ما بين اعتقالات السادات واعتقالات السيسي

لدى الرجلين رعب من الشعب، ولدى الرجلين طريقة واحدة للتعامل مع هواجسهم.

ذات صيف ساخن وتحديدا في سبتمبر/أيلول ١٩٨١، ظهر في العلن الرئيس أنور السادات غاضباً بشدة على شاشات التلفزيون في خطاب إلى الشعب يعلن اعتقال آلاف البشر من كافة أطياف الشعب ورموزه السياسية والدينية والعمالية بل والطلابية. 
فبعد عزل البابا شنودة وتحديد إقامته في وادي النطرون بدأت آلة الاعتقال في فجر ٣ سبتمبر، بعد أيام خمسة من عودته من الولايات المتحدة، فمن فؤاد باشا سراج الدين إلى محمد حسنين هيكل إلى عمر التلمساني إلى شاهندة مقلد إلى أبو العز الحريري وحتى حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح إلى جانب المئات من الصحفيين والكتاب الذين اعتبرهم السادات مناوئين له…مع حفظ الألقاب والاحترام لهم جميعاً، ليظهر الوجه القاسي للرجل الذي طالما استخدم وجهاً ناعماً بهدف اكتساب شرعية نقيض سلفه جمال عبد الناصر.

كتابة الأسماء

يقول مكرم محمد أحمد في شهادته إن السادات طلب “منهم” وهو يقصد على ما يبدو الصحفيين الملاصقين لشخصه كتابة أسماء من يريدون اعتقالهم، هكذا قالها الرجل في أحد حواراته، وهنا نجد أن الصحفي الملاصق للسلطة يتخطى مرحلة المنافق والمدلس المعتادة إلى مرحلة المخبر بأجر.

ما دفع ذاكرتي إلى استدعاء تلك الفترة الكئيبة من عمر الوطن، هذا الذي يحدث لزملائي وأصدقائي من مختلف الأطياف السياسية المصرية والذي زاد واستفحل مع كل يوم يمر من رئاسة عبد الفتاح السيسي لمصر، ففي الشهر الماضي تحديدا استدعى بأكثر مما يلزم ذكرى سبتمبر 1981 المظلمة.

بالطبع ليست المرة الأولى التي يعتقل فيها آلاف البشر ويوضعون خلف أسوار سجون نظام السيسي لأسباب سياسية، ولكن ازدياد وتيرة التنوع هو ما جعل الاستدعاء التاريخي واجب، بالطبع كل سجين سياسي يستحق الدفاع عن حقه، في السياسة وممارستها ليست جريمة إلا في نظر “الفاشيست”.

الاعتقالات الأخيرة أضافت إلى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والأستاذ محمد القصاص المتهمين بتهم فضفاضة أهمها: الانتماء إلى جماعة محظورة، أسماء مثل الناشط السياسي الدكتور شادي الغزالي حرب الليبرالي حتى النخاع، والأستاذ شريف الروبي، والصحفي وائل عباس نهاية، والدكتور حازم عبد العظيم، المسؤول السابق بحملة عبد الفتاح السيسي الرئاسية الأولى كمسؤول عن الشباب في الحملة.

التنوع

التنوع في العداء يكاد يكون متطابقاً بشكل مدهش بين هذه الاعتقالات واعتقالات سبتمبر، الفارق أن اعتقالات السيسي جزء من طريق أسود طويل أتى عقب الإطاحة بالرئيس السابق الدكتور محمد مرسي، أما اعتقالات سبتمبر فجاءت دفعة واحدة وبتركيز شديد.

يخلب السادات دائماً لب عبد الفتاح السيسي ويمثل له -ربما- مثلاً أعلى في السياسات والتوجهات، التي تبدأ بالعلاقة الدافئة مع إسرائيل ولا تنتهي بتنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي بحذافيرها.

ومن هنا أستطيع القول إن اعتقالات مايو في حقيقتها استباق قرارات اقتصادية صعبة على وشك أن تبدأ ولا يريد السيسي كما لم يرد السادات “دوشة”.. حول قراراته تعيد إلى الأذهان ١٧/١٨ يناير ١٩٧٧ التي كادت أن تتطور إلى ثورة شعبية، أو إلى ثورة شعبية تنفجر في وجهه – بالنسبة للسيسي- كما حدث مع مبارك في الخامس والعشرين من يناير العظيم. لدى الرجلان رعب من الشعب، ولدى الرجلين طريقة واحدة للتعامل مع هواجسهم، وتمرير سياساتهم: القمع والاعتقالات.

يبقى شيء وحيد وهو في اعتقادي أن من يتم اعتقالهم من رموز ثورة يناير قد جرى اغتيالهم معنوياً بشكل كامل، ولم يفد اعتقالهم كما يتصور النظام، فضلاً عن أن نوعية من يُتوقع أن يكون في طليعة الثائرين على شظف العيش وقسوته ليسوا من جمهور أولئك الذين تم الزج بهم في غياهب سجون نظام يتصور أن ثورة يناير المتحضرة هي أقصى مخاوفه، غائباً عنه أن ثورة يناير كانت محاولة لتجنب مصير سوداوي يدفعنا النظام إلية دفعاً بسياساته.

ولا أتمنى إلا أن أكون مخطئاً في تقديري لحجم الكارثة التي يوشك أن ينزلق إليها وطنناً في غياب العدل وحسن الإدارة، وعلى الله قصد السبيل.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه