“الحوثيون” يكبدون الجميع خسائر باهظة!

الحوثيون تبنوا هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على منشآت نفطية (رويترز)

 

شكل استهداف جماعة الحوثي اليمنية سفن الشحن الإسرائيلية أو المتجهة لإسرائيل والمارة عبر باب المندب إلى البحر الأحمر دعما لقطاع غزة ضد العدوان الإسرائيلي، المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تهديدا حقيقيا لحركة التجارة العالمية عبرقناة السويس، التي تعد واحدة من أهم وأخطر خطوط الملاحة البحرية حول العالم، وكذلك خلف إرباكا سياسيا واقتصاديا لم يكن في حسبان الحكومات المتورطة في الحرب أو التي نأت بنفسها عنها.

وبعد نجاحها في شل حركة ملاحة السفن الإسرائيلية ومنع مرورها عبر مضيق باب المندب منذ اليوم التالي لبداية العدوان، صعدت الجماعة اليمنية هجماتها بالمسيرات والصواريخ البالستية ضد سفن الشحن الأخرى خلال الأسبوعين الأخيرين لتشمل السفن المتجهة إلى إسرائيل أيًا كانت جنسيتها، وحتى يتوقف العدوان ويدخل إلى قطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء، وفق بيان الجماعة.

وبعد توقيف ومهاجمة عدد من سفن الشحن في باب المندب، أعلنت أربع من أكبر خمس شركات للشحن البحري العملاقة في العالم، تمتلك أكثر من 53% من تجارة الحاويات العالمية، عن وقف عملياتها تماما في البحر الأحمر لإشعار آخر، وتوجيه سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، البديل التقليدي لممر قناة السويس، هي شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة، هاباج لويد، ميرسك، (سي. إم. إيه).

وأظهرت بيانات تتبع السفن من شركة (إل. إس. إي. جي) أن ما لا يقل عن 11 سفينة حاويات مرت عبر قناة السويس وكانت تقترب من اليمن تحمل سلعًا استهلاكية وحبوبًا متجهة إلى دول مثل سنغافورة وماليزيا والإمارات العربية المتحدة، توقفت في عرض البحر الأحمر بين السودان والمملكة العربية السعودية.

ورغم ارتباط حجم خسائر التجارة العالمية بمدة استمرار الأزمة التي فرضها الحوثيون، لكن تكلفة التأمين على السفن، ونولون الشحن عبر الطريق الأطول، والتأخير في مواعيد وصول البضائع إلى وجهتها في أوروبا وشرق آسيا شكلت بالفعل خسائر فورية. ومنذ الأسبوع الماضي، زاد سعر سفينة نقل النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا بنسبة 25%.

وقال أحد بنوك الإستثمار العاملة في تمويل تجارة النفط إن تغيير مسار تدفقات النفط -البالغة 7 ملايين برميل يوميًا- شمالًا وجنوبًا، سترفع أسعار النفط الخام الفورية بمقدار 3-4 دولارات للبرميل الواحد. وقال مستورد آسيوي لبتروكيماويات النافتا من أوروبا، إن سفنه ستستغرق ما بين 7 -14 يوما إضافيا بسبب تغيير الملاحة من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

قناة السويس الخاسر الأكبر

تحقق قناة السويس إيرادات سنوية شبه ثابتة منذ عقود لخزانة الدولة المصرية بين 5 و6 مليارات دولار. وفي سنة 2022/2021، حققت أعلى إيراد سنوي في تاريخها بمقدار 7 مليارات دولار، زادت في السنة اللاحقة إلى 9.4 مليارات دولار. وبالتالي فهي مورد أساسي لخزانة الدولة المصرية التي تواجه نقصا شديدا في العملة الأجنبية وتدهورا في الإقتصاد.

تقول مجلة التايم إن الخاسر الأكبر بسبب إغلاق البحر الأحمر هي مصر، التي تعتمد على رسوم العبور عبر قناة السويس لتعزيز عائداتها الشحيحة من العملة. وتحت ضغط الوضع الإنساني في غزة والاقتصاد المصري الذي دخل في مرحلة الاحتضار، تقول المجلة “قد يواجه الجنرال عبد الفتاح السيسي ضغوطاً مالية كبيرة بسبب تباطؤ حركة المرور عبر القناة”، وبالتالي فإن مصر معنية بإنهاء العدوان على غزة أو إدخال المساعدات الحقيقية إلى القطاع على الأقل، لتحقيق مطالب جماعة الحوثي ووقف هجماتها على السفن المتجهة إلى القناة.

حاولت هيئة قناة السويس إثناء الشركات عن قرار تحويل الملاحة إلى رأس الرجاء، فأصدر رئيس الهيئة الجنرال أسامة ربيع بيانا، في 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أكد فيه على أن الهيئة تراقب التوترات في البحر الأحمر عن كثب وأن حركة المرور عبر الممر المائي مستقرة. وفق بيان الهيئة، غيرت 55 سفينة فقط طريقها إلى رأس الرجاء الصالح، ما يمثل 2.6% من عدد 2128 سفينة مرت عبر قناة السويس منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وهو رقم منخفض وغير واقعي، ولا يتناسب مع قرار تعليق أكبر أربع شركات شحن في العالم مرور السفن عبر القناة. ذلك أن مجلة التايم أكدت في توقيت البيان أن حركة المرور انخفضت عبر البحر الأحمر بنسبة 35%. بعد حرب روسيا على أوكرانيا، زادت الواردات الأوروبية والكندية من النفط والغاز المسال من الخليج العربي عبر قناة السويس على حساب الواردات من روسيا.

الحرب أسفرت أيضًا عن زيادة في السلع التي يتم شحنها من آسيا وأستراليا إلى أوروبا وخاصة من الفحم والحديد على حساب الواردات من روسيا وأوكرانيا، فارتفعت أعداد ناقلات النفط العابرة لقناة السويس بأكثر من 60%، وارتفعت أعداد ناقلات الغاز الطبيعى المسال بنسبة 31% أيضا، وفقا لبيانات هيئة قناة السويس.

هذه المستجدات الجيوسياسية تفسر القفزة الكبيرة في واردات القناة خلال السنتين الأخيرتين. تحول هذا العدد من الناقلات إلى رأس الرجاء الصالح سيحقق خسارة كبيرة للقناة، ولن تجدي محاولات الهيئة اليائسة نفعا في إقناع شركات النفط لتسلك ممر القناة، في الوقت الذي تختطف فيه جماعة الحوثي السفن وتقصفها بالمسيرات والصواريخ، ولا مفر أمام الحكومة المصرية من التصدي لمعالجة الأزمة من جذورها بتحقيق مطالب الحوثيين.

خسائر أمريكا والحلفاء

رغم اعترافهم بتطلعات الشعب الفلسطيني الشرعية، تعهد قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، في اليوم الثاني من العدوان بـ “دعم إسرائيل في جهودها للدفاع عن نفسها”. واعتبر قادة حماس هذه الدول شريكة لإسرائيل في العدوان الذي تشنه الأخيرة على قطاع غزة. وكرد فعل مباشر، وسعت جماعة الحوثي استهدافها لجميع السفن المتجهة إلى إسرائيل بغض النظر عن جنسيتها. الشركات الأربع التي أوقفت مرور سفنها عبر الأحمر الأحمر مملوكة جميعها لهذه الدول، وبالتالي سوف تتأثر مصالحها جميعا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ذلك أن الخط الملاحي، باب المندب- قناة السويس ما زال هو أهم وأقصر الطرق البحرية في العالم لشحن البضائع المتجهة من أسيا ومنطقة الخليج العربي إلى أوروبا وبالعكس، وخاصة النفط الخام والوقود والغاز، عبر قناة السويس أو خط أنابيب سوميد من السويس إلى الإسكندرية. ويستحوذ هذا الممر الحيوي على 15% من سفن أسطول الشحن العالمي، في رحلة تستغرق سبعة أيام، كما أن 40% من التجارة بين آسيا وأوروبا تمر عبر الممر المائي.

وفي حال استمرار استهداف جماعة الحوثي، ستحتاج سفن الحاويات المتجهة من الشرق الأقصى إلى أوروبا إلى أن تسلك طريق أطول وأكثر كلفة بنسبة 40% حول إفريقيا ورأس الرجاء الصالح، ما يزيد من وقت شحن البضائع بمقدار أسبوعين إلى أربعة أسابيع. ويؤدي ارتفاع أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب في البحر الأحمر إلى خسائر كتكاليف إضافية لكل سفينة بما يصل إلى مليون دولار.

بالتزامن مع عمليات الحوثي في باب المندب، تسبب الجفاف الممتد في إقليم قناة بنما في انخفاض عمليات النقل عبر القناة. وبدلاً من المرور عبر المحيط الهادئ، فإن حركة البضائع بين الصين والهند واليابان في أقصى شرق آسيا من جهة، وبين الولايات المتحدة في أقصى الغرب من الجهة الأخرى تمر الآن حول الهند عبر باب المندب وقناة السويس إلى المحيط الأطلسي، وبالتالي فإن تغيير خط السير إلى رأس الرجاء سوف يزيد من خسائر تلك الدول جميعا.

مؤخرا، أعلن لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي عن تشكيل تحالف دولي للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر وضمان حرية الملاحة الدولية تحت مسمى “المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات” يضم عشرة بلدان من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وهولندا والنروج وإسبانيا والبحرين وجزر السيشل. ورد الحوثيون بالقول إن المبادرة الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة لن تردعهم، وإنهم مستعدون لمواجهة أي تحالف تشكله الولايات المتحدة.

في المقابل، أعلنت عشر شركات شحن بحري إضافية عن وقف المرور عبر باب المندب وقناة السويس دون اعتبار للفعل الأمريكي. وكنتيجة مباشرة لتعرض سفينة مملوكة للنرويج لهجوم حوثي جديد بالتزامن مع إلاعلان عن تشكيل التحالف الأمريكي، أعلنت شركة بريتش بتروليم البريطانية العملاقة تعليق كل عمليات النقل عبر البحر الأحمر بما في ذلك شحنات النفط والغاز الطبيعي السائل وإمدادات الطاقة الأخرى. وفي اليوم نفسه، ارتفع سعر النفط الخام نحو 2%، وفقا لرويترز.

منذ بداية العدوان على غزة، سعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى عدم دخول أطراف أخرى مثل إيران وحزب الله في لبنان ضد إسرائيل في الحرب الدائرة بينها وبين حركة حماس. لكن جماعة الحوثي أفشلت سعي الولايات المتحدة، وكبدتها وحلفائها خسائر ضخمة وغير متوقعة. وقد تكون -وليس دول عربية إقليمية أو إسلامية من خارج الإقليم- سببا مباشرا في وقف العدوان المستمر على غزة، أو إفشال الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية الحقيقة على أقل تقدير.

المصدر : الجزيرة مباشر