مشروع “المارشال السيسي” في الصحافة الإسبانية

الواضح انّ هذه المقالات جاءت مشحونة نوعا ما بنوايا “تنغيصيّة” على فرح “عبدالفتّاح السيسي” بالذات، والذي تحرص جريدة “الباييس” على تسميته “المارشال” مهما فعل.. يتبع.

*عبير الفقيه
  لم يكن من الممكن لأي عربي أن يتفادى سماع أخبار مصر هذا الأسبوع، فصَدَى تدشين مشروع قناة السويس الجديدة أغرق الساحة الإعلامية المصرية وما جاورها بتفاصيل الحدث، إلّا أن رَجْعَ الصّدى في أوروبا أو إسبانيا على الأقلّ كان باهتا. إذ لم نقف  من خلال صفحات الصحف الإسبانية على عظمة الحدث، فلم يتصدر الصّفحات الأولى في الصحف الإسبانية كما قيل في الإعلام المصري. بل كان النشر عامة مقللاً من شأن النجاح و مًذكّرا بنقاط لا يروق ذكرها للمُهلّلين.
 إلى جانب المقالات التي نقلت الخبر، كما سوّقت له الحكومة المصريّة بأرقام ومعطيات “تُفرح” المصريين وغيرهم، خصّصت بعض الجرائد مقالات طرحت وجهة نظر ناقديه سواء في مصر أو خارجها. و أبرز هذه المقالات مقال صدر بـ “الدياريو. أس” وآخر بـ “الموندو” الأربعاء 5 من أغسطس/آب و ثالث صدر بـ “الباييس” يوم الافتتاح  6 من أغسطس/آب.
 الواضح انّ هذه المقالات جاءت مشحونة نوعا ما بنوايا ” تنغيصيّة” على فرح “عبدالفتّاح السيسي” بالذات، والذي تحرص جريدة “الباييس” إلى اليوم على تسميته “المارشال” مهما فعل وأينما ظهر.
 لقد استهل مقال “الدياريو. أس” بـ “المُسمّى قناة السويس الجديد يتمّ افتتاحه كمشروع نجومية للرئيس عبدالفتاح السيسي،  ويتمّ تقديمه للمصريين على أساس أنّه الحلّ لكلّ إخفاقات رئيسهم الاقتصادية السابقة” ثمّ تمضي الصحفية “فرنسيسكا ثيكاردي” كاتبة المقال في ذكر الأرقام التي أعلنتها المصادر الرسمية الحكومية حول المشروع، بما في ذلك معلومة تُفيد أن هذا المشروع {الذي ثبت في الأخير أنّه ليس سوى تفريعة بطول 35 كيلومترا موازية لمسار قناة السويس الرئيسي التي يبلغ طولها  193 كيلومترا} سيوفّر مليون فرصة عمل في السنوات الخمس عشرة المقبلة حسب وزير التخطيط المصري “أشرف العربي”.
 أمّا “الـموندو” فقد حرص مراسلها في مصر على الاحتفاء بالحدث على طريقته منذ العنوان “مصر تستعدّ لـ”معجزة” وكانت مفردة “معجزة” من باب التهكم، فـ”فرانسيسكو كارّيون” لا يهنأ له بال كعادته إلّا ان يُلمّ بكل وجهات النّظر حول كل ما يُطرح في مصر. و يكاد لا يستثني مقالا من مقالاته التي تتعلق بالسيسي، بما فيهم هذا المقال، إلّا و يذكر بأنّه اعتلى السلطة إثر انقلاب على حكم الإخوان المسلمين و دشّن حكماً قمعاً وحشياً من جديد في مصر. وركّز الصّحفي على جانب  التّحضيرات والمهرجان الذي صاحب الافتتاح وكلفته التي بلغت 8 مليارات، و حِرْص السيسي على الظهور بصفة البطل القومي وهو يعتلي السفينة.
 ولم يغفل المراسل تفاصيل مهمة حسب ذكره، من ذلك إعلان يوم الافتتاح يوم عطلة في مصر، و المبالغة في تزيين الشوارع و المطار بصور الرئيس، ومجانية النقل في خطّ الاسماعيلية ومناطق أخرى، و توفير شاشات كبيرة تنقل الاحتفال على الهواء في مدن عديدة في العالم و تصريح وزير الماليّة إصدار عملة ذهبية لتوزيعها على ضيوف معيّنين كلّها في خدمة “أسطورة” قناة السويس كما يصفها صّحفي “الـموندو”. وفي لقاء مع معارضين من الدّاخل يُدرج الصحفي شهادة الصحفية شهيرة أمين “جعلوا الشعب يصدّق أنّ المشروع الجديد معجزة لحلّ مشاكله الاقتصادية. هو فقط جزء صغير سيسهّل حركة السفن، لكن السيسي كان في حاجة لهذا الإشهار والتسويق لصورته. هذا التّهويل هو تغطية لفشله المتكرر وتحويل وجهة الاهتمام المفتوحة على جبهات عديدة وخصوصا ملف حقوق الإنسان المسكين”.
وعلى صفحات جريدة  “الباييس” يواصل مراسلها “ريكاردو غونثالث” تغطية أحداث مصر، و هذه المرّة من مدريد حيث هرب من القاهرة إثر تلقّيه تهديدات جرّاء إساءة قلمه للنظام الحاكم حسب ما أشيع في أواخر شهر يونيو. ويستهلّ الصحفي مقاله بما يلي “يمكن للمارشال عبدالفتاح السيسي الآن أن يتفاخر بإنهاء  مشروعه المنتظر، توسعة لقناة السويس… المشروع ذو جدوى سياسية… فبهذا يمكن للحكومة المصريّة أن تؤمّن للعالم رسالة أن مصر استرجعت استقرارها”  ثم يضيف “وبرغم اقتراف جرائم خطيرة في مجال حقوق الإنسان، تلقّى النظام الحالي مساندة حلفائه الغربيين خصوصا في الأشهر الماضية، ولكنه كان في انتظار تنظيم حدث إعلامي ذي وزن كبير لتعزيز المساندة “. وأرجع “غونثالث” حضور الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الافتتاح، إلى جانب شخصيات أخرى من بينها وزيرة التجهيز آنا باستور الإسبانية الى التأكيد على التحالف الغربي مع حكومة السيسي.  ثمّ أسهب الصحفي في الحديث عن تفاصيل ” الاحتفال الرّنّان” كما يسمّيه مؤكّدا على معاني حرص بطل الافتتاح على الظهور ببدلته العسكرية على متن الباخرة التاريخية وهو يحيّي شعبه في توظيف، وربما فَرْضٍ، لمعنى الوطنية والبطولة والقوّة والنجاح مجتمعة. 
ومن جديد يذكّرنا صحفي “الباييس” أنّ فكرة إضفاء صفة الشرعية على حُكم جاء غصبا، هو برنامج مسترسل يتمّ  تحقيق خطواته مع كلّ إنجاز يرفع صورة الرئيس في مجتمعه، وربما يمتدّ إلى الخارج إن كان الإخراج جيدا والطرف المقابل مستعدّا لتسويقه. 
هذا هو مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس بعيون إسبانية لم تهلل بما لا يروق للبعض ولكن من المستحسن أخذها بعين الاعتبار.
   

___________________

*كاتبة تونسية تقيم في إسبانيا 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه