المونوبلى والسيجا والشطرنج

محمد منير*

 

لأنى تائه بين الطبقات غير منتمى ثقافياً لفكر أى منها فقد تشرذمت طفولتى وصباى وشبابى وهرمى بين ثقافاتها المتباينة فى الطفولة والصبا عكست الالعاب الثقافة الاجتماعية والاقتصادية والقيمية للفئات المختلفة وانتشرت لعبة اسمها العالمى ” Monopoly ” وترجمتها “احتكار”.. وكانت تعتمد على تنافس لاعبين على شراء دول العالم معتمدين فى البداية على أرقام الحظ التى يسوقها النرد، وعندما يتم توزيع الدول بين اللاعبين تبدأ اللعبة الحقيقية لتمتزج خبرات اللاعبين أو سادة العالم الجدد مع الحظ والنرد، وتبدأ جولات يسعى السادة فيها لإحتكار العالم من خلال تحالفات ومساومات وبيع وشراء السلعة موضوع اللعبة ألا وهى البلدان والأقطار .
 ومن أدوات اللعبة المهمة كروت الحظ والمحاكمة التى تسوقك اليها حركة النرد  وإما أن يرفعك الحظ والقضاء الى أعلى السماء أو يخسف بك الأرض.
أما المشرف العام فهو موظف البنك الذى يُعين من بين اللاعبين ويتقاضى أجراً وعمولة عن دوره بالاضافة الى كونه أحد المتنافسين على الاحتكار ، وكان هذا اللاعب محل تنافس ورضاء اللاعبين، فقد كان يمثل السلطة المالية التى تتحول تدريجيا الى الحكم بين المتنافسين والمتحكم الرئيسى فى مقدرات أموال البنك ولهذا فرضاه ومباركته جزء مهم من مكون اللعبة والتنافس الاحتكاري.
 وتنتهى اللعبة التي يمتد الدور فيها لعدة أيام عندما يحتكر أحد اللاعبين كل بلاد العالم أو معظمها ، وغالبا مايكون مدير البنك هو صاحب المركز الثانى وربما يكون هو الفائز ، وفى أحوال متقدمة تخرج حدود اللعبة الى مصالح خارج اللعبة بفعل الرغبة فى الفوز بالاحتكار فتصيب مدير البنك بإمتيازات خاصة خارج حدود اللعبة .
 وهكذا تتربى نفوس وقيم هذه الفئة على قيم الاحتكار والتسهيلات والمساومات وربما الرشوة ، وتكون الدول بالنسبة لها رقعة على لوحة ولا معنى لكلمة الشعوب وإرادتها لديهم .
وفى عالم الطبقة الوسطى سادت لعبتى الشطرنج والطاولة، وأهمها الشطرنج ، وهى لعبة يغلب عليها الرقى الذهنى  والقيم المؤسسية التى تعتمد على تحقيق الفوز من خلال تحركات جماعية لجيش متكامل بأدواته، والفائز هو الذى يأسر الملك فى النهاية … والملك فى هذه اللعبة هو رأس النظام  بإستمرار حياته يحيا النظام ، أو ينهار بموته وتعلن النهاية بكلمة ” كش ملك ”  ، وهكذا تربت قيم ونفوس هذه الفئة على المناورات الجماعية وادراك قيمة المؤسسة والعلاقات الجماعية بين افرادها وأدوتها للنهوض بمصلحة الفريق بأكمله ، والاستقرار بالنسبة لها هو الحفاظ على الملك رأس النظام ، والذى لا يكون له فى اللعبة دور كبير فتحركاته لا تتجاوز خطوة واحدة فى أى  من الاتجاهات على عكس الوزير الذى له كل الصلاحيات .
أما فى الطبقات الشعبية فسادت العاب كثيرة منها السيجا، والبلى، والبناء بأغطية المياه الغازية ، إلأ أن  أهمها السيجا التى يجلس حولها اطراف اللعبة بعد يوم عمل شاق، لا تفرق بين طفل ورجل وكهل، وأدواتها فقيرة بضعة حصى بأشكال مختلفة تجمع من الأرض ويختص كل لاعب بشكل معين من الحصوات يظل هو وخصمه ينقلونها فى المربعات المرسومة على التراب طبقا لقواعد معينة حتى يتمكن احد اللاعبين فى وضع حصواته فى خط مستقيم افقياً أو رأسياً فيحصل على نقطة وسط تهليل المتفرجين الملتفين حولهم وفى ايديهم اكواب الشاى الثقيل متعتهم الوحيدة ..
وتتوالى الأيام والشهور والسنوات وتظل كل فئة على مالعبت به فى الصغر .. أبناء المونوبلى يمارسون نفس الاحتكار كرجال أعمال والدول بالنسبة لهم رقع استثمارية على رقعة اللعبة ، وأبناء الطبقة الوسطى يتنافسون فى رقى على حفظ القواعد المؤسسية والقيم واحترام الرمز والكبير .. اما الشعوب الى لم تميزها أو ترمز اليها أى لعبة فتظل قابعة  فى سعادة تبحث عن الخط المستقيم افقياً أو عرضيا راضية بماقسمه الله له ، تحركها إرادة لاعبين المونوبلى والشطرنج .

_______________

*كاتب وصحفي مصري 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه