سد النهضة: محام غير مؤهل وغير أمين!

وبتنا نلوم تعكير الصهاينة للمياة العربية ولم نصحح التفريط المصري في العلاقات مع دول المنبع، وخسرنا قضيتنا العادلة، ضيعها محامي غير مؤهل ولا أمين

د عبد التواب بركات*

غاب الحضور العربي عن توقيع مصر والسودان اتفاق مبادىء سد النهضة مع إثيوبيا سواء علي مستوي جامعة الدول العربية أو علي مستوي حكومات الدول العربية منفردة، كما كان هذا الحضور غائباً، أو قل الغياب حاضراً إذا شئت القول، خلال أربع سنوات من التجاذب والإجتماعات الساخنة بين الدول الثلاث دون تدخل عربي مساند للدولتين سواء أمام الأمم المتحدة من خلال المجموعة العربية أو الإتحاد الإفريقي من خلال القمم العربية الإفريقية الدورية أو الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الأفريقية أو المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا اللذين قدما معونات وقروض وتمويل لمشروعات زادت قيمتها الإجمالية الثلاثة مليارات دولار كما اعلنت الجامعة العربية ذاتها. خاصة أن هذا الحضور لم يغب عن قضايا مائية مشابهه بل كان للجامعة العربية دور في الصراع العربي الإسرائيلي علي المياه ووقوفها بجانب الدول العربية في المحافل الدولية والأمم المتحدة ضد مصادرة إسرائيل للمياة العربية. فهل تنتظر الجامعة مصادرة إثيوبيا لمياه النيل حتي تتحرك وتشجب وتطالب بحق مصر والسودان في الحياة وإنقاذ الشعبين الشقيقين من العطش والجوع والفقر؟!.
فمن أجل حماية الحقوق المائية العربية، أنشأت الجامعة العربية مجلس وزراء المياه العرب عام 2008 وقالت إدارتها أن أهداف هذا المجلس بناء القدرات التفاوضية العربية وتوفير الدراسات والتشريعات والقوانين والمعلومات المرتبطة بالموارد المائية المشتركة مع الأطراف غير العربية، والمشاركة في صياغة الاتفاقيات الدولية التي تقترحها المنظمات الدولية بهذا الشأن بما يخدم المصالح العربية، إضافة إلى تحليل الاتفاقيات القائمة على المستوى الدولي في مجال إدارة الموارد المائية المشتركة واستخلاص التدابير المؤسسية والقانونية المناسبة لإدارة وحماية المصالح العربية، بالإضافة للدفاع عن الحقوق المائية العربية في المحافل الدولية المهتمة بقضايا المياه وتنسيق المواقف بما يخدم المصالح العربية. كل ذلك لكننا لم نري حضوراً ذي شأن لهذا المجلس في قضية سد النهضة المصيرية بالنسبة لمصر والسودان، ولن يشفع لهذا المجلس أو غيره أن يدعي أحد أعضائه مسانده الدولتين بطريقة غير مباشره أو سرية.
كما أن القمة العربية الأفريقية الثانية، ومصر والسودان وإثيوبيا أعضاء فيها، عقدت في سرت عام 2010 إعتمدت إستراتيجية لتعزيز التعاون في مجال موارد المياه، الزراعة والماء والأمن الغذائي، ولكن لم نشعر بأثر لهذا التعاون. وتعجب عندما تعرف أن قطاع الشئون السياسية الدولية التابع كذلك لجامعة الدول العربية يضم إدارة تختص بقارة إفريقيا والتعاون العربي الإفريقي ومن أهدافه، كما يدعي، متابعة النشاط الاسرائيلي في افريقيا، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والشعبية بالدول الافريقية لمنع التغلغل الاسرائيلي في البلدان الافريقية. فهل خفيت محاولات الكيان الصهيوني لاستخدام مياه النيل كوسيلة ضغط على مصر والسودان لا تقتصر على أثيوبيا فقط، كما ذكر عبد الخالق الشناوي، وزير الري المصري الأسبق وزيارات ليبرمان وزير خارجية إسرائيل لدول منابع النيل وأنشطة إسرائيل الإقتصادية والعسكرية المتمددة في الفراغ المصري هناك؟!.
وللجامعة العربية كذلك مركز يسمي “مركز الدراسات المائية والأمن المائي العربي” دوره الأساسي تقديم المشورة للمسؤولين وصنّاع القرار العربي وتزويدهم بالدراسات الفنية والقانونية في كافة القضايا المتعلقة بالمياه وخاصة مع الأطراف غير الأعضاء في جامعة الدول العربية مما يساعدهم على اتخاذ القرارات التي تخدم مصالح البلدان العربية وتحمي حقوقهم المشروعة في المياه. علاوة علي أن بالجامعة كذلك إدارة البيئة والإسكان والموارد المائية والتنمية المستدامة تتبع القطاع الإقتصادي ومن مهامها، كما تدعي أيضاً، متابعة تنفيذ استراتيجية الامن المائي في المنطقة العربية لمواجهة التحديات المستقبلية للتنمية المستدامة. فأي تحديات أكبر من تحدي سد النهضة علي التنمية في مصر والسودان؟!. هذا غير إدارة دراسات وبحوث الأمن القومي التابعة لقطاع الأمن القومي العربي والتي من مهامها كذلك قضية المياه والأمن القومي العربي. إذن أنت ايها المواطن العربي أمام إمكانات للجامعة تستطيع من خلالها تحقيق الأهداف التي حددتها لنفسها لحماية حقوق الدول العربية المائية خاصة تلك التي تكون مع أطراف غير عربية مثل إثيوبيا وكذلك إسرائيل ولديها قطاعات وإدارات وأقسام ولجان وإجتماعات ومؤتمرات، غير أنه ضجيج وصفير ولكن بلا طحين، هل لأن إدارة الجامعة مقصرة في ذلك؟ أم أن الدول المعنية لم تطلب من الجامعة القيام بهذا الدور في المحافل الدولية؟.
لقد كان من الممكن وقف بناء السد بتدخل الجامعة ودولها الأعضاء دبلوماسياً لدي الأمم المتحدة والدول المانحة ومن خلال إتفاقية الأمم المتحدة بشأن إستخدامات المجاري المائية الدولية الصادرة عام 1997، ومن خلال الأعراف القانونية الدولية الخاصة بمبدأ التشاور قبل إقامة السدود، وعدم تحويل مجرى النهر أو إقامة سدود تنتقص من كمية المياه التي تصل للدولة المتشاطئة الاخرى دون اتفاق سابق، وعرض لخطورة ما تقوم به دولة إثيوبيا علي الوضع القانوني لدولتي المصب وتهديد حالة السلم والأمن الدوليين في المنطقة، وإشاعة عدم الاستقرار والاضطراب. خاصة أن حق مصر في مياه النيل ثابت، لا يحتاج لتوقيع إتفاقيات إضافية، فمصر لن تجني بالتوقيع مكاسب إضافية في حصتها المائية كما لن تخسر وضعاً قانونياً بالإمتناع عن التوقيع علي مثل هذه الإتفاقية، ومستقر عبر التاريخ، هبة من الله تعالي ليس لدولة من دول المنبع فضل فيه كما سجل ذلك الجغرافي المصري جمال حمدان، كما أنها موثقة بإتفاقيات دولية أُبرمت سنة 1902، 1906 والتي تشير بنودها الى عدم مساس اثيوبيا بمياه النيل الأزرق وعطبرة أو بناء سدود من شأنها منع وصول المياه. وكذلك إتفاقية عام 1925، 1934، 1949، 1959. ورغم محاولة الحكومة الإثيوبية التنكر لهذه الإتفاقيات بحجة أنها عُقدت في عهود إستعمارية لم تُستشر فيها فإن المجتمع الدولي لم يقر هذه المزاعم خاصةً أن ملك إثيوبيا منليك كان طرفًا في إتفاقية 1902 م التي تحذر اثيوبيا من قيامها بأي أعمال من شأنها الإضرار أو خفض حصة السودان ومصر المائية، وما دل علي هذا الإقرار الدولي توقف الدول المانحة عن التمويل عند مطالبة إدارة الدكتور مرسي بذلك لمخافته القوانيين الدولية.
وكان بيد الجامعة العربية أوراق دبلوماسية أخري، فبحسب اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي في أكتوبر 2013، فإن إجمالي رؤوس الأموال المستثمرة في افريقيا وإثيوبيا التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي خلال الأعوام العشرة من 2003 إلى 2012 وصل إلى 144 مليار دولار في مجالات منها الإستثمار الزراعي والأمن الغذائي. هذه الإستثمارات لو تم توظيفها سياسياً لأمكن وقف بناء السد وأوجدت البديل التنموي لإثيوبيا وجذرت لمصر بمشاريع إستراتيجية في منابع النيل من جديد وحاصرت الدور الصهيوني الذي تمدد في الفراغ المصري هناك. هذا في وقت كانت دول خليجية تمول مشروع السد وتمارس كيداً سياسياً لإسقاط الدكتور محمد مرسي دون إعتبار للمصالح الإستراتيجية للشعب لمصر، وفي ظل تواجد إسرائيلي غير مستتر وغياب دبلوماسي عربي، متعمد ومقصود، وبتنا نلوم تعكير الصهاينة للمياة العربية ولم نصحح التفريط المصري في العلاقات مع دول المنبع، وخسرنا قضيتنا العادلة، ضيعها محامي غير مؤهل ولا أمي

_________________

*أكاديمي مصري

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه