قادة وزعماء كسروا حصار غزة

معبر رفح (الفرنسية)

تفرض سلطة الاحتلال الإسرائيلية حصارا بريا وبحريا وجويا على قطاع غزة منذ 16 سنة. وفي بداية العدوان الحالي على القطاع، أعلنت إسرائيل، على لسان وزير الدفاع، يواف غالانت، فرض حصار “تام” على سكان القطاع، لا كهرباء، لا مياه، لا غذاء، لا وقود، وفق تعبيره. ووصف السكان بأنهم حيوانات بشرية وأنهم يحاربونها على هذا الأساس. وقصفت الطائرات الإسرائيلية مخازن الأغذية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنوروا)، وصومعة القمح الوحيدة في القطاع، والمخابز ومحلات البقالة ومزارع الدواجن وخزانات المياه ومحطات تحلية المياه، حتى أصبح الحصول على كسرة خبز لطفل فلسطيني جائع أو شربة ماء صالحة حلم كل أب وأم هناك. وكذلك قصفت مولدات الكهرباء وأنظمة الألواح الشمسية ومحطات الوقود بهدف القضاء على فرص تشغيل آبار المياه والمستشفيات وسيارات الإسعاف.

وبسبب الحصار والقصف الأرعن، اتجهت أنظار العالم إلى معبر رفح المصري، باعتباره شريان الحياة والنافذة الوحيدة للقطاع على العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية. وطالب الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولو المنظمات الأممية العاملة في القطاع بفتح المعبر لدخول المساعدات الإنسانية وخروج المرضى، من دون استجابة. وظل المعبر مغلقا طوال أسبوعين كاملين منذ بداية العدوان. وبعد إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من داخل دولة الكيان، أن إسرائيل وافقت على دخول المساعدات، كانت المفاجأة التي شهدها العالم، هي أن تلك المساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع، وأنها بلا وقود، وهو السر في تشغيل المستشفيات ومحطات المياه والمخابز وسيارات الإسعاف، وكلها مرافق حيوية من دونها يستحيل إنعاش حياة السكان في القطاع.

وبعد مرور أكثر من أربعة أسابيع على بداية السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة وأكثر من سبعة أسابيع على بداية الحرب غير الأخلاقية والحصار والقصف المتواصل ظل معبر رفح شبه مفتوح، وشبه مغلق في ذات الوقت، أمام دخول المساعدات الإنسانية للقطاع وخروج الجرحى للعلاج في مصر. وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن مجموع ما دخل من مساعدات إلى قطاع غزة يساوي ما كان يدخل القطاع من شاحنات في يومين فقط قبل العدوان.

الحصار جريمة غير أخلاقية

المثير للدهشة، أن الأمين العام للأمم المتحدة وغيره من زعماء العالم لم يوجهوا طلب فتح معبر رفح إلى الحكومة المصرية، باعتبارها صاحبة السيادة على المعبر، ورفعوا طلبهم إلى المجهول. وعندما اجتمع عشرات الزعماء العرب والمسلمين في القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة التي عقدت في الرياض، طالبوا جميعا المجهول أيضا بكسر الحصار المفروض على غزة، وبفرض إدخال قوافل المساعدات الإنسانية إلى القطاع بشكل فوري. وطالب الزعماء سيادة المجهول الدولي المزعوم بتمكين المنظمات الدولية من المشاركة في كسر الحصار والدخول إلى قطاع غزة والقيام بدورها بشكل كامل وحماية طواقمها.

ولم يبادر أحد القادة أو الزعماء بقيادة قافلة إنسانية لكسر الحصار الغاشم المفروض ظلما على سكان القطاع لاستنقاذ 2.3 مليون إنسان يعيشون تحت القصف المجرم بلا طعام ولا مياه ولا دواء ولا وقود ولا أمن. هذا القائد المفتقد لن يعدم دعم الشعوب التي انتفضت في مظاهرات مليارية للتعاطف مع غزة المظلومة. وهو لا يجهل عدم حاجته إلى تبرير أو تقنين لمبادرته بكسر الحصار غير الأخلاقي ولا القانوني.

ذلك أن الحصار والتجويع والتهجير المفروضة على السكان المدنيين في غزة، جرائم “إبادة جماعية” وفق قرار الأمم المتحدة رقم 96 لسنة 1946. وهي أيضا من جرائم “العقاب الجماعي” وفق القانون الدولي الإنساني، وهي كذلك “جريمة حرب” وفق توصيف منظمة العفو الدولية. كما أن معاهدة جنيف الرابعة، المختصة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، تقرر في البند 33 منها أنه “ما من شخص محمي يُعاقب على مخالفة لم يرتكبها بنفسه، وأن العقوبات الجماعية ممنوعة” ويمتد هذا المنع في حالة الاحتلال.

وعلى دولة الاحتلال أن تضمن الحق في الانتقال والعبور خارج الدولة والتزوّد بالأغذية والأدوية للسكان (البندان 59، 55)، وتسهيل التوزيع السريع لإرساليات المساعدات (البند 56) وضمان التزوّد بالمَلبس ووسائل الحماية وأيّ مستلزمات أخرى ضرورية لبقاء السكان المدنيين في المنطقة المحتلة (البند 69). وتقع على جميع الدول، باعتبارها أطرافا في معاهدة جنيف، مسؤولية عدم “مشاركة” دولة الاحتلال، إسرائيل، في هذه الحالة، في انتهاك بنود المعاهدة. وعليهم جميعا، التزاما ببنود المعاهدة، مسؤولية “منع” إسرائيل من ارتكاب جرائم العقاب الجماعي ضد قطاع غزة.

وقد استشرف هذه المسؤولية الإنسانية والفهم القانوني ثلة من الزعماء والقادة الشجعان، نذكر بدورهم في كسر الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة في هذا العدوان الغاشم عله يكون حافزا لغيرهم ممن هم في موقع المسؤولية للقيام بالواجب الذي تنتظره مليارات الشعوب المتعاطفة مع غزة وقضيتها العادلة وحق أهلها في الحرية والعيش الكريم.

جورج غالاوي

في بداية سنة 2009، قاد جورج غالاوي، النائب السابق في البرلماني البريطاني، قافلة “شريان الحياة” منطلقا من بريطانيا في جو من الزخم العالمي لكسر الحصار المفروض على غزة. وضمت القافلة 300 شاحنة من 17 دولة، محملة بآلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والطبية وسيارات الإسعاف المحمولة على السفن البحرية والشاحنات البرية. ومرت القافلة بالمغرب والجزائر، وفي سابقة استثنائية، فتحت حكومتا المغرب والجزائر الحدود المغلقة بينهما منذ 15 عاما للسماح للقافلة بالمرور.

وفي ليبيا انضمت أكثر من 120 شاحنة تابعة لمؤسسة القذافي للأعمال الخيرية إلى القافلة، وسير رجال الأعمال الليبيون عشرات الشاحنات التي تحمل المساعدات للفلسطينيين في غزة. وفي مصر، قوبلت القافلة باستقبال رسمي وشعبي عند وصولها لمدينة السلوم على الحدود مع ليبيا، وأقيم حفل استقبال ضخم للقافلة بمدينة مرسى مطروح نظمه الحزب الوطني الحاكم، وحضره آلاف المصريين. ودخل قطاع غزة عبر معبر رفح في جرأة وتحدٍّ للرفض الإسرائيلي والمصري الرسمي. وهاجم النائب البريطاني إسرائيل ووصفها بأنها دولة عنصرية، واتهمها بعدم احترام القانون الإنساني الدولي، وقال إنها ليس لها الحق في معاقبة الشعب الفلسطيني بسبب اختياراته السياسية الحرة النزيهة.

وهاجم الحكومة المصرية أيضا، واتهمها بأنها “جزء من الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في غزة ولا مجال لإخفاء ذلك”، واتهمها بأنها تبني “جدارا للعار” في إشارة إلى الجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر على حدودها مع غزة. وقال إن السلطات المصرية تساعد بهذا الجدار على “خنق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لأنه صوت في انتخابات حرة ونزيهة لحماس”. وقال إن “شعب غزة لن يستسلم ولو حاصروه مئة عام” وإن “من يظن أن شعب غزة سيستسلم فهو لا يعرفه”. وأصبحت “شريان الحياة” سلسلة من القوافل استمرت تباعا لكسر الحصار غير الإنساني ولا الأخلاقي.

الدكتور محمد البلتاجي

في منتصف سنة 2010، شارك الأستاذ الجامعي والنائب في مجلس الشعب المصري، الدكتور محمد البلتاجي، في قيادة أسطول الحرية لكسر الحصار المفروض على سكان قطاع غزة. وتم اختياره رئيسا لقيادة الحملة التي تضم أكثر من 750 متضامن من أكثر من أربعين دولة، من بينهم برلمانيون وسياسيون وحقوقيون وناشطون من مختلف الأجناس والأعراق والأديان. وهيئات وحركات تضم هيئة المساعدات الإنسانية التركية، وحركة غزة الحرة الأوربية، وحركة شريان الحياة، والحملة الأوربية لكسر الحصار، ووفود لحركات سويدية ويونانية وبريطانية، وجزائرية وكويتية وماليزية.

تكوّن الأسطول من ثماني سفن، حملت عشرة آلاف طن من البضائع، ثلاثة منها من الأغذية والأدوية، ومواد البناء الممنوع دخولها إلى القطاع، من حديد وإسمنت وحوائط جاهزة. انطلق الأسطول من موانئ دول بجنوب أوروبا وتركيا، والتقى عند مدينة ليماسول بجنوب قبرص، ليبحر الأسطول في اتجاه غزة. ورغم أن الجيش الإسرائيلي اعترض القافلة وقادها إلى ميناء أسدود، واعتدى على المتضامنين، وقتل عشرة منهم، فقد شكل أسطول الحرية نقطة تحول في حصار غزة. وأصبح البلتاجي بعد شهور قليلة رمزا من رموز ثورة يناير الوطنيين. وإن كان يدفع هو وأسرته أثمانا لهذا الدور، لكن مبادرته في كسر حصار غزة جديرة بالتسجيل والتبجيل.

الرئيس محمد مرسي

بعد مرور أقل من 24 ساعة من إعلان فوز الرئيس محمد مرسي برئاسة مصر، بدأت حركة عبور المسافرين والبضائع تسير بسهولة غير معهودة ولأول مرة منذ أن فرضت إسرائيل الحصار على قطاع غزة في سنة 2006. واعتبر موقع بي بي سي عربي البريطاني أن فترة الرئيس مرسي في الحكم “فترة ذهبية” عاشتها غزة إبان حكمه، عندما سمح لسكان القطاع بالسفر بحرية عبر معبر رفح، وتمكن نحو 210 آلاف فلسطيني من السفر عبر المعبر خلال تلك الفترة. واستمر المعبر في العمل بشكلٍ طبيعي حتى الإطاحة بمرسي من الحكم في يوليو/تموز عام 2013. وفضلا عن زيادة عدد ساعات فتح المعبر، تعهد مرسي خلال فترة حكمه بحل أزمة الكهرباء في قطاع غزة.

وكشف موقع إنتلجنس أونلاين الاستخباري أن محمد مرسي أوقف بعد توليه الحكم العمل بعقد أبرمه نظام الرئيس حسني مبارك سنة 2007 مع الجيش الأمريكي للكشف عن أنفاق غزة مع مصر. وقال الموقع إنه بعد الإطاحة بالرئيس مرسي من قبل النظام العسكري، أعاد الأخير بسرعة العمل على كشف وتدمير الأنفاق بمقتضى الشراكة مع الولايات المتحدة.

وعندما قصفت إسرائيل قطاع غزة في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2012، قام مرسي بسحب السفير المصري من إسرائيل، ودعا وزراء الخارجية العرب إلى عقد اجتماع عاجل، وطالبت مصر بعقد اجتماع طارئ لمجس الأمن الدولي أفضى إلى وقف العدوان. مرسي قرر أيضا تكليف رئيس الوزراء هشام قنديل بزيارة القطاع عبر معبر رفح ذاته برفقة وفد وزاري وبرلماني.  وقال بقوة وغضب، لن نترك غزة وحدها، أوقفوا هذه المهزلة فورا. وقرر مرسي الإبقاء على معبر رفح مفتوحا على مدار الساعة والسماح بعبور المساعدات الغذائية والطبية إلى القطاع، وفتح مستشفيات مدينة العريش المصرية لعلاج الجرحى الفلسطينيين بالتزامن مع القصف الإسرائيلي للقطاع، من دون تنسيق مع الولايات المتحدة ولا اعتبار لاتفاق المعابر.

وأمر مرسي رئيس الوزراء، هشام قنديل، بزيارة غير مسبوقة لقطاع غزة أثناء العدوان على رأس وفد ضم عددا من الوزراء؛ مما فتح المجال لأن تقوم دول عربية وإقليمية أخرى بإيفاد وزراء خارجيتها إلى القطاع في موقف غير مسبوق. دور مرسي في كسر الحصار، خلدته حركة حماس في بيان نعيه حيث اعتبرت وفاته “مصابًا جللًا”، وقالت فيه إن غزة “ستسطر مواقفه الخالدة تجاهها بالعمل على فك حصارها والتصدي بكل مسؤولية قومية للعدوان الصهيوني عليها”.

الأمير الوالد أمير دولة قطر

في شهر أكتوبر سنة 2012، زار الأمير الوالد لدولة قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قطاع غزة، لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة. وكانت أول زيارة من نوعها يقوم بها مسؤول عربي على هذا المستوى للقطاع، بعد سنوات من الحصار الإسرائيلي المفروض عليه. ولم تكن هذه الزيارة هي الوحيدة من الأمير للقطاع، إذ زاره قبل أكثر من 13 عاما، في زيارة تاريخية أيضا، باعتباره أول زعيم خليجي يزور فلسطين منذ عام 1967. ورغم تدشين الأمير الوالد مشاريع سكنية وصحية وتعليمية ضخمة هناك، وكونه لا يزال حتى هذه اللحظة يدعم تلك المشاريع، فإن البعد السياسي للزيارة في كسر الحصار كان أكثر أهمية.

المصدر : الجزيرة مباشر