“اللى خدته الهانم تاخده مسّاحة السلالم”

مثل مصري عبقري رغم أنه يحمل ملامح طبقية لا تتناسب مع ميولي الاشتراكية.

 ويعنى أنه مهما حصلت “مسّاحة السلالم” على امتيازات أو فائدة، فلا يمكن أن تحصل على أزيد مما حصلت عليه الهانم، ولهذا ولكي نعرف حدود ما ستحصل عليه “مسّاحة السلالم” لابد من معرفة ما حصلت عليه الهانم.

 مساء الأحد الماضى وعقب تفجيرات توقعها أساطين الإعلام المصرى نالت من كنيسة مار جرجس بطنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وخلفت أكثر من 50 قتيلا وعشرات الضحايا، أعلن حاكم مصر عبد الفتاح السيسى حالة الطوارئ فى البلاد مستخدما نفس الحجة التقليدية التى استخدمها السابقون من الحكام لفرض الطوارئ، وهى مواجهة الإرهاب وحماية الأمن وأمان المواطنين، وعلينا لكى نحدد مدى استفادة “مسّاحة السلالم”، معذرة، أقصد النظام السيساوى من الطوارئ أن نعلم كيف استفادت الهوانم، معذرة مرة أخرى، أقصد الحكام السابقين من الطوارئ؟، ولكن قبل هذا دعونا نتعرض للتعريف الأصولي لمعنى حالة الطوارئ وحدودها.

حالة استثنائية

“حالة الطوارئ” هى حالة تبيح استخدام إجراءات استثنائية فى مواجهة ظروف استثنائية تتعرض لها الدولة، ولكنها تتحدد بمدة زمنية ومكان محدد يرتبط بالظرف الذى تسبب فى إعلان حالة الطواري. وتنص المادة 154 من الدستور على “يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ بعد أخذ رأى مجلس الوزراء، وعلى النحو الذى ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه.. وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورًا للعرض عليه.. وفى جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس”.

وعلينا لكى نعرف حدود تأثير حالة الطوارئ أن نراجع طبيعة الأحداث التاريخية التى حدثت فى ظل تطبيق حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية، ومدى قدرتها على السيطرة على هذه الأحداث.

 عرفت مصر حالة الطوارئ تحت اسم الأحكام العرفية فى بداية القرن العشرين، وتحديدا في عام 1914 عندما أعلنت بريطانيا التى كانت تحتل مصر تطبيق الأحكام العرفية فى مصر، بحجة ظروف الحرب العالمية الأولى، ورغم أن الحرب انتهت عام 1918 استمرت الأحكام العرفية حتى عام 1922، ولم تستطع هذه الأحكام المتشددة الوقوف أمام ثورة المصريين بقيادة سعد زغلول للمطالبة بالاستقلال، ونجحت الثورة المصرية رغم الأحكام العرفية.

وفى عام 1939 ومع بدايات الحرب العالمية الثانية، أعلن الملك فاروق ملك مصر الأحكام العرفية، وعيَّن على ماهر رئيس الوزراء حاكما عسكريا، واستمرت حتى مايو/أيار 1945، ورغم تطبيق حالة الطوارئ تم اغتيال وزير الداخلية أحمد ماهر فى فبراير/شباط 1945.

وفى شهر مايو من عام 1948 تم إعلان الأحكام العرفية بسبب حرب فلسطين حتى أبريل/نيسان من عام 1950، وفى هذه الفترة وتحديدا فى 28 ديسمبر/كانون الأول 1948 تم اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى، والذى كان قد أصدر تعليمات بفتح كوبرى عباس على المتظاهرين فى فبراير 1946 مما أدى لسقوط العديد من الشهداء الطلاب الذين تظاهروا للمطالبة باستقلال مصر وجلاء الإنجليز، وكان النقراشى وقت المظاهرات رئيساً للوزراء ووزيرا للداخلية.

وفى 26 يناير 1952 أعلنت وزارة النحاس باشا الأحكام العرفية فى مواجهة حريق القاهرة، وظلت الأحكام العرفية حتى عام 1954، ولم تستطع الأحكام العرفية حماية الملك ولا النظام، وقامت حركة الضباط الأحرار فى يوليه/تموز 1952 وسقط النظام الملكى.

الغاء الأحكام العرفية

ورغم سقوط النظام الملكى وإعلان النظام الجمهورى الذى يحكم باسم الشعب، استمر العمل بالأحكام العرفية حتى عام 1954، ثم أصدرت الثورة قانونا يلغي الأحكام العرفية واستبدلته بقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 والذى ظهر اسمه لأول مرة فى دستور 1956 كبديل عن الأحكام العرفية، وأعطى القانون 162 لرئيس الجمهورية جميع الصلاحيات التي كانت مخولة للحاكم العسكري في القانون القديم!! واستمرت حالة الطوارئ حتى عام 1964 ثم تم إعلانها مرة أخرى بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، ولم تستطع حالة الطوارئ منع الانتفاضة الطلابية عام 1968 احتجاجا على الأحكام الهزيلة على قيادات القوات الجوية المتسببين فى هزيمة يونيو، وهى الانتفاضة التى أربكت النظام الناصرى بكل جبروته.

وبعد وفاة جمال عبد الناصر، وتولى أنور السادات الحكم عام 1970 استمر بالعمل بقانون الطوارئ حتى عام 1980، ولم تستطع حالة الطورئ منع انتفاضة 1977 وحركات الاحتجاج على اتفاقية السلام مع اسرائيل، وفى عام 1980 ألقى السادات القبض على معظم رموز العمل السياسي من كل الاتجاهات، وأودعهم السجون، وتصور أنه حقق الأمان لنظامه، وألغى حالة الطوارئ، ولكنه اغتيل بعدها بشهور قليلة عام 1981 رغم البطش والسجون والاعتقالات، وعقب اغتيال السادات وتولي الرئيس مبارك الحكم أعلن قانون الطوارئ لمدة 30 عاما انتهت بخلعه من الحكم، ولم تستطع حالة الطوارئ منع الحركات الاحتجاجية طوال حكم مبارك وتنامي الحركات الاحتجاجية التي توجت كفاحها بثورة 2011.

ورغم أن إلغاء قانون الطوارئ كان مطلبًا أساسيًا لثورة 2011 إلا أنه تم العمل به بعد الثورة مددًا قصيرة لمواجهة بعض الاضطرابات التى كان يراها الحكام حالات استثنائية توجب قوانين استثنائية، ورغم ذلك لم تستطع هذه القوانين منع حالة الحراك السياسي، سواء فى الاتجاه السلبي أو الإيجابي، وهو ما يشير إلى ضعف تأثير القوانين الاستثنائية وحالات الطوارئ على الحراك السياسى والجماهيرى.

لن يستفيد

فى مشهد تمثيلي تم الإعداد له قبل أسابيع، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى فى التاسع من أبريل عام 2017 حالة الطوارئ لمواجهة الأعمال الإرهابية ضد الكنائس والمدنيين، وهى الأعمال التى سبقها تحركات باطشة وعنيفة من أجهزة الأمن ضد أهالى سيناء، بحجة مواجهة الإرهاب وحملات اعتقال واسعة ضد المعارضين للنظام من كل الاتجاهات، وصدور أحكام مبالغ فيها ضد مؤيدى النظام السابق، وضرب وسحل واعتقال المعارضين لاتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتى انتهت بالتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية لضمان أمن إسرائيل، وانهيار الاقتصاد المصرى ووقوع البلاد فى موجة غلاء أسعار غير مسبوقة وانهيار منظومة الصحة والتعليم، وفقدان مصر لأى مكانة لدى العالم الخارجى.

لا أعتقد أن نظام السيسى سيحصل من الطوارئ على نتائج أفضل مما حصل عليها حكام مصر منذ عام 1914 حتى الآن، وكما يقول المثل المصرى “اللى خدته الهانم تاخده مسّاحة السلالم”

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه