أمير الانتقام.. المنسيون في سجن المغول!

هالة فهمي

 

دخل حسن الهلالي السجن بمؤامرة من أقرب أصدقائه، ولأن الهلالي لا يعرف سبب سجنه، وقُبض عليه بوشاية من المقربين منه الثلاثي: شاهين، جعفر، ومتولي، فقد ثار الهلالي بعد القبض عليه في ليلة زفافه من حبيبته ياسمين. ولكل من الوشاة هدف، فشاهين يريد زوجته، وجعفر ومتولي يطمعان في تجارته وشهرته. ومع ازدياد ثورة حسن يضعه بدران كبير الشرطة في معتقل المغول، وكما يقولون في المثل الشعبي (الداخل مفقود والخارج مولود) ولكن في سجن المغول لا أحد يخرج.

يذكرني المهندس يحيى حسين عبد الهادي في حكاياته عن السجن الانفرادي في مصر بعد خروجه من السجن بالفيلم المصري الذي أنتج عام 1951، عن الرواية العالمية الكونت دي مونت كريستو للكاتب الفرنسي ألكسندر دوما، والقصة قُدمت للسينما المصرية في عدة نسخ سينمائية.

الفيلم الأول أمير الانتقام قدمه أنور وجدي وفريد شوقي وكمال الشناوي، من إخراج هنري بركات، الذي شارك كتابته مع يوسف جوهر ويوسف عيسى.

قدم فريد شوقي نسخة أحدث من نفس الفيلم بالألوان عام 1964، كانت البطولة في دور حسن الهلالي لفريد شوقي الذي لعب دور جعفر في النسخة الأولي، وشاركه في النسخة الجديدة محمود مرسي، وتوفيق الدقن، وحسن البارودي.

أحدث نسخة سينمائية للقصة الشهيرة كانت لنور الشريف بعنوان (دائرة الانتقام) وهو الفيلم الذي شهد تحديث القصة وجعلها معاصرة. من إخراج سمير سيف من إنتاج 1976، وهو الفيلم الذي قدم قصة جابر الشاب الذي يسحبه أصدقاؤه لسرقة عم أحدهم ثم يبلغون الشرطة عنه، يحاكم جابر ويسجن 20 عاما، ويخرج جابر لينتقم من أصدقائه الذين وشوا به، القصة كتبها إبراهيم الموجي بمشاركة سمير سيف.

السجن الانفرادي

يدخل حسن الهلالي السجن بوشاية أنه يحمل رسالة كبحار من قائد الثوار ضد الظلم الذي يمارسه بدران قائد الشرطة الذي لم يتوان عن حبس شقيقه القائد العادل لدى الأمير ليحل محله، ويطارد بدران الثوار بدعوى المؤامرة على الأمير، ويسجن الهلالي انفراديا في معتقل المغول.

ويصادف أن يقابل الشيخ جلال وهو سجين آخر مظلوم، ظل يحفر في جدران السجن ليخرج ولكنه يجد نفسه في زنزانة حسن. يخرج حسن من السجن بعد خداعه للحراس ليبدأ الانتقام من كل الذين وشوا به وادخلوه المعتقل، والقصة تسير في خطة الانتقام.

ما أشار إليه كل السياسيين الذين خرجوا من الاعتقال والحبس في رواياتهم كان تشبيه السجن الانفرادي بمعتقل المغول المذكور في الفيلم الشهير، حيث لا حياة، أنت محروم من الاتصال بالخارج، الاستماع إلى الإذاعة أو مشاهدة التليفزيون، لا جرائد لا كتب، أنت في عزلة تامة، لا يربطك بالعالم سوى شمس النهار من طاقة أعلى غرفة السجن، وفتحة السجان ليعطيك طعامك.

من عشقي فيكِ يا محروسة يا إنسانة

لا كرهت سجنك ولا كرهتني زنزانة

زنزانتي لو أضيق.. أنا من ورا السجان

في العتمة بتشعلق حتى على الدخان

وأغني بدموعي لضحكة الأوطان.

هكذا وصف الشاعر عبد الرحمن الأبنودي زنازين السجن الانفرادي وهو يصف سجن عبد الله النديم صوت الثوة العرابية، إنها العلاقة بين السجين وحلمه وآلام السجون وعلاقته بالضوء وظلام ليالي السجن.

المنسيون في السجن

لا يختلف السجن في معتقل المغول عن السجون الحالية للاحتلال أو للنظم الاستبدادية إلا في نظم التحكم والمراقبة عليها، إذا ساء حظك وذهبت إلى السجن في تلك الحالات فانت منسي عاجلا أم أجلا، في سجن المغول يقبض عليك فتذهب إلى الشرطة تسال عن المقبوض عليه، فلا تجد إجابه، تبحث عن سجينك يوم، اثنان، أسبوع، شهر، ثم ينتابك اليأس من كثرة الذهاب والمجيء فتنزوي مسلما الأمر لله، فلا إجابه عن سؤال، ولا معلومة تدلك إلا بالمصادفة حين يصلك خبر عن طريق مسجون آخر.

هكذا الحال لم يتغير حتى الآن، نحن ما إن يُعتقل أحد المعارف حتى نشعل وسائل التواصل للمناشدة بالإفراج عنه، ويبحث أهله عنه: يوم، أسبوع، شهر، ثم تتوارى الحملات التي تنادي بالإفراج عنه وننساه، حتى يظهر في سجن من السجون الجديدة، في جلسة من جلسات التحقيق، وفي الحالة الأخيرة يناشد أحد المحامين أهله أو من يعرفه أن فلانا محبوس في السجن الفلاني أو لديه جلسة تحقيق يوم كذا.

تمر الأيام وينسي الأهل والمعارف موعد الجلسات، ومواعيد التجديد، وتخفت الحملات التي تنادي بالإفراج عن الابن أو الزميل أو الصديق لتجد نفسك في نهاية الأمر منسيا في سجون كل بدران على سطح الأرض في أي مكان وزمان.

أتذكر أسماء كثيرة مرت علينا، معارف وأصدقاء، أقارب تم القبض عليهم بتهم من نوعيه نشر أخبار كاذبة، نشر شائعات تهدد السلم الاجتماعي، ونشعل مواقع التواصل بعد القبض عليهم ثم تمر الأيام فننساهم جميعا، الجديد أن حملات المناشدة بحرية فلان والإفراج عن شخص ما سواء شخصية عامة أو مجهول قد خفتت منذ شهرين.

تحديدا بعد مؤتمر المناخ والحملة التي أطلقتها عائلة علاء عبد الفتاح لخروجه. ومؤتمر المناخ الذي كان يتوقعون أن يكون مناسبة لخروج العديد من سجناء الرأي، تحول إلى مقبرة لحملات الإفراج عن السجناء. خاصة كبار السن بالسجن أمثال هشام جنينة وعبد المنعم أو الفتوح أو صفوان ثابت.

السيدات: هدي عبد المنعم، عائشة الشاطر، صفاء الكوربيجي، هاله فهمي، ومنال عجرمة التي قبض عليها أوائل نوفمبر الماضي، أو الذين يعانون من أمراض وامتداد فترات الحبس والاعتقال، إضافة إلى أحمد دومة، محمد باقر، محمد عادل، وغيرهم الآلاف من مسجوني الرأي في مصر.

فماذا حدث مع نهاية العام الذي بدأ باستراتيجية لحقوق الإنسان في مصر، وكيف انتهي بوفاة ودفن كل حملات ودعوات الإفراج عن سجناء الرأي، ولماذا اختفت لجنة العفو الرئاسي، وأخبار الحوار الوطني الذي أصابته سكتة قلبية مثل التي أصابت الدعوة لخروج معتقلي الرأي والمساجين السياسيين.

المصدر : الجزيرة مباشر