الجانب المظلم لقرار حل الدولتين

العلم الفلسطيني

إن قرار حل الدولتين والذي تم الحديث عنه بعد هزيمة مصر والعرب القاسية عام 1967، فيما يعرف إعلاميا بالنكسة هو ليس سوى اقتراح لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي على أساس قيام دولتين إحداهما إسرائيل وتقوم على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، والأخرى فلسطين وتقوم على أراضي حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.
وهذا الاقتراح وإن كان يعطي نوعا من السيادة والاستقلال الظاهري للدولة الفلسطينية، إلا أنها ترسخ قيام دولة إسرائيل وتجسد رؤيتها طويلة الأمد إلى الأبد.
هذا الحل يكمن في جوهره العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية التي ستؤثر على ديمومة استقرار وقيام الدولتين. وذلك لأن حل الدولتين لايزال يجعل الفلسطينيين محبوسين في أشكال مختلفة من الاحتلال، كما سيجلب هذا الحل بعض التهديدات الجيوسياسية لإسرائيل لقربها من الدولة الفلسطينية، والتي بالطبع لن توافق على وجودها. وعلى الصعيد الداخلي، فإن الدولة الفلسطينية ستبدأ الصراع مع نفسها وذلك لفشلها المتواصل في إيجاد حلول لقضية اللاجئين الفلسطينيين والمقاومة.

إن حل الدولتين اليوم أصبح قراراً ميتاً وضعيفاً بسبب الأعمال المتناقضة التي تقوم بها إسرائيل تجاه ذلك الحل. فإن استيطان القرى والمدن الفلسطينية وإقامة المستوطنات عليها ليقطن الإسرائيليون فيها، ليست إلا محاولات تقوم بها الحكومة الإسرائيلية كي تجعل هذا الحل مستحيلاً رغم أنها تمثل خرقًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف وللإعلانات الدولية والمواثيق والمعاهدات المتفقة عليها.

إن الميزة النسبية التي تحظى بها إسرائيل في تصنيع العديد من المنتجات واستخراج المواد الخام من الأرض كالغاز ستلعب دوراً مهماُ في الاقتصاد الفلسطيني

إن الموافقة على قرار حل الدولتين وإقامة دولة “مستقلة” تسمى فلسطين ودولة أخرى تسمى “إسرائيل” ليست إلا ضماناً لاستمرار وجود إسرائيل للأبد وهو ما تعارضه فئة كبيرة من الشعب الفلسطيني. والاستقلال الذي ستحظى به فلسطين سيكون تحت رحمة حصار الاحتلال. وكيف ستكون فلسطين “مستقلة” وما زالت تصر إسرائيل على أن الأمن الفلسطيني الخارجي بما فيه الحدود، والمجال الجوي، سيظل تحت السيطرة الإسرائيلية بعد حل الدولتين!  وهذا يعني بناء إسرائيل المزيد من القواعد العسكرية على الشريط الحدودي كي تضمن استقرارها؛ مما يعني تضخم المساحة العسكرية الإسرائيلية في دولة فلسطين “المستقلة”.

لا ريب في إن الاقتصاد الإسرائيلي يعد واحدا من أضخم الاقتصادات في الشرق الأوسط، وتلك القوة الاقتصادية لا تقارن مع اقتصاد دولة فلسطين التي بمحاذاتها. إن الفرق بين  الاقتصادين المتجاورين سيؤدي إلى اعتماد فلسطين على إسرائيل في معظم جوانبها الاقتصادية. ومن الطبيعي حدوث ذلك، لأن قرب المسافة بين الدولتين يعد أحد أهم العوامل للتعاون الاقتصادي، ولكن هذا التعاون في الغالب سيكون من طرف واحد.

إن الميزة النسبية التي تحظى بها إسرائيل في تصنيع العديد من المنتجات واستخراج المواد الخام من الأرض كالغاز ستلعب دوراً مهماُ في الاقتصاد الفلسطيني، إذ إن من مصلحة فلسطين الاعتماد على المنتجات إسرائيل لتقليل تكاليف النقل والشحن. بمعنى أخر، سيكون التعاون بين رجال الأعمال في فلسطين والمصانع والشركات في إسرائيل تعاوناً مبني على ضعف الاقتصاد الفلسطيني بسبب افتقاره للتكنولوجيا والأيدي العاملة الخبيرة في شتى مجالات التصنيع والابتكار، مؤدياً إلى اقتصاد يعتمد فيه الغني والفقير على المصانع الإسرائيلية ومنتجاتها.

إن ضعف الاقتصاد الفلسطيني سيجلب له المنح الدولية المشروطة بسياسيات وأحكام دول خارجية تضعف استقلاله. وإذا أرادت الإدارة الفلسطينية أن تنمو اقتصادياً حقاً، فإن عليها أن تقترض وتلجأ إلى القروض الأجنبية والموارد المالية الخارجية كي تستطيع أن تسد نفقاتها وكي تباشر في فتح المشاريع الاقتصادية التنموية والتي ستجلب الاستثمارات الخارجية وبالتالي ستجلب المردود المالي اللازم كي يتم تسديد الديون المأخوذة.

إن قرار حل الدولتين لن يمكن تطبيقه ما دامت الحركات الفلسطينية المختلفة غير متفقة

والمشكلة لا تكمن في أخذ تلك القروض، بل في الشروط التعجيزية التي قد يتم فرضها على الدولة بسبب أخذها للقروض، مثل رفع الضرائب على المواطنين ورفع الدعم عن بعض المنتجات مثل الوقود والقمح، وهذا بدوره سيشكل العديد من الخلافات بين الحكومة والمواطنين. كما أنه من الممكن أن تفرض الدول المقرضة لفلسطين شروطا تصب في مصلحة إسرائيل، وهذا ليس بغريب، لأن معظم الدول الغنية القادرة على منح القروض لديها علاقات وطيدة مع إسرائيل.

إن قرار حل الدولتين لن يمكن تطبيقه ما دامت الحركات الفلسطينية المختلفة غير متفقة على وضع معايير وأسس لحل أهم المعضلات التي تواجههم، وما دامت الحكومات الإسرائيلية تخترق المعاهدات التي بينها وبين الدول المجاورة من خلال التعدي على أراضي غيرها وإقامة المستوطنات في أكثر الأماكن حساسية كالقدس، فإنه قرار سيبقى مستحيلاً لدى الطرفين.
إن حل الدولتين سيؤدي إلى المزيد من الخلافات بين القيادة الفلسطينية وبين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وبين بعض أصحاب القرار في حركة فتح. كما أن هذا الحل سيكرس الاضطهاد ونظام الفصل العنصري في اسرائيل لوقت أطول.
إن الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتشددة المتتالية ما زالت تتخذ إجراءات تجعل من هذا الحل مستحيلاً، وهذا لا يدل إلا على حقيقية تطرفهم المستمر وعلى ثباتهم على موقفهم العنصري تجاه القضية.

المصدر : الجزيرة مباشر