الأقليات المسلمة.. بين خذلان أولي القربى واضطهاد الأوطان

لاجئون من الروهينغا في أندونيسيا

لا يزال جرح الأقليات المسلمة نازفًا في كثير من دول العالم، ولعل ما يحدث في ميانمار وما تتعرض له أقلية الروهينغا هناك والحال نفسه مع أقلية الأجور في الصين يؤكد ذلك بوضوح، فضلًا عما جرى من مذابح أخرى للأقلية المسلمة في أفريقيا الوسطى ودول أخرى في أفريقيا، أما أوربا فحدث ولا حرج فلا تزال دموع أهل البوسنة والهرسك لم تجف بعد رغم مرور قرابة 30 عامًا على المذابح الفجة والمتعمدة من الصرب والكروات ضد المسلمين هناك، وهو أشبه بما شهدت إسبانيا في أعقاب سقوط الأندلس، وغيره من مذابح في كل قارات العالم، بحيث يمكنك القول إن الدم المسلم صار أرخص الدماء في العالم.

الغريب والعجيب أن هناك صمتًا من ذوي القربى من الدول الإسلامية تجاه ما يتعرض له إخوة لهم على يد متعصبين وعطشى للدماء على حساب إخوة الوطن، بل وصل الأمر إلى أن بعض الدول الإسلامية تتواطأ مع القتلة وتخون دماء إخوة لهم في الدين، وهو ما جرى في المحافل الدولية وأمام العالم أجمع، عندما جرت مناقشة مأساة الأجور في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وعندها صوّت بعضهم ضد إدانة الصين جهرًا، ولاذ بعضهم بالصمت وخان الدماء لأسباب سياسية تارة أو لأسباب اقتصادية تارة أخرى، وهكذا صارت الأقليات بين خيانة ذوى القربي وسكين إخوة الوطن.

بحسب كتاب “الأقليات المضطهدة في العالم “.. للكاتب جهاد محمد حسن يقول بشأن تعريف الأقلية “ولعل أفضل تعريف جامع لمفهوم الأقلية هو أنها.. جماعة فرعية تعيش في جماعة أكبر”، وقد تعد مجتمعًا يعاني من تسلط مجموعة تتمتع بمنزلة اجتماعية أعلى وامتيازات أعظم تهدف إلى حرمان الأقلية من ممارسة كاملة لمختلف صنوف الأنشطة الاجتماعية أو الاقتصادية والسياسية، بل تجعل لهم دورًا محدودًا في مجتمع الأغلبية، وتختلف الأقليات من حيث العدد والمنزلة الاجتماعية، ومدى تأثيرها في مجتمع الأكثرية.

ومهما كانت هذه المنزلة، فمجتمع الأكثرية، ينظر إليهم على أنهم (غرباء) عنه، أو شائبة تشكل عضوًا شاذًا في كيانه، وقد بلغ الأمر إلى حد العزل الكلي لجماعات الأقلية، حيث نجد أن لجماعات الأقلية أحياء خاصة بهم، بل ومؤسسات خدمية مختلفة كما في جنوب أفريقيا.

عدم التفاعل الاجتماعي

ومحور قضية الأقلية بني على صفات خاصة نتج عنها عدم التفاعل الاجتماعي مع مجتمع الأكثرية، وهذه الصفات قد تكون عرقية، وهي سمات واضحة في مجتمع جنوب أفريقيا والأمريكيتين أو تكون لغوية مثل جماعات الوالون في بلجيكا، أو تبنى على فوارق ثقافية كحال جماعات اللاب في إسكندنافية، وأبرزها الملمح الديني، وهذا شأن الأقليات المسلمة في معظم أنحاء العالم وبصفة خاصة في شعوب جنوب شرقي آسيا، فالأقليات المسلمة تنتمي إلى أصول عرقية واحدة تربطها بالأغلبية، لكن التفرقة هنا تأتت من الفوارق الدينية، والقضية هنا (عقدية).

ويعيش 27% من مسلمي العالم كأقليات دينية، ومن بين ما يقرب من 317 مليون مسلم يعيشون كأقليات، يعيش حوالي 240 مليونًا أي حوالي ثلاثة أرباع الأقليات المسلمة في كل من الهند وإثيوبيا والصين، إذ توجد أكبر الأقليات المسلمة في الهند وهي موطن لحوالي 11% من مسلمي العالم، تليها إثيوبيا (1.8%)، والصين (1.4%) وروسيا (1%) وتنزانيا (0.8%)، وتضم الأمريكيتان وأستراليا وأجزاء من أوربا أقليات مسلمة، حيث يعيش أقل من 3% من مسلمي العالم في أوربا وأمريكا الشمالية.

من بين 232 بلدًا وإقليمًا في العالم، هناك 50 دولة ذات أغلبية مسلمة، ومع ذلك، فإن أكثر من 62% من الأقليات المسلمة، لديهم عدد سكان من المسلمين أصغر من روسيا والصين بشكل فردي.

وتختلف التحديات التي تواجهها الأقليات المسلمة بحسب الدول والأقاليم التي تنتمي إليها تلك الأقليات، حيث أن أي أقلية في العالم تتأثر بطبيعة الحال بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها من الأوضاع العامة لتلك البلدان التي تنتمي إليها، كما تتأثر أوضاع الأقليات المسلمة كذلك بطبيعة تكوين تلك الأقليات وثقافتها الخاصة، ففي أفريقيا تواجه الأقليات المسلمة ألوانًا من التحديات أبرزها صراع الدعوة الإسلامية ضد الوثنية، التي لا تزال دين العديد من القبائل والعشائر الأفريقية، وتبرز على المسرح جهود البعثات التبشيرية المسيحية التي اتخذت من أفريقيا بؤرة تجمع للانتشار بها منذ 150 عامًا، ودعمت بأموال طائلة أعطتها مرونة الحركة، ثم برزت التحديات الماركسية في بعض قطاعات أفريقيا في الآونة الأخيرة.

أما في أوربا فقد واجهت الأقليات المسلمة ألوانًا من التحديات انصبت على صراع قديم استغرق قرونًا عدة وخرجت الدعوة الإسلامية منه بأنصار لها من شعوب شرقها وغربها وجنوبها، وفي مستهل القرن العشرين تغيرت التحديات وتحولت إلى صراع مذهبي، تحدي الإسلام والمسيحية معًا، وتأتي صورة أخرى من غربي أوربا فمعظم الأقليات المسلمة من عناصر مهاجرة تعيش في بيئة مغايرة.

وفي الأمريكيتين لون آخر من التحديات تقوم على اللون أحيانًا وعلى الدين أحيانًا أخرى، وهكذا تعاني الأقليات من مختلف التحديات مما يجعل القضية تأخذ أبعادًا عنصرية.

حركات التبشير

هذه المرة تنصب على التحديات المضادة التي تعاني منها الأقليات المسلمة، تلك التيارات تتمثل في البوذية والهندوسية والمسيحية، وهي تيارات مدعومة ماديًا وسياسيًا، حيث اعتمد مجلس الكنائس العالمي مبلغ 1000 مليون دولار للانطلاق بالتنصير في 100 دولة في سنة (1399هـ-1979م)، ورصد لحركات التنصير مبلغ 151 مليار دولار في سنة 1989م، ويعطي الجانب المضاد القدرة على إقامة المدارس والمستشفيات والمؤسسات الدينية في مناطق الشعوب الفقيرة، وهذا يمثل إغراء للجماعات الوثنية،  والجماعات الضعيفة الإيمان ويزيد من حدة الحرب الطائفية والصراع بين الأديان.

وعلى الدول الإسلامية أن تولي قضية الأقليات المسلمة اهتمامًا أكبر ومزيدًا من الدعم لهم، من خلال استغلال بعض الدول نفوذها سواء تلك صاحبة القدرات المالية وتربطها علاقات اقتصادية مع الدول التي تضطهد الأقليات بها، ويتم استعمال السلاح الاقتصادي للحد من تلك الممارسات، أيضًا هناك الدول ذات النفوذ السياسي ولها وزنها في محيطها الإقليمي والدولي ويمكنها لعب دور كبير في هذا الأمر، فضلًا عن تطوير دور المؤسسات الإسلامية ومنحها الاستقلالية، وتنشيط دورها بشكل أكثر تأثيرًا للدفاع عن هذه الأقليات وتقديم الدعم لها.

كما يجب الإحساس الصادق بهذا الأزمة ولا بد من وجود وسائل إعلام إسلامية شكلًا وموضوعًا، وليت وسائل إعلام في الدول الإسلامية تبعة للسياسة العليا في هذه الدول، لأن محنة الأقليات المسلمة منفصلة تمامًا عن الأخيرة، بينما هي وثيقة الاتصال بالأولى ووسائل الإعلام الرسمية تنشر أخبار الأقليات على أنها أخبار مجردة بحسب رؤية صاحب كتاب “محنة الأقليات المسلمة في العالم” لمؤلفه محمد عبد الله السمان.

المصدر : الجزيرة مباشر