حكايات ألمان اعتنقوا الإسلام

يشير أرشيف المعهد المركزي للشؤون الإسلامية في ألمانيا، إلى أن حوالي 12400 مسلم ألماني من ذوى الأصول الألمانية دخلوا الإسلام طواعية، وعن اقتناع ذاتي.. يتبع.

صلاح سليمان*
يعتنق بعض الألمان الدين الإسلامي نتيجة عوامل عدة،  منها مثلاً مخالطة  الجالية المسلمة في ألمانيا،  أوتأثرهم بمواقف  إيجابية تعرفوا من خلالها علي الإسلام كدين متكامل،  كذلك أيضا من خلال قراءات وقناعات خاصة توصلوا إليها بعد بحث مستفيض، وكذلك من خلال بوابة الفن،  والإعجاب بالفنون الإسلامية وحضارة المسلمين .
يشير أرشيف المعهد المركزي للشؤون الإسلامية الموجود في ألمانيا، إلى أن حوالي 12400 مسلم ألماني من ذوى الأصول الألمانية دخلوا في الإسلام طواعية، وعن اقتناع ذاتي، أو نتيجة الارتباط بالزواج من طرف مسلم،  وأغلب هؤلاء منتظمون داخل أنشطة المساجد،  ويمارسون الأنشطة الدينية باللغة الألمانية،  وأغلبهم من الحاصلين على مؤهلات جامعية.
تتغير حياة المسلمين الألمان تماماً بعد اعتناقهم الإسلام، فيصبحون أكثر قرباً من تجمعات المسلمين، وأسهل اختلاطا بهم وأكثر تفهما لمشاكلهم .
“مراد هوفمان” هو أحد الصور المضيئة للمسلمين الألمان، ليس فقط لكونه مثقفاً وعالماً،  بل لأنه أيضا دبلوماسي وصل إلى أرفع المناصب في الخارجية الألمانية،  فكان سفيرا لألمانيا في المغرب من عام 1990إلى عام 1994. اعتنق هوفمان الإسلام في عام 1963 وتزوج سيدة تركية، وعبر رحلته الإسلامية الطويلة استطاع إثراء المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات التي جمعت بين الفلسفة والشريعة والتحليل الديني انطلاقا من تجربته الإسلامية،  ومن اشهر كتبه، ” الفلسفة الإسلامية” و”يوميات مسلم ألماني “،”والطريق إلى مكة”.
مذيعة التليفزيون الألمانية كريستينا بيكر، تحولت هي الأخرى إلى الإسلام في عام 1995،  وهي تعتبر كذلك صورة مضيئة من صور المسلمين الألمان،  فمنذ تحولها إلى الإسلام علي يد لاعب الكراكيت الباكستاني عمران خان في التسعينات،  أصبحت واحدة من المدافعين عن الإسلام في أوروبا وعن الانتقادات التي يواجهها في الغرب. 
في عام 2008 التقيت كريستينا بيكر في ميونيخ، وأجريت معها حواراً،  حكت فيه عن قصة إسلامها،  وكيف كانت تشعر بفراغ كبير في حياتها قبل الإسلام.
 كانت بيكر نجمة تليفزيون مشهورة في سنوات التسعينات تقدم برامج موسيقية ويعرفها اغلب الفنانين العالميين،  وكانت تعيش حياة صاخبة مثيرة تتنقل فيها بين أهم  وأشهر المدن العالمية مثل لندن،  نيويورك،  ميونيخ،  باريس لتقديم المهرجانات والحفلات التي كان يصل عدد الحاضرين فيها أحيانا إلى ما يقرب من 75 ألف متفرج،  ورغم كل ذلك لم تشعر بالسعادة،  لقد وصفت ذلك بدقة في كتابها الشهير “رحلتي من MTV إلى مكة” عندما قالت”  في كل مرة كان ينفض الحفل،  ويصمت هذا الصخب والضجيج اليومي الغارق في المتعة واللذة الحسية،  اذهب إلى غرفتي وحيدة،  وبداخلي خواء نفسي شديد، و لم يكن أحد قادر من الأصدقاء أو المحيطين بي علي ملء هذا الفراغ !”
لكن الإسلام ملأ حياة كريستينا بيكر بعد أن اقتربت منه ودرسته في باكستان،  وكانت تقول دائما أن بساطة وقناعة الفقراء المسلمين وتواضعهم كان يبهرها، فهم  لا يهتمون بالمظاهر الدنيوية،  لأن عندهم هدف أسمي  وأرقي وهو الله سبحانه وتعالي .  وكان هذا هو بداية دخولها في الإسلام.
المسلمون الألمان بشكل عام  يمارسون عبادتهم بشكل حر، فألمانيا لا تتدخل في عبادة الأفراد،  وحق دور العبادة مكفول، وتقدر الإحصائيات دور العبادة الإسلامية في ألمانيا بحوالي 2200 مسجد ومصلى،  بينهم 140 مسجداً بمآذن وقباب والأخرى مصليات في منازل وشقق صغيرة،  ويعتبر أكبر مساجد ألمانيا هو مسجد الفتح الذي شيد في عام 1995 في مدينة مانهايم.
لكن السؤال الهام  الذي يطرح نفسه ـ ما هو الدافع الأساسي الذي يساعد في جذب بعض الألمان إلى فكرة اعتناق الإسلام كدين؟
الباحثة الألمانية “ماريا اليزبيث” لها دراسة شيقة حول الأسباب الدينية والشخصية والاجتماعية التي  تتسبب في تحويل بعض الألمان إلى الدين الإسلامي،  أحد هذه الأسباب وفق الدراسة هي الرغبة في تبنى هوية دينية جديدة لآن ديانتهم التي نشأوا عليها لم تعد مقنعة لهم ، ومن جهة أخري تري الباحثة أيضا أن سفر الألمان الكثير ورحلاتهم حول العالم أتاح لهم التعرف علي الديانات الأخرى ومنها الدين الإسلامي، وهي تري أن الاتزان الروحي والنفسى الذي يتميز به المسلمون يجذب الألمان للإسلام، فكثير من الألمان يستحيل لهم العيش مثلا تحت ضغوط الحياة المادية،  فالدولة توفر الكثير من المميزات والتأمينات الاجتماعية لهم،  لكن رغم ذلك فهم يعيشون تحت هاجس الخوف من المستقبل والمرض،  أو الخوف من فقدان الوظيفة،  وإذا زادت الأمور عن حدها فإنها قد تدفع البعض منهم إلى الانتحار، وهذا الخوف وعدم الاطمئنان غير موجود في قاموس المسلمين الذين يعتبرون أن الرزق من عند الله فلا داعي للخوف أو العجلة.
العالمة مونيكا فولجاب زار المتخصصة في شؤون التحول الديني تري هي الأخري في بحث لها  أن بعض الألمان وبسبب التهميش الاجتماعي يلجؤون إلى البحث عن سبل للاطمئنان النفسي والاندماج داخل مجتمعهم الأصلي، فيتخذون من المسلمين نموذجا للاقتداء به ، وآخرون يرغبون في تغير نمط حياتهم من خلال بناء نظام أخلاقي جديد فيعتنقون الدين الإسلامي .
الطبيب الألماني “كاي لور” – البالغ من العمر 50 عام ، اعتنق الإسلام قبل عدة سنوات بعد اقتناعه بأن الإسلام يساير العقل والمنطق،  فالمسلمون من وجهة نظره يعبدون إلهاً واحداً وليس في ذلك لبس أو تأويل وهو  الشئ الذي  كان يبحث عنه وفق روايته،  ثم كانت بداية انفتاحه علي الإسلام اكثرعندما اختلط بتجمعات المسلمين في مدينة كولونيا،  وعندما أحس بطمأنينة نفسية كبيرة اتخذ قراره بالتحول إلى الإسلام.
  ووفق ما يقول: لم أكن الوحيد ، بل كنت واحدا من ضمن 4 ألاف ألماني دخلوا الإسلام في السنوات القليلة  الماضية .
______________________

*كاتب مصري مقيم في ألمانيا 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه