ماذا بعد ضجيج مؤتمر شرم الشيخ؟

سعيد شعيب*

 

بعد أن انتهى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي،  أرجو ان تجنب قليلاً الضجيج الإعلامي المساند للرئيس السيسي، وتجنب بقدر ما تستطيع النفاق الرخيص. وتجنب ايضاً الحماس المفرط لمخلصين يبحثون عن بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم. 
فليس صحيحاً كما تعرف أن  “نجاح”  المؤتمر كأنه أكبر من نصر اكتوبر، صحيح أنه حقق قدراً من النجاح، وصحيح أن المليارات التي سوف يتم استثمارها خير للبلد. لكن ليس صحيحاً بالقطع أنه سوف يحل مشاكل مصر المزمنة، ولا يمكنك الاطمئنان الى أنه يعني على حد تعبير البعض أن مصر “قادمة”، أو أنه سيضع مصر على الطريق الصحيح لنهضة اقتصادية جبارة . 
لماذا؟
أولاً:- لأنه كما تلاحظ فالاستثمارات الأكبر قادمة من ذات الدول التي قدمت من قبل مليارات لدعم النظام القائم في مصر. على رأسها كما تعرف الإمارات والكويت والسعودية. هذا يعني أنه بشكل أو اخر أنه استثمار سياسي يسعى علناً الى اهداف سياسية.
دعني اقول لك أن أنني هنا لا اناقش صواب  هذه الأهداف أو خطئها.
 ثانياً:-  مثل هذا الدعم يحدث طوال الوقت ، حدث مع عبد الناصر من الاتحاد السوفيتي وحلفائه. وحدث مع السادات من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب . وحدث عندما كان الإخوان يحكمون مصر، فقد تم ضخ استثمارات من دول لدعمهم.  فالأمر هنا سواء اتفقت مع الأهداف السياسية لهذا الدعم أو اختلفت معها، فمن الصعب التعويل عليه لنهضة اقتصادية.
لماذا؟
لأنه تاريخياً كما ترى هذا الدعم المالي السياسي لم ينجح في بناء اقتصاد قوي في كل العهود منذ عبد الناصر وحتى الآن. والأهم أنه من المستحيل أن يستمر الى الأبد، وهذا ما لمحت اليه دوائر في هذه البلاد التي قدمت هذا الدعم السياسي والمالي الوفير، وخاصة بعد انخفاض اسعار البترول. بدليل أن هذا الدعم الوفير لم يستطع أن يحل مشاكل مصر ولا يصنع أي نهضة منذ 3-7 وحتى الآن. فليس منطقياً أن اضافة بعض المليارات يمكنها أن تحقق هذه الأحلام.
اذن ما الذي يحقق نهضة اقتصادية عملاقة في مصر؟
بجملة واحدة بيئة آمنة للاستثمار الدائم الطبيعي الذي يجذبه اسباب اقتصادية وليست سياسية. هذه البيئة تتضمن اسس بديهية، منها مثلاً تنظيف القوانين من المعوقات أمام حركة الاستثمارات، وهذا ما فعله الرئيس السيسي الى حد كبير، لكن من المؤكد أنه لا يكفي ابداً، فهناك عوامل اخرى اهم:
• قضاء مستقل تماماً عن كل سلطات الدولة وعلى رأسها السلطة التنفيذية ، أي الرئيس والحكومة. فكما تعرف القضاء غير مستقل، وهناك تدخلات تعصف باستقلاليته، بل والقوانين تساعد على ذلك. فكيف يأمن المستثمر على أمواله ومصالحه ولدينا قضاء يخضع للهوى السياسي. لا اظنك تحتاج الى ادلة، واذا كنت تريد فمصيبة عزل 41 قاضياً لأنهم اصدروا بياناً سياسياً، في حين أنه كما تعرف القضاة المؤيدين للنظام الحالي، قبل وبعد 30-6 يصدرون بيانات ويظهرون في الفضائيات يهللون ويهتفون للرئيس السيسي ولم يحاسبهم احد.  فكيف مثلاً يأمن المستثمر وهو يعرف أنه اذا كان مؤيداً للسلطة الحالية فسوف يحقق كل مصالحة، واذا تغيرت فهذا يعني العصف به و”خراب بيته”؟! 
• اجهزة رقابية مستقلة عن لسلطات الدولة، فلدينا الكثير والكثير منها، ولكنها كما تعرف تخضع لرئيس الجمهورية، وهذا يشكك في نزاهتها بالطبع. فقد نشرت جريدة الوطن منذ ايام تحقيقاً عن 6 جهات سيادية لا تسدد الضرائب ومن المؤكد أن منها الأجهزة الأمنية الكبيرة، ومع ذلك لم يحاسبها جهاز رقابي واحد. لعلك تعرف أن جريدة الوطن حذفت هذا التحقيق الهام، ومن المؤكد أنه بضغوط هذه الجهات السيادية مدعومة من الرئيس الذي يسيطر على الأجهزة الرقابية.
• أن تعمل مؤسسات الدولة بشكل مهني كفء لا علاقة له بالهوى السياسي. فلعلك تتذكر على سبيل المثال الأنشطة الاقتصادية التي تمت مصادرتها بحجة أن اصحابها اخوان. ولعلك تتذكر التضييق على رجال اعمال مناهضين للإخوان اثناء حكمهم لمصر.
• قانون لحرية تداول المعلومات ، ليس لأنه فقط من حق المجتمع، وليس لأنه فقط اساس حقيقي لأي ديمقراطية، ولكن لأنه هو الأهم للمستثمر. فاذا كنت تريد مثلاً الاستثمار في الطاقة، فمن اين تحصل على معلومات حقيقة عن هذا المجال ويكون من حقك الحصول عليها، حتى تعرف كل شيء عن المجال ومخاطره ومستقبله .. الخ.
• لابد من اعادة التفكير في النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية، فوجودها الكبير يفسد أي نشاط اقتصادي. السبب أنها تجعل المنافسة غير عادلة، فهي مثلاً لديها العمالة الرخيصة، كما انها لا تخضع للقواعد والقوانين التي يخضع لها المستثمر المنافس لها. فضلا عن أن ارباحها لا يعود أي جزء منها للسوق في شكل اجور وضرائب وغيرها. فالجيش وظفته الوحيدة هي حماية البلد.
• من الصعب تحقيق نهضة اقتصادية في ظل عدم استقرار سياسي، أي التوقف عن ممارسة الإقصاء، لابد من وجود قوانين تمكن كل الأطراف السياسية من التواجد. بتعبير واحد وضع القوانين والآليات الديمقراطية التي تمكن كل الأطراف من المشاركة بحرية في العملية السياسية. فمن الصعب أو يكاد يكون من المستحيل أن تحدث نهضة حقيقية بدون نهضة سياسية جادة.
من المؤكد أن هناك عوامل اخرى يمكنها من خلق بيئة آمنة وعادلة للاستثمار الأجنبي، لكن المهم هو وجود الإرادة السياسية لتحقيق ذلك. دعني اصارحك أنني متشكك فيها وفي اهدافها، لكني في ذات الوقت اتمنى من الله جل علاه أن يخيب ظني. الله أم أمين.
___________________

*كاتب وصحفي مصري

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه