أردوغان في ألمانيا.. تباين المواقف وتناقض الرؤى!

المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس التركي رجب طيب في مؤتمر صحفي قبل جلسة المباحثات بينهما (وكالات)

 

 

فيما وصفت بالزيارة الصعبة بسبب تباين المواقف في ملفات عدة، أهمها ملف غزة، وما سبقها من تصريحات متناقضة للمسؤولين في كلا البلدين، جعل زيارة أردوغان إلى ألمانيا محل تشكك من قبل المراقبين حول إمكانية نجاحها، لكنها وقد تمت، فهل يمكن الآن وصفها بالزيارة الناجحة؟

لا شك في أن دبلوماسية البلدين اللذين يحتاجان بعضهما بعضًا قد مهّدت لنجاح الزيارة، وتم استقبال أردوغان بكل ترحاب، واختلفت أجواء الزيارة الهادئة عن أجواء ما قبلها التي شهدت توترًا كبيرًا.

الشريك الصعب

كانت وسائل الإعلام الألمانية المنحازة إلى إسرائيل قد شنت هجومًا ضاريًا على الرئيس أردوغان، ووصفت تصريحاته قبل الزيارة التي قال فيها إن “فاشية إسرائيل” تقوض شرعيتها.. بأنها تشكيك صريح في شرعية الدولة العبرية، على عكس تصريحات المسؤولين الألمان التي تنحاز بشكل غير عقلاني إلى الجانب الإسرائيلي، وهو ما دعا المستشار الألماني إلى وصفها بالتصريحات “العبثية”، ومن جانب آخر اتهم زعماء يهود في ألمانيا أردوغان، بإذكاء معاداة السامية بمثل هذه التصريحات، وخرجت دعوات من جهات عدة تطالب الحكومة الألمانية إلى إلغاء الزيارة!

ومع تطور التصريحات المتناقضة واختلاف المواقف، وصف المتحدث باسم الحكومة الألمانية زيارة الرئيس التركي، بزيارة “الشريك الصعب”، لكن ذلك الوصف الألماني لم يعن للأتراك انتقادًا لأردوغان قدر شجاعته التي لم تتفق مع التصريحات الغربية التي تتهم بالنفاق والانحياز الكامل لإسرائيل، فالصعوبة من وجهة نظر الغرب تعني أن أردوغان لا يتبع الهوى الأوروبي في انحيازه الكامل للمواقف الأمريكية والتصديق عليها حتى وإن جارت على مصالحها، إنما يركز أردوغان على مصالح بلاده التي جعلته لاعبًا أساسيًا في ملفات القضايا الأوروبية والآسيوية، إضافة إلى دور الوساطات الناجحة التي لعبها خاصة اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية، واتفاقية اللاجئين التي وقّعها مع الاتحاد الأوروبي سنة 2016، وهي الاتفاقات التي دعت المستشار شولتز إلى الإشادة بها في المؤتمر الصحفي الذي عقد بينهما في ختام الزيارة التي قال فيها “ما زلنا نريد الحد من تلك الهجرة بمشاركة تركيا، ونريد المساهمة في تحسين هذه الاتفاقية في الاتحاد الأوروبي والحفاظ عليها، فهي من أجل مصلحتنا المتبادلة”.

هل تنجح مبادرة السلام الألمانية التركية؟

الحقيقة أن حرب غزة عادت لتطرح نفسها بقوة في هذه الزيارة، وعاد أردوغان ليطرح نفسه مجددًا وسيطًا مع ألمانيا في حل الأزمة، وقد طلب من الرئيس الألماني فرانك شتاين ماير حمل رسالة الوساطة إلى الإسرائيليين، بينما أكد ضرورة تحمل الجميع المسؤولية من أجل ضمان السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، مبينًا أن تركيا وألمانيا إذا استطاعتا معًا تحقيق هدنة إنسانية فستنقذان المنطقة من طوق النار المحيط بها، لكن مراقبين شككوا في هذه الدعوة التركية ذلك أن إسرائيل لا تعتبر تركيا وسيطًا بسبب التصريحات المعادية والخلافات العميقة بشأن القضية الفلسطينية.

يلفت النظر إلى أن الرئيس التركي شدد في المؤتمر الصحفي على أن حل الدولتين على أساس حدود سنة 1967 هو أمر لا مفر منه، وطالب المجتمع الدولي بممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل توصيل المساعدات الإنسانية دون تأخير، فيما اتفق أيضًا المستشار الألماني على أن حل الدولتين أصبح ضرورة ملحة عن أي وقت مضي.

نقاط الخلاف الكبيرة بين الدولتين جاءت حول وصف حركة “حماس”، فبينما وصفها أردوغان بأنها حركة تحرر، تشارك ألمانيا إسرائيل في توصيفها بأنها حركة إرهابية يجب القضاء عليها، وفي ألمانيا يواجه المنتمون أو المتعاطفون معها إلى اتهامات بالانتماء إلى حركة إرهابية، وفي المظاهرات المناصرة لغزة يمنع رفع أعلام الحركة!

لا ترهبونا بأسئلتكم

حرص الرئيس أردوغان على توجيه حديثه إلى الإعلام الألماني في المؤتمر الصحفي بقوله “لا ترهبونا بأسئلتكم”، فنحن نتكلم بصراحة لأننا لسنا مدينين لإسرائيل أما المدانون لها فهم الذين يخشون الحديث عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل، وكان يقصد طبعًا الإشارة إلى العقدة الألمانية من “الهولوكست” أو المحرقة اليهودية التي تمت في العهد الألماني النازي، وقال إننا لا يجب أن نقف مكتوفي اليد حتى لا يذكرنا التاريخ بأننا كنا عاجزين عن مد يد المساعدة لمنع قتل 13 ألف طفل وامرأة ومسن.

لا شك أن علاقات البلدين أكبر بكثير من نقاط الخلاف، فكلاهما في حاجة إلى الآخر، ويعيش في ألمانيا 3 ملايين تركي نصفهم يقوم بالتصويت في الانتخابات التركية، وهم في الغالب مؤيدون لسياسة أردوغان، وكثيرًا ما أظهروا تعاطفًا معه خاصة في مواسم الانتخابات التركية.

الجالية التركية مؤثرة في ألمانيا

تعرف ألمانيا أن أردوغان يستمد قوته وثقته من شعبه، ومن الجالية التركية الكبيرة في ألمانيا، وهي جالية مؤثرة وفعالة تصل استثماراتها في ألمانيا إلى حد توظيف أكثر من 500 ألف ألماني، ناهيك من مليارات اليوروات التي تحولها إلى تركيا.

إن العلاقات التركية الألمانية مهمة جدًا، وهذا ما دعا الألمان إلى استقبال أردوغان بصدر واسع رغم الخلافات بينهما، فالمستشار الألماني وصف العلاقات بالمهمة، وأكد أن الشعبين الألماني والتركي تربطهما علاقات وثيقة في عديد من النواحي، وقال إن أهمية هذه العلاقة تجلت من خلال المساعدات التي قدمتها ألمانيا إلى تركيا خلال زلزال 6 فبراير الذي ضرب مدنًا عدة سنة 2023 في تركيا.

 

المصدر : الجزيرة مباشر