هل يعود رشيد لتولى الوزارة؟

رشيد محمد رشيد

في ضوء تجدد أخبار عن مفاوضات مع رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة المصري الأسبق، ليتولى رئاسة الوزراء -وهي أخبار ترددت في يناير/ كانون الثاني الماضي- أذكر أنه في النصف الأول من التسعينيات وضمن جولة لجمعية المحررين الاقتصاديين بمنطقة برج العرب، اصطحبنا رجل الأعمال السكندري محمد رشيد إلى قرية على أطراف الإسكندرية، مستعرضا بعض مشروعاته الاجتماعية لخدمة أهالي تلك القرية.

لكنه عند تجولنا بمصنعه لتعبئة الشاي ترك مهمة تعريفنا بالمصنع لابنه الشاب رشيد، الذي حاز بحديثه إعجاب أعضاء الجولة، حيث أثر تخصصه في الهندسة في ترتيب أفكاره ووضوحها، كما ظهر أثر الدراسات التكميلية الإدارية الخارجية التي حصل عليها في مضمون حديثه، وعلمت فيما بعد أن والده كان يكلفه بقيادة سيارة نقل الخضر والفاكهة إلى الحدود الليبية بنفسه خلال شبابه، وذلك ضمن برنامجه لتأهيله في مجال الأعمال.

وتلاقت طموحات رشيد مع طموحات جمال مبارك، حيث انضم رشيد إلى مجلس إدارة جميعة جيل المستقبل التي أسسها جمال مبارك، كما انضم إلى عضوية لجنة السياسات التي كان جمال يقود من خلالها الملف الاقتصادي، ولهذا لم يكن غريبا اختياره في يوليو/ تموز وزيرا للتجارة الخارجية والصناعة ضمن وزارة الدكتور أحمد نظيف، حيث تم دمج الوزارتين للمرة الأولى حينذاك، ثم أضيف إلى الوزارة الجديدة بعد ذلك ملف التجارة الداخلية.

   23 هيئة ومهام حزبية ورئاسية

وكانت مهمة ثقيلة حتى إن الصحف كانت تخصص أكثر من مندوب لمتابعة أخبار الوزارة، حيث كانت تتبعها 23 هيئة وجهة، سبعة منها بقطاع التجارة الخارجية وثمانية بقطاع الصناعة، وثمانية بقطاع التجارة الداخلية، وحتى يتضح ثقل المهمة فإن قطاع التجارة الخارجية كان يضم: جهار التمثيل التجاري الممتد في 62 دولة، ونقطة التجارة الدولية، وهيئة المعارض، ومركز تنمية الصادرات، وهيئة الرقابة على الصادرات والواردات، ومركز تدريب التجارة الخارجية وغيرها.

كما تضمن قطاع التجارة الداخلية: مصلحة التسجيل التجاري، ومصلحة دمغ المصوغات والموازين، وهيئة السلع التموينية، ومركز معلومات التجارة، وقطاع التجارة الداخلية، وجهاز حماية المستهلك، وجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.

أما قطاع الصناعة فيضم: هيئة التنمية الصناعية، وهيئة المواصفات والجودة، والجهاز التنفيذي للمشروعات الصناعية والتعدينية، ومصلحة الكيمياء، ومصلحة الكفاية الإنتاجية والتدريب المهني، وهيئة المطابع الأميرية، ومعهد التبين للدراسات المعدنية، إلى جانب الإشراف على مركز تحديث الصناعة وعلى الشركة المصرية لضمان الصادرات.

فإذا أضيفت إلى ذلك المهام الحزبية والحكومية وكثرة أسفار الوزير الخارجية، يمكن توقع نتائج ثمار وزارته التي امتدت ست سنوات ونصف، حتى قدم استقالته ضمن وزارة نظيف أواخر يناير 2011 لإفساح المجال لوزارة أحمد شفيق.

وقد صرح لبعض أصدقائه بأنه قبل تولي الوزارة كان يعرف مكونات برنامج عمله السنوي منذ بداية العام، إذ يعرف مثلا أنه سيقابل شخصا أجنبيا معينا في يوم محدد خلال السنة وفي ساعة محددة خلال هذا اليوم، أما بعد توليه الوزارة فقد أصبح لا يستطيع تحديد موعد في صباح اليوم التالي، لأنه يمكن إبلاغه في المساء بأنه مطلوب في الصباح الباكر ضمن باقي الوزراء، ليكونوا بصحبة الرئيس لاستقبال رئيس أجنبي بالمطار، ونحو ذلك من المهام الرئاسية والحكومية الطارئة.

 زيادة في الصادرات وارتفاع في العجز التجاري

ولأن ملف التصدير كان اهتمامه الأول فإن بعض المتابعين يقيس إنجازه بزيادة قيمة الصادرات خلال فترة توليه الوزارة، حيث زادت من 6.282 مليارات دولار عام 2003 أي العام السابق لتوليه، إلى 27.5 مليار دولار عام 2010 قبل استقالته بشهر واحد، أي بنسبة نمو بلغت 338%.

لكن هؤلاء يتجاهلون أن تلك النسبة الكبيرة من أسبابها الرئيسية زيادة قيمة صادرات النفط والغاز الطبيعي الذي زادت كميات تصديره في تلك الفترة، كذلك فإنه إذا كانت الصادرات شاملة النفط والغاز الطبيعي، قد زادت بقيمة 21.3 مليار دولار خلال تلك السنوات السبع، فقد زادت قيمة الواردات خلالها بقيمة 42.3 مليار دولار.

والمفترض فيه وهو المسؤول عن ملف الصناعة أن يكون قد ساهم في زيادة الإنتاج المحلي بما يقلل من الواردات جزئيا، والنتيجة أنه إذا كانت الصادرات قد زادت بقيمة 21.3 مليار دولار، فقد زاد العجز التجاري كفرق بين الصادرات والواردات بقيمة 21.1 مليار دولار، وإذا كانت الصادرات قد نمت بنسبة 338%، فقد نمت الواردات بنسبة أكبر بلغت 381%، كما نما العجز التجاري بنسبة 437% خلال نفس الفترة.

ويربط بعضهم بين زيادة الصادرات في عهده وبين توسعه في عقد اتفاقيات التجارة الحرة مع العديد من الدول، إلا أنه من الإنصاف أن نذكر أنه إذا كانت اتفاقية التجارة الحرة العربية قد تم تطبيقها بشكل كامل منذ بداية عام 2005، فإن توقيعها سبق ذلك بسنوات أي أنه كان قبل تولي الوزير، ونفس الأمر ينطبق على اتفاقية أغادير للتجارة الحرة بين مصر وتونس والمغرب والأردن، التي طُبِّقت عامي 2006 و2007 مع أن توقيعها كان في فبراير/ شباط 2004 أي قبل توليه الوزارة بأربعة أشهر.

اتفاقيات تجارة حرة مع تركيا وسويسرا

كذلك فإن الاتفاقات التجارية مع دول عربية أخرى كانت خلال سنوات التسعينيات أي قبل توليه، ليبقى له توقيع اتفاقية الكويز مع إسرائيل في ديسمبر/ كانون الأول 2004، واتفاقية التجارة الحرة مع تركيا التي تم توقيعها نهاية 2005 وبدأ تنفيذها عام 2006، وكذلك اتفاقية التجارة الحرة مع دول الإفتا الأربعة: سويسرا والنرويج وأيسلندا وإمارة ليختنشتاين في يناير/ كانون الثاني 2007.

وفي ملف الصناعة ارتبط اسمه ببرنامج إنشاء ألف مصنع الذي أعلنه الرئيس مبارك ضمن برنامجه الانتخابي عام 2005، والذي كان يشير إلى إنشاء ألف مصنع كبير تزيد قيمة إنشائه على 15 مليون جنيه أو حدوث توسعات بقيمة كبيرة، بالإضافة إلى إقامة 1700 مصنع متوسط وصغير بقيمة 5 ملايين جنيه لكل مصنع. ورغم أن هيئة التنمية الصناعية التابعة للوزارة ذكرت أن برنامج مبارك كان من المفترض أن ينتهي عام 2011 فإنه انتهى عام 2009، لكن دوائر الأعمال لم تتفق مع ذلك التصريح.

حيث كان برنامج مبارك يتضمن أيضا برنامجا للقرض الصغير، بتقديم 60 ألف قرض سنويا على مدى ست سنوات، يتراوح بين خمسة وعشرة آلاف جنيه للقرض، وبرنامج سوق الأعمال بإقامة ألفي مشروع سنويا بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة بتمويل من نصف مليون إلى خمسة ملايين للمشروع، إلا أن بيانات البنك المركزي خلال العام المالي المنتهي في يونيو/ حزيران 2006، أشارت إلى تراجع أرصدة قروض الصناعة رغم تضمن الأرصدة لقيمة الفوائد!

ومن الإنصاف أن نذكر أنه أعد استراتيجية للصناعة حتى عام 2025، لكنها ذهبت طي النسيان بعد صدورها بوقت قليل.

   تعثر ملف تحديث التجارة الداخلية

أما ما وحد به رشيد من تحديث للتجارة الداخلية، وإقامة أسواق للجملة ومخازن، وتدريب للعمالة التجارية، وتمويل للتجارة الداخلية، وإقامة ثلاث مناطق تجارية على مساحات كبيرة، فلم يتحقق منه شيء ملموس.

لكنه بذكاء وبالاستعانة بأحد الصحفيين مستشارًا إعلاميًّا استطاع أن يحدث جلبة إعلامية، من خلال عقد العديد من اللقاءات مع الصحفيين وزيارة المؤسسات الصحفية للحوار مع محرريها، وعندما كان يسافر إلى الخارج كان يصطب معه عددا من القيادات الصحفية، من رؤساء التحرير أو رؤساء الأقسام الاقتصادية.

والنتيجة أن أخبار تلك الزيارات الخارجية كان يتم التوسع في تغطيتها الصحفية، بشكل يومي خلال مدة الرحلة بما يشبه تغطية رحلات رئيس الجمهورية، بل إن رئيس تحرير جريدة أسبوعية معروفة على سبيل المثال كان يخصص صفحتين كاملتين للزيارة، في حين يمكن أن تصل مساحة التغطية اليومية للرحلة إلى نصف صفحة في صحف أخرى.

وقد حقق الوزير هدفه الإعلامي بتكلفة أقل، حيث إن تكلفة اصطحاب هذا الإعلامي شاملة الطيران والإقامة وغيرها! تقل عن تكلفة إعلان بتلك الصحيفة بنفس المساحة التي يتم نشرها، وتزيد مصداقيتها لدى القارئ باعتبارها مادة تحريرية بقلم مسؤول صحفي كبير وليست إعلانا.

ولهذا ستجد أنه عندما يجيء ذكره، سيذكر البعض أنه هو الذي رفض احتكار أحمد عز للحديد، أو أنه منع تصدير الأرز حين زاد سعره حتى تراجع السعر، أو أنه قام بتحرير سعر الطاقة للصناعة برفع سعرها، أو أنه قام بدعم الصادرات، أو أنه الوزير الذي دعا إلى مد اتفاقيات التجارة الحرة إلى دول أمريكا الجنوبية، وإلى توسيع اتفاقية الكوميسا لتشمل جنوب أفريقيا وكذلك مد الاتفاقات إلى سنغافورة وروسيا والدول الحليفة لها.

أحكام قاسية وتعاطف مجتمعي

ولأن علاقته بالجميع كانت جيدة سواء رجال الأعمال أو الإعلاميين، فقد حدث تعاطف معه حيث فوجئ خلال وجوده بالخارج، بعد استقالته بسبعة أيام فقط بقرار بمنعه من السفر وتجميد أرصدته بالبنوك، رغم أن رئيس الوزراء الجديد أحمد شفيق كان قد طلب منه الاستمرار في نفس المنصب معه، إلى جانب كونه من أسرة ثرية وصاحب شركات وصاحب أعمال خيرية، وكان ينفق من ماله الخاص على بعض الأمور الخاصة بالإعلاميين.

وتلا ذلك في يوليو/ تموز من نفس العام صدور حكم غيابي عليه بالسجن خمس سنوات، وتغريمه مليوني جنيه بالإضافة إلى إلزامه بدفع مليوني جنيه آخرين للخزانة العامة على سبيل التعويض، كما كانت الصدمة الكبرى في منتصف سبتمبر/ أيلول من نفس العام، بالحكم عليه بالسجن المشدد مدة 15 عاما في قضية شملته مع أحمد عز ورئيس هيئة التنمية الصناعية، والحكم بتغريمهم مليار و414 مليون جنيه لإهدارهم 660 مليون جنيه من أموال الدولة.

لكنه تصالح مع الدولة عام 2013 وتم رفع اسمه من قوائم الترقب، حتى عاد إلى البلاد في يونيو/ حزيران 2017، وبعد فترة استجمام قصيرة عاد لمباشرة عمله في الإشراف على شركات الأسرة، ليظل السؤال هل سيتم تكليف رشيد بتلك المهمة الصعبة أم أن المهمة يمكن أن يتم تكليف آخرين بها؟ مثل الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط السابق أو محمود محيي الدين وزير الاستثمار الأسبق.

المصدر : الجزيرة مباشر