كما قالوا: “اللي مش أد الشيلة ما يشلش”

ونجح الكمين المنصوب للشعب المصري وغادر الرجل الحكم بعد عام من انتخابه ودون أن يتمكن من ممارسة مهامه وتم اعتقاله هو والمحيطين به ومات في المعتقل

 

كل عام وأنتم بخير، رمضان كريم، وفي هذه الأيام المباركة تصبح كتابة مقالات الرأي من أصعب المهام، لما في هذه الأيام من قدسيه تفرض على الإنسان مراقبة ضميرية وعقائدية على كل ما يكتبه، فيخشى أن يتوازن أو يتغاضى عن حق يفقده نفحات هذا الشهر الكريم وجوائزه، وهي نفحات وجوائز ذات قيمة لا يمكن تجاهلها، فاللهم اجعل من كلماتنا كلمات حق في الدنيا وفي وجه من ظلم وطغى ندخل بها الجنة وتنجينا من عذاب النار الأبدي… اللهم آمين.

ما بين عامي 2012 و2013، وأثناء حكم الرئيس الراحل محمد مرسي وعقب حادث قطار نتيجة الانهيار التاريخي في مرفق السكة الحديد راح ضحيته عشرات الضحايا، وعقب حادث من حوادث سيناء الإرهابية راح ضحيته جنودا وضباطا مصريين، خرج بعض الإعلاميين المصريين الممكنين من أجهزة عميقة في الدولة يهاجمون الرئيس الراحل باعتباره مسؤولا عن هذه الحوادث، وكانت أشهر عبارة من هؤلاء واضحة المعنى وموجهة للرئيس الراحل هي: «اللي مش أد الشيلة ما يشلش»، وللأسف انفعل معظمنا بهذه الحملة مدفوعا بنية صادقة ساذجة واندفاع ثوري غير مرشد وحزن على عشرات الضحايا في حوادث كانت امتداد لحوادث تسبقها بسنوات.

ونجح الكمين المنصوب للشعب المصري وغادر الرجل الحكم بعد عام من انتخابه ودون أن يتمكن من ممارسة مهامه وتم اعتقاله هو والمحيطون به ومات في المعتقل، وتمكنت الدولة العميقة العسكرية من الحكم بمباركة شعبية مخدوعة، وثبتت أقدامها منذ أول لحظة بمذابح راح فيها الآلاف بدعاوى مواجهة الإرهاب، وتبين بعدها أن المقصود إرهاب كل من تسول له نفسه معارضة الحكم الجديد، وخاصة بعد أن كشر النظام الجديد عن أنيابه وفتح أبواب المعتقلات على مصارعيها حتى إن الذين باركوا الانقلاب على الرئيس الراحل كانوا متصورين أن القادم سيحكم لصالح الشعب وباسم الشعب.

الشيلة الجديدة

وبعد سبع سنوات من تولى الرئيس الجديد الذي جاء بادعاء حمل «الشيلة» من الرئيس الراحل، ما الذي حدث؟

قبل أن أحدثكم عن الشيلة التي لم يحملها سوى الشعب المسكين وقصمت ظهره، بسبب وقوعهم في شرك وكمين إعلام الدولة العميقة وعسكرها، وقبل أن أحدثكم عن أحداثها التي كانت بمثابة «قربة مخرومة» أغرقت كل المصريين، أبدأ بشيلة الكارثة التي نعيشها الآن، واقصد كارثة الوباء الذي ضرب العالم فكشف حقيقة البنيان الأساسي لكل الدول وخاصة البنية الصحية، وأكد  فشل النظام الحالي في حمل الشيلة وهو الفشل الممتد من اللحظات الأولى لتولي جنرال نظام الحكم وسط صمت من الشعب بفعل القمع والقهر وخداع الإعلاميين الذين تآمروا على الوطن عبر كل العقود السابقة.

أهداف قديمة

والحقيقة أن كل تصرفات النظام أثناء هذه الكارثة العالمية لم تخرج عن هدفه ومخططه وأسلوبه في التعامل مع الشعب، فما إن بدأت الكارثة وبدأ الوباء في الانتشار حتى أسرعت كل حكومات العالم في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية شعوبها، وذلك باستخدام كل الأدوات المتاحة والاحتياطي من البنيان الأساسي لديها، وبالطبع اختلف مستوى الاستعداد من دولة إلى أخرى بحسب إمكاناتها وظروفها الاقتصادية، إلا أن الملمح الوحيد الذي جمع كل الأنظمة الحاكمة لدول العالم، كان السعي لإنقاذ شعوبها وكل حكومة تقدم مصلحة شعبها على أي اعتبارات أخرى، حتى وصل الأمر للمبالغة التي جعلت «ترمب» رئيس الولايات المتحدة يخطف طائرة مستلزمات طبية ليقدمها لشعبه، وتقريبا كان هذا موقف كل حكومات العالم ما عدا الحكومة المصرية التي كان أول رد فعل لها للتعامل مع الأزمة هو التفاعل مع مشكلات الدول الخارجية وتقديم المساعدات لحكوماتها واسترضاء أنظمتها، لأهداف تتعلق بمصالح في الحكم ولو على حساب حياة الشعب المصري وصحته، وخاصة في ظل انهيار الأوضاع الصحية والاقتصادية والاجتماعية من الأساس، وبالطبع كشفت أزمة الوباء عن انهيار الأوضاع في مصر وعدم وجود أي بنيان أو احتياطي قادر على مواجهة أي أزمات.

وبنفس الأسلوب الذي اتبعه جنرال البلاد منذ استلقائه على كرسي الحكم بدأ بتوبيخ الشعب المصري لعدم الالتزام بالبقاء في البيوت لتجنب الإصابات، وهو الطلب الذي طلبته كل حكومات شعوب العالم بحق وطلبته حكومة شعب مصر بغير حق، فقد اقترن طلب حكومات العالم من شعوبها الالتزام في البيوت بتوفير تعويضات لهم عن تعطل العمل، وتوفير الموارد الغذائية والمعيشية اللازمة وخاصة لكبار السن، بينما اقترن طلب الحكومة المصرية من الشعب المصري الالتزام بالبيت بالتوبيخ والترهيب وتحميلهم مسؤولية انتشار المرض، دون أي تدابير لتعويض المصريين عن الارتباك الذي سيطرأ على حياتهم نتيجة توقفهم عن العمل، خاصة وأن معظم أنماط دخل المصريين تعتمد على جهد العمل اليومي ورزقه والوجود في الشارع، فمجالات العمل في مصر يقع معظمها بعيدا عن المؤسسية والانتظام.

ومما زاد الطين بله هو اقتران سلبية الحكومة المصرية تجاه شعبها بإيجابية ونشاط مبالغ فيه في مساعدة الدول الكبرى التي لا تجد مشكلات في تعويض شعبها مثل الولايات المتحدة التي صرفت تعويضات لصغار المزارعين ولصغار الموظفين بمليارات الدولارات، ومثل إيطاليا والصين وهي دول لا تعاني من نقص موارد ولا نقص في الأجهزة الطبية مثل مصر.

وباء المستشفيات

وعندما بدأ الوباء الانتشار في مصر حاولت الحكومة اتخاذ إجراءات يغلب عليها الدعائية أكثر من العملية، وكانت النتيجة أن أكثر الأماكن تصديرا للوباء في مصر هي المستشفيات وأماكن الحجر الصحي؟! التي من المفروض أن تكون أكثر الأماكن تحصنا، وهو ما أدى إلى سرعة انتشار الوباء وخاصة بين العاملين في الهيئات الطبية، وهذا يؤكد ويشير إلى هزال وضعف بنية المؤسسة الصحية في مصر وتدهور الأحوال الاقتصادية للحد الذي عجزت فيه الحكومة تعويض الغالبية من الشعب عن توقف أعمالهم للحماية من المرض وهو ما دفعهم للنزول للعمل ومواجهة المخاطر حتى يستطيعوا توفير متطلبات الحياة اليومية لأسرهم.

والسؤال هنا هل تكفي جهود النظام ومحاولاته تدارك هذا الوضع المتردي الناجم عن سوء إدارة الحكومة وفسادها وفشلها طوال السنوات الماضية، لكي تكون سببا يغفر به الشعب المصري للنظام كل ما فعله من مساوئ أدت لهذا الوضع وهذه المأساة؟

الأمر يتوقف على نية النظام فيما يتعلق بتغير سياساته من نظام فاشي فاسد يحكم لصالح قلة على حساب الغالبية، ويطوع كل موارد الوطن وأرضه لإرضاء الدول الكبرى من أجل الحصول على شرعية دولية له، وتحوله إلى نظام وطني شعبي يدافع عن استقلال الأرض وتنمية موارد الوطن والحكم بالعدل والمشاركة الشعبية.

مصالح السادة

أظن، بل إنني متأكد أن من يتصور هذا إنما هو غر ساذج أو ابله أو مغرض، فما زال النظام المصري يسير على نفس النهج الفاشي الديكتاتور القمعي الذي يضع مصالحه ومصالح الطبقات المحيطة به ومصالح الدول الكبرى في أسبقية عن مصالح الشعب بدليل استمراره في كل ما كان ينتهجه من سياسات فرطت في استقلال البلاد وحماية أرضها، والتي كان من نتائجها التنازل عن تيران وصنافير لصالح السعودية وتفريغ بعض الأماكن ذات الموقع المتميز من سكانها وطردهم لتمليكها لمستثمرين أجانب بتسهيلات سفيهة، وتمكين مستثمرين أجانب من العبث بمفاصل المجتمع المصري مثل تركي الشيخ، والذي يؤكد هذا أنه بمجرد ظهور أزمة الوباء هرول النظام المصري نحو نجدة أسياده في أمريكا والغرب على حساب موارد الشعب الفقير الذي طالما عايره رئيس النظام بأنه شعب فقير جدا.

وبالطبع لا يغفل أبناء الشعب المصري كل الكوارث التي يعيشونها من حوادث وحرائق ومشكلات ناجمة عن انهيار البنية التحتية مثل الغرق في السيول، وهو ما أدى لقتل الآلاف من المصريين.

وهنا أتوقف وأقارن بين كل هذه المآسي وكل هذا الفشل بالحوادث الضئيلة التي حدثت في العام الذي حكم فيه الراحل محمد مرسي واستغلها إعلاميو  الدولة العميقة، لينقضوا على الرجل ويمارسوا دعايتهم المتآمرة قائلين: « اللي مش أد الشيلة ما يشلش» ويمهدون للمؤامرة الكبرى التي انتهت بحكم النظام الحالي الذي كانت نتائج وجوده بعد سبع سنوات كل هذا الدمار والمرض والمآسي، وهو ما يدفعني إلى سؤالكم من يقول معي للجنرال مثل ما قالوا للراحل مرسي « اللي مش أد الشيلة ما يشلش»، ما أبشع وما أسوأ وما أكره الكيل بميكالين، ولهذا فنحن ندفع الثمن.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه