، ولكن يجب دراسة الموضوع من كل جوانبه وحساب جميع الاحتمالات، ولذلك جهّزت قانون قيصر، وها هي اليوم تجهّز قانون محاسبة جديدًا من شأنه أن يعزّز قانون قيصر، ويسمح لأمريكا بمحاسبة الدول الساعية إلى التطبيع مع النظام السوري، وهي القادرة على تفعيل وتعطيل ما تشاء من القوانين، والقادرة على تطبيقها عندما تحين اللحظة المناسبة، وتعطيلها إن اقتضى الأمر. وهي في أثناء ذلك كله لا يعنيها سوى تحقيق أكبر ربح مادي ممكن من أي بؤرة صراع في العالم.

في خضمّ ذلك كله، تعمل هذه الحسابات السياسية، والمواقف غير المحسوبة، والمناورات القائمة على الفعل الأمريكي ورد الفعل العربي، يتمّ سحق الشعوب في كرامتها، والمواطن في لقمة عيشه وحريته، دون أدنى إحساس بالمصير الأسود المنتظر، فقد اكتفت هذه الشعوب بالنضال على مواقع التواصل الاجتماعي، والاندهاش المتكرر كلما هبطت أسعار عملتها الوطنية بامتياز غربي، والأمَرُّ من هذا هو الاختلاف الفيسبوكي المرير بشأن شرعية بيع جزء من الوطن من عدم شرعيته.

المصدر : الجزيرة مباشر