غزة: جرائم الاحتلال وجيش النصر المنشود

أطفال غزة تحت القصف
يستهدف قصف الاحتلال الأطفال والنساء (وفا)

يتمادى الاحتلال الإسرائيلي ويواصل ارتكابه لجرائمه الوحشية في غزة على مدار أكثر من شهرين. وقد وصل فيها إلى مستويات لا يمكن تصورها متجرِّدًا من كل معاني الإنسانية؛ فهو يفعل كل ما لا يخطر على البال أو يمكن للعقل أن يقبله.

وقد وصل عدد سكان غزة الذين ارتقوا بهجمات مباشرة على أهداف مدنية في غزة إلى 20000 شخص، والغالبية العظمى منهم من الأطفال والنساء والمسنّين. ومن ناحية أخرى، فشلت قوات الاحتلال حتى الآن في تحقيق أي أهداف عسكرية ذات قيمة. ويكاد الاحتلال يوقن الآن بأنه لن يتمكن من الوصول إلى نقطة القضاء على حماس، ذلك الهدف الذي أعلنه منذ بداية هجماته، إلا إذا أنهى غزة بالكامل وقتلَ جميع الذين يعيشون فيها.

من السذاجة أن نسأل

ولا شك في أنه من السذاجة أن نسأل عن عدد الأطفال المطلوب القضاء عليهم ليصل الاحتلال إلى هذا الهدف، ويبدو أنه لم تبق لإسرائيل حدود أخلاقية ضميرية أو احتياطيات فيما يتعلق بـ”قتل الأطفال”. كما أنها لا تكتفي بقتل الأطفال، ولكنها أيضا دون إنسانية تقتل المسنّين والنساء والمدنيين والصحفيين والعاملين في مجال الصحة وموظفي الإغاثة، ولا تلتزم بأي حدود معترف بها دوليًّا. لأنها الكيان المُدلّل من أمريكا وأوروبا؛ ولذلك تتجرأ وتقوم بما يشيب له الولدان الذين لا يعطونهم فرصة للحياة.

وفي هذا السياق يكتشف الجميع زيف كل القواعد وكل الادعاءات وكل الخطابات المتعلقة بنظام لا تتم فيه معاقبة من ينتهك القواعد الأخلاقية بسهولة لأنه يأمن العقاب. وقد قيل: “من أمن العقوبة أساء الأدب”. وهكذا نجد إسرائيل -رغم أنها عاجزة عن المواجهة- مستعدة لتبديد جميع أرصدة العلمانية والحداثة والقيم الإنسانية في مواجهتها مع كتائب القسام. وكذلك العالم الغربي مستعد لخسارة كل ما حصَّله من قيم العلمانية والتنوير والعقلانية والديمقراطية على مدى ثلاثة قرون، والإفلاس من أجل تسديد ديون الصهيونية المتطرفة.

ويوما بعد يوم تزداد بشاعة الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وفي الوقت نفسه فإنها بعد أن دافعت عن نفسها في أول الأمر ضد ما انتشر من ردود على قصفها للمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والأسواق، بدأت تتخلى عن الدفاع والتبرير. فكما أن النصر يزيل النصر فإن الجريمة التالية الأكثر وحشية ودناءة تطمس ما سبقها من جرائم وتقلل من شأنها وتخفف من تأثيرها.

الجميع تحت السيطرة

وما دامت قد وصلت إلى قصف المستشفيات، فهل يمكن أن يكون هناك معنى للحديث عن قتل المدنيين بشكل عشوائي بالقصف الجوي؟ وإذا كانت تداهم المستشفيات وتقتل الرُّضَّع في الحضانات، فهل يمكن أن يكون هناك حديث عن قصف المستشفيات بالطائرات؟ وإذا كانت تقصف سيارات الإسعاف والقوافل الطبية التي تتجه جنوبًا وتُجهِز على مئات الجرحى، بعد أن طلبت منهم الذهاب إلى هناك، فهل يمكن أن يكون هناك أي معنى لأي حديث؟ وهكذا، فإن كل خطوة تخطوها إسرائيل في غيِّها ورجسها تصير رخصةً لها، بل مكسبًا تنتقل معها إلى المستوى الأعلى من اللاإنسانية.

والخلاصة أن الجميع تحت السيطرة سواء أمريكا وأوروبا، القوتين اللتين تملكان القدرة على تنفيذ العقوبة من ناحية، وكذلك قادة الدول الإسلامية الذين قد يعترضون على ذلك من ناحية أخرى.

ولهذا كله لا يتوقف الإرهاب الإسرائيلي بل يزداد مستوى تجرده من الإنسانية إلى حيث يأخذون جميع الأشخاص الذين يقبضون عليهم عشوائيًّا في غزة ويقتادونهم إلى المجهول، ثم يعرضون لهم صورًا وهم في حالة سيئة للغاية؛ إذ تم تجريدهم من ملابسهم بشكل شبه تام، وعُصبت أعينهم ثم أُجلسوا في وضعية التجهيز للقتل. إنه شيء مخيف حقًّا لا يحتاج إلى وثائق أخرى لإثبات الإبادة الجماعية.

ويمكننا أن نخمن مدى مصداقية إسرائيل وهي تقوم بكل تلك الانتهاكات، ثم تتهم الآخرين بقتل الأطفال، في نرجسية وتعصُّب غير مبرر. فما الذي أوصل الكيان الإسرائيلي إلى هذا الحد من عدم الاهتمام بالردود واللوم واللعنة جَرَّاء هذه المناظر التي توقظ ضمائر الشعوب وتقشعر لها الأبدان، وتجعل الجميع يخجلون من إنسانيتهم؟

فمن بين ما يقرب من 20000 من سكان غزة الذين لقوا حتفهم، هناك أكثر من عشرة آلاف طفل، وبالطبع فهم ليسوا مجرد أرقام نحصيها، بل إنهم فلذات أكباد ومستقبل عائلات أزيلت جمعيها من سجلات الأحوال المدنية.

أفكارها المريضة

إن ما تقوم به إسرائيل من جرائم مروعة ناتج عن أفكارها ومعتقداتها المريضة التي تتشابه إلى حد كبير مع ما كان لدى فرعون وتمسكه بالسُّلْطة، وانسياقه وراء نبوءة جعلته يقتل الأولاد الذكور من بني إسرائيل؛ بسبب ما رآه من أن زوال ملكه سيكون على يد أحد أبناء بني إسرائيل. وقد بالغ فرعون في الاهتمام بتلك النبوءة وجعله جنون العظمة والتباهي بقوته يقوم بإراقة دماء الأطفال الأبرياء الذكور ويتجاوز عن البنات. لكن مخاوف إسرائيل المذعورة تتجاوز فرعون بالوصول إلى حد قتل جميع الأطفال بغض النظر عما إذا كانوا ذكورًا أو إناثًا.

وقد أعرب بعض المسؤولين الإسرائيليين بالفعل عن خوفهم من ناحية، ومن ناحية أخرى تحدث إيلون ماسك عن البيئة والأجواء التعليمية في غزة. فهل من الممكن للأشخاص الذين يكبرون في مثل هذه البيئة أن تجمعهم بإسرائيل صداقة، ويكبرون دون التفكير في الانتقام من إسرائيل بسبب الإبادة الجماعية التي نفذتها هناك؟! فإلى أي مدى يمكن الحديث عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”؟!

إسرائيل هي المعتدي والقاتل الذي يقوم بالإبادة الجماعية، ورغم ذلك تجد من يعطيها وحدها الحق في الدفاع عن نفسها، ولا يحق لأي شخص آخر أن يدافع عن نفسه. وأي شخص يريد الدفاع عن نفسه ويظهر أدنى ميل للعنف باسم هذا الدفاع هو إرهابي. كيف يمكن للمرء أن يتعاطف مع من يقتل الأطفال في المهد؟ وبالطبع فإن هؤلاء الأطفال كانوا سيبلغون ذات يوم عُمْرًا يتمكنون فيه من قتال إسرائيل بلا هوادة وإخراجها من أراضيهم وأراضي أجدادهم.

ولقد حاولت إسرائيل جاهدةً فرض وجهة نظرها على ما يسمى العالم المتحضر، ويبدو أن أمريكا وأوروبا قد قَبِلوا هذا الطرح الذي قدَّمه الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم أنوفهم فإن الافتراض بأن هذا المسار الذي ترغب إسرائيل في جرِّ العالمِ كله إليه، سيَحُول دون بلوغ الطفل الفلسطيني العمر الذي يواجه فيه فرعون، هو أمر بعيد عن الصواب، فقد نجا موسى من كل مكائد فرعون كاشفًا الظلم الكبير والجريرة التي ارتكبها فرعون. واليوم فإن ما يقرب من 85% من كتائب القسام التي تُعدُّ العُدَّةَ لتحرير الأرض، هم أبناء المجاهدين الذين قتلتهم إسرائيل في الحروب السابقة، وهؤلاء من الأفضل أن يُعرَفوا بجيش الأيتام. وهذا الجيش لديه رسالة واحدة يوجهها للعالم أجمع، وهي: نحن على رقبة الفرعون حتى آخر جندي مِنَّا، حتى آخر نَفَسٍ.

المصدر : الجزيرة مباشر