فشل متوقع لمجلس مواجهة الإرهاب

فمن قتل واعتقل وعذب وشرد من الصعب عليه أن يرتدى قناع مواجهة التطرف.

بصدور قرار جمهوري بإنشاء المجلس القومي لمواجهة الارهاب والتطرف بمصر، غلبت العناصر الحكومية بتشكيله وخلوه من تخصصات وأسماء شهيرة مناصرة للانقلاب، وإضافته لجهاز حكومي متعدد المكونات، لينضم للعشرات من الهيئات الحكومية البيروقراطية .

وتحددت مهمة المجلس بحشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره، وعمل إستراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف داخليا وخارجيا، وإقرار سياسات وخطط وبرامج لجميع أجهزة الدولة المعنية بذلك.

وسمعة المجالس القومية والعليا بمصر عموما ليست جيدة رغم تعددها، ومنها المجالس القومية المتخصصة، والمجلس الأعلى للمرور، والمجلس الأعلى للسياحة،  والمجلس القومي للأجور، خاصة أن معظمها موجود على الورق ولا يجتمع إلا كل عدة سنوات .

ويتكون المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف من 29 عضوا برئاسة رئيس الجمهورية، وينقسم الأعضاء ما بين 16 وزيرا ومسؤولا حكوميا، و13 من الشخصيات العامة الموالية للحكومة لا يمارس بعضهم الشعائر الدينية بالمرة، ليفتقد  تشكيل المجلس التوازن المطلوب.

وكل الشخصيات الحكومية الـ16 مختارة أصلا حسب مناصبها من قبل رئيس الجمهورية فيما عدا بابا الكنسية ، والغريب أن تخلو عضويته من وزير الثقافة رغم أن مهمة المجلس  من المفترض أن تكون فكرية ،  لتغيير الأفكار التي يراها المجلس متطرفة، كما غاب عن عضويته مفتى الديار المصرية المختص بقضية مواجهة الأفكار الدينية  التي لا تروق للنظام الحاكم .

كما خلا التشكيل من ممثلي المركز القومي للبحوث الاجتماعية المعنى بقضية التطرف  أو الجامعات، وغاب عنه ممثلو الأحزاب السياسة وممثلو النقابات والمجلس الأعلى للإعلام .

 تمثيل جيد لرجال الأمن

وبينما تضمنت العضوية ستة أعضاء يمثلون الجانب الأمني منهم أربعة مسؤولين واثنان من الشخصيات العامة، فقد اقتصر على عضو واحد متخصص بعلم الاجتماع، وواحد بعلم النفس  وخلا من خبراء التربية.

وافتقد التشكيل لأى عنصر اقتصادي أو رجل أعمال أو مصرفيين، رغم النص باختصاصاته على وضع الخطط اللازمة لإتاحة فرص عمل بمناطق التطرف، وإنشاء مناطق صناعية بها.

ويبدو من قانون المجلس الجديد أنه سيكون ضخما من الناحية الإدارية، إذ سيتم تكوين أمانة عامة له من عدد من الأعضاء، اشترط القانون أن يكون من بينهم ممثلون عن جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني والمخابرات الحربية وهيئة الرقابة الإدارية، والغريب أن القانون لم يشترط عضوية أي من الجهات البحثية المتخصصة بالنواحي الاجتماعية  والتربوية والثقافية .

كما نص القانون على إنشاء مراكز للنصح ، ولم يحدد أماكنها ومن سيقوم عليها ، كما نص على إنشاء مركز بحثى خاص ومركز إعلامي خاص ، وهما كيانان يحتاجان لأطقم من المتخصصين ، كذلك وجود متحدث إعلامي للمجلس، كما نص على إنشاء كيان إقليمي للقيام بنفس مهمة  المركز ، وكل ذلك يشير للحاجة  لموازنة مناسبة للمركز بالإضافة لمقر مناسب لعمل كل هؤلاء به، في ظل  موازنة حكومية مصابة بالعجز المزمن مما دفعها لخفض الدعم .

 غياب التوافق المجتمعي حول مهمته

وتشير عدة دلائل لتوقع إخفاق المجلس في أداء مهمته في مجتمع لم يتوحد على تعريف الإرهابي، فمن تتهمه السلطات بكونه إرهابيا مثل الشيخ القرضاوي يعتبره مصريون آخرون رمزا إسلاميا ، ويتكرر ذلك مع العديد من الشخصيات بداية بالرئيس المنتخب  محمد مرسى، ونهاية بتلميذ  صغير السن  تعتبره السلطات إرهابيا بينما يعتبره كثيرون من أقاربه وجيرانه مثالا للخلق  والاستقامة .

بل إن كثيرا من المصريين  يعتبرون أن من قتل المدنيين السلميين بالميادين والقرى هو الإرهابي ، وهو اتهام موجه صراحة لسلطات الأمن والجيش بكثير من الوقائع ، وهكذا لا يوجد توحد في التوجه مجتمعيا نحو الهدف .                                

الغريب أيضا أن قانون المجلس الجديد يدعو لتحديد محاور التطوير المطلوب لتضمينها بالمناهج الدراسية بمختلف المراحل التعليمية ، بما يدعم مبدأ المواطنة وقبول الآخر ونبذ العنف، ويظل السؤال هل تتعاطى الدولة مع تلك القيم حاليا ؟ وهل تمارس التسامح وقبول الآخر أم تقصيه وتخونه وتخفيه قسريا وتصفيه جسديا ؟

وعندما يدعو قانون المجلس الجديد لتحقيق العدالة الناجزة ، بينما يتم التوسع بحالات الحبس الاحتياطي لمدد طويلة ، فإن هذا المناخ لا يتسم بالثقة ، وبالتالي يقلل من المشاركة المجتمعية به ، وهو ما يجعل نجاح مراكز النصح المنصوص عليها محكوما عليها بالطابع الشكلي، دون تغيير جذري في النفوس التي تشك أصلا في نزاهة القائمين على النصح وعدم حيادهم وولائهم للنظام المفتقد للشرعية .

وعندا يتم النص بقانون المجلس الجديد على دراسة منح قروض ميسرة ، لمن يثبت من خلال المتابعة إقلاعه عن الفكر المتطرف ، فإن الفائدة لدى مبادرة مشروعك التي تتبناها وزارة التنمية المحلية تصل إلى 28 % وبالجمعيات الممولة إلى 30 % وأكثر ، وبالطبع فإن كثيرين من المستهدفين بالنصح  يرون تحريم فائدة القروض.

فإذا اتجهنا للقروض الحسنة بدون فائدة فهذا النمط لا يوجد سوى ببنكين فقط هما بنك ناصر الاجتماعي وفيصل الإسلامي، وتحتاج لضمانات والحد الأقصى لها ببنك فيصل ألف جنيه، وهو مبلغ لم يعد يكفى لإقامة مشروع صغير أو متناهي الصغر، كما تطول إجراءات الحصول عليه لشهور .

وهكذا فإن  من يزرع الشوك لا يمكن أن يجنى زهورا ، فمن قتل واعتقل وعذب وشرد من الصعب عليه أن يرتدى قناع مواجهة التطرف ، وعندما يمارس النظام الثأر خلال مداهماته لمنازل وأماكن وجود خصومه ، فعليه أن يحصد ثمار أفعاله . 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه