مشروعية صيام عشر ذي الحجة الأولى ودفع التعارض في ذلك

لا يوجد دليل يمنع الصيام  فهذه الأيام، لم يرد النهي عن صيامها فيما ورد من النهي بقي صيام الأيام التسع على أصل الصيام، من جواز صيامها

 

أقول وبالله التوفيق: ثبتت مشروعية صيام هذه الأيام في الحديث 

 ” كَانَ- صلى اللهُ عليه وسلَّم – يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ, وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ, وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ: أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ “(حم) 22388.

في هذا الحديث الشريف: دليل مشروعية صيام هذه الأيام العشر الأولى من ذي الحجة.

وفى الجمع بين هذا الحديث، وحديث عائشة -رضي الله عنها – ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صائمًا العشر قط). الجمع على النحو الآتي:

1-     يرى الإمام أحمد أنه قد اخْتُلف في إسناد حديث عائشة.

 2- وأجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم يصم العشر كاملًا، وحفصة أرادت أنه كان يصوم غالبه وهذا الجمع يصح في رواية من روى: ما رأيته صائمًا العشر. ، وأما من روى: ما رأيته صائمًا في العشر. فيبعد، وكان ابن سيرين يكره أن يقال: صام العشر؛ لأنه يوهم دخول يوم النحر فيه، – قلت: لثبوت حرمة صيام يوم العيد”” نَهَى – صلى اللهُ عليه وسلَّم – عَن صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ “- وإنما يقال: صام التسع والصيام إذا أضيف إلى العشر فالمراد صوم ما يجوز صومه منه ولو نذر صيام العشر فينبغي أن يصرف إلى التسع. ويقال عشر تجوزا

3-     ووجه ثالث للجمع على تأويل كلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها –  على أنها لم تره، ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام، والباقي عند باقي أمهات المؤمنين.

4 – ووجه رابع للجمع بينهما أنه صلوات الله وسلامه عليه – لعله كان يصوم (بعضه) في بعض الأوقات، و(كله) في بعضها ويتركه في بعضها لعارض من سفر أو مرض أو غيرهما.

5- ووجه خامس للجمع بينهما أن حديث ( حفصة – المثبت لصيام النبي صلى الله عليه وسلم – يُقدم على حديث عائشة الذي ينفي صيام النبي صلوات الله وسلامه عليه لهذه الأيام التسع للقاعدة عند اجتماع (النفي والإثبات) يُقدم ،الإثبات ويُقدَّم؛ لأن  “المثبتَ أولى من النَّافي”ولأن معه علمًا خفي عن النافي.

6- ووجه سادس مما يرجح رواية الصيام ” لفظ ” كان ” ولفظ كان يفيد الدوام عند كثير من الأعلام “

7- ووجع سابع : أَنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا – أي عائشة – رضي الله عنها – لَهُ – صلوات الله عليه وسلامه عليه – صَائِمًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَوْمِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ”ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ” فَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْفِعْلُ.

8– ووجه ثامن : أن حديث عائشة – رضي الله عنها – نفي الرؤية- فقط- ، وهو لا يستلزم نفي الصوم، بخلاف ما لو قالت ” لم يصم ” فقد كان لها يوم كل تسعة أيام، فربما كان مفطراً هذا اليوم، صائماً غيره، وربما كان صائماً يومها وهي لا تعلم ، ومن القواعد الأصولية : أن الدليل إذا  تطرَّق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال..

9- ووجه تاسع في الجمع : هو أن المراد نفي جميع العشر، فإن فيها يوم العيد.

10– ووجه عاشر : في الجمع : أن يُحمل قول عائشة رضي الله عنها ” مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ – منه صلوات الله وسلامه عليه – لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ،-كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحَانِ- وعلي هذا فإذا زال هذا الاحتمال وارتفعت هذه الخشية لانقضاء زمن التشريع والفرض بقيت مشروعية سنية صيامها.، كما هو الحال في مشروعية الجماعة في صلاة التروايح ، والدوام عليها وجمع الفاروق الناس عليها ، فقد شرعت بأصل عمل الرسول صلوات الله وسلامه عليه ثم ترك الدوام عليها خشية فرضيتها فلما زال هذا المحذور أقامها الفاروق رضي الله عنه .

11- الوجه الحادي عشر في الجمع بينهما : أن رواية “لم يصم العشر” يصدق بصيام بعضه، أي لم يصم العشر كاملاً. لحديث البخاري وغيره ” نَهَى رَسُولُ اللهِ – صلى اللهُ عليه وسلَّم – عَن صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ ”  (م) 139 – (1138) , (خ) 1891 , (حم) 10642.

   12 -الوجه الثاني عشر : في الجمع أن  : يُحمل نفيها على نفي علمها، فلا يلزم من نفي علمها نفي وجود صومه – صلى الله عليه وسلم -، ، فنفي العلم بوجود الشيء لا يعني بالضرورة نفي وجوده ، وخذا مثلا آخر على  ذلك مع السيدة عائشة رضيا لله عنها – أيضًا-  قولها: “ما سبّح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سبحة الضحى”، متّفقٌ عليه فهذا محمول على نفي علمها ، ولكن ثبت من علم غيرها صلاته صلوات الله وسلامه عليه لصلاة الضحي..

13-وحيث : لا يوجد دليل يمنع الصيام  فهذه الأيام لم يرد النهي عن صيامها فيما ورد من النهي بقي صيام الأيام التسع على أصل الصيام، من جواز صيامها. فالنص ” “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ” ” العمل الصالح ” هنا من صيغ العموم ،( مفرد مُعرَّف بالألف واللام )  فيدخل فيه كل عمل صالح الصيام وغير الصيام ، فهو حديث عام  لا مخصص له ولا مُخرج للصيام من هذا العموم . فهذه الأيام العشر من ذي الحجة تمتاز  بإمكان اجتماع أمهات العبادة فيه؛ وهي الصلاة والصدقة والصوم والحج ولا يتأتى ذلك في غيرها .  “راجع : شرح سنن أبي داود لابن رسلان (10/ 555). قوت المغتذي على جامع الترمذي (1/ 270)فيض القدير (5/ 474).نيل الأوطار (4/ 283).بذل المجهود في حل سنن أبي داود (8/ 654).تحفة الأحوذي (3/ 385).فتح المنعم شرح صحيح مسلم (5/ 79).هذا والله تعالى أعلم وأعلم وأحكم وأعز وأكرم.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه