التحركات الدولية للمعارضة ما لها وما عليها

يتهم البعض المعارضة المصرية بازدواجية المعايير في التعامل مع الغرب، فهي تتهمه بدعم الانقلاب، وفي الوقت نفسه تطلب منه دعم الديمقراطية والحرية.

فتح تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حول دور إدارة أوباما في دعم الانقلاب العسكري في مصر 2013 الباب لمناقشة البعد الدولي للانقلاب، ومن ثم التحركات الدولية لمناهضيه والتي تتعرض لانتقادات متباينة بين من يصفها بالضعف الشديد، ومن يعتبرها دعوات للتدخل الأجنبي في الشأن المصري الداخلي.

في التقرير المذكور أكد كاتبه دايفيد كيركباتريك مدير مكتب الصحيفة في القاهرة إبان فترة الانقلاب والتحضير له أن مسئولين أمريكيين كبارا، بينهم وزيري الدفاع والخارجية (تشاك هيغل وجون كيري) وكذلك رئيس الاستخبارات العسكرية مايكل فلين منحوا الفريق السيسي وزير الدفاع في ذلك الوقت الضوء الأخضر لتنفيذ انقلابه الذي تم بعد 3 شهور من لقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين، وقد اعترف السيسي شخصيا بهذه اللقاءات وتلك الخلاصات في حديث تليفزيوني في 9 أبريل/نيسان 2014 مع الإعلاميين إبراهيم عيسى ولميس الحديدي.

لم يقتصر التحفيز والدعم على الإدارة الأمريكية التي ظهر أن رئيسها حينئذاك باراك أوباما كان وحيدا في رفضه للانقلاب، بل إن التحفيز والترتيب شمل عواصم أخرى خصوصا تل أبيب- أبوظبي – الرياض ، وبسبب هذه الطبيعة الدولية للانقلاب الذي احتاج قشرة مدنية شعبية استطاع توفيرها عبر مظاهرات 30 يونيو، فإن مقاومته أيضا لا ينبغي أن تقتصر على الحراك الداخلي الذي -رغم الحصار الخانق الذي يتعرض له- يبقى مطلوبا في كل الأحوال. كما أنه سيمثل العنصر الحاسم حين تنضج بقية العناصر، ومن هنا تأتي أهمية التحركات الدولية لمواجهة الانقلاب والتي سجلت فيها المعارضة بعض النجاحات وكثيرا من الإخفاقات.

الازدواجية

يتهم البعض المعارضة المصرية بازدواجية المعايير في التعامل مع الغرب، فهي تتهمه بدعم الانقلاب، وفي الوقت نفسه تطلب منه دعم الديمقراطية والحرية، والحقيقة أن المعارضة تفرق في تعاملها مع الغرب بين الحكومات التي دعمت الانقلاب فعلا وفقا لمصالحها، وبين الشعوب والمؤسسات المدنية الحزبية والحقوقية والبرلمانية التي يمكن أن تضغط على حكوماتها لوقف دعمها للسلطة الحاكمة، وليس للتدخل في الشأن الداخلي المصري، فوقف الدعم الغربي عن السلطة الغاصبة المنتهكة للحقوق والحريات، (ومن ذلك وقف بيعها أدوات التعذيب، ووقف دعمها سياسيا) لا يعد تدخلا في الشأن المصري الداخلي، بل إن ذلك الدعم هو التدخل بعينه والذي ينبغي على الجميع رفضه ومقاومته.

أي دعوة للقوى الكبرى للتدخل بتسليم الحكم للمعارضة هي دعوة مرفوضة، ولن تنتج حكما وطنيا قابلا للبقاء، كما حدث من قبل حين فرضت قوة الاحتلال البريطاني لمصر حكومات أقلية، وحين أتت قوة الاحتلال الأمريكي للعراق بسلطة عراقية على ظهور دباباتها لم تعمر كثيرا، وحين رعت السعودية والإمارات حكما يمنيا لا يتمتع بقبول شعبي، ظل معزولا غير قادر على إدارة شئون الحكم، بل غير قادر على الإقامة في بلده، لكن دعوة القوى الكبرى لرفع غطائها السياسي ودعمها المالي والأمني لنظام مستبد، وتقويتها له في مواجهة شعبه لا يعد طلبا بالتدخل، بل طلب بالحياد بين الحاكم والشعب.

وحين تنتقد المعارضة سياسات النظام الخارجية ومنها فشله في إدارة ملفات مثل سد النهضة، وغاز المتوسط، والتفريط في جزيرتي تيران وصنافير، وإعلان دعمه لصفقة القرن على حساب السيادة المصرية، فإنما تقوم بواجب وطني، وليس مطلوبا منها أن تتماهي مع هذه السياسات بدواعي الوطنية الزائفة.

بعض النجاحات

عبر السنوات الخمس الماضية سجلت المعارضة المصرية بعض النجاحات وكثيرا من التعثر والفشل في ملف العلاقات الدولية، ذلك أنها تأخرت في العمل على هذا الملف حتى بعد خروجها من مصر، كما أنها لم تعين فريقا متخصصا لهذه المهمة التي ظلت (سداح مداح) لمن يحسنها ومن لا يحسنها، وحتى من تسبب في إغلاق أبواب بعضها، ولكن في الحقيقة لا يمكننا أن نتجاهل أن التحرك الدولي للحكومات يكون هو الأقوى والأسرع، والأنشط بحكم ما يمتلكه من إمكانات مادية وكوادر دبلوماسية رسمية مع تحريك ودعم ما يسمى بالدبلوماسية الشعبية المناصرة للنظام.

تحركت المعارضة المصرية خارجيا عبر 3 مسارات أولها: مسار العمل الحقوقي سواء مع منظمات حقوقية دولية أو مؤسسات حقوقية تابعة للأمم المتحدة مثل مجلس حقوق الإنسان الدولي والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمقررين الخواص في الأمم المتحدة للقتل خارج نطاق القانون أو الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو التعذيب أو حرية التعبير إلخ، أو المؤسسات الحقوقية التابعة للاتحاد الأفريقي مثل اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان أو المحكمة الأفريقية.
وقد نجحت المعارضة في الحصول على توصيات من عدد من هذه الجهات أبرزها اللجنة الأفريقية تركزت على وقف أحكام الإعدام التي أصدرتها محاكم السيسي، كما أصدرت المؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الأخرى العديد من التقارير التي تدين انتهاكات النظام المصري لحقوق الإنسان، وفوق الأثر الإعلامي الذي تحدثه هذه التقارير لفضح انتهاكات النظام، وضرب سمعته دوليا، فإنها تصلح لدعم دعاوى قضائية حالية أو مستقبلية، والمسار الثاني هو التحرك مع البرلمانات وبعض الأحزاب السياسية مثل البرلمان الأوربي أوالبرلمان البريطاني أو البرلمان النمساوي أو الكونغرس الأمريكي .. إلخ.
وقد أصدر بعضها أيضا تقارير وبيانات تدين النظام المصري، وقيمة هذه التقارير أنها تسهم في تنوير الرأي العام في بلادها من ناحية والضغط على حكوماتها لوقف أو “فرملة” دعمها للنظام المصري، أما المستوى الثالث فهو الاتصال المباشر مع بعض الحكومات، وبخلاف الحكومتين التركية والقطرية فإن التحركات في هذا المستوى محدودة، إذ لم تتجاوز لقاءً أو لقائين في الخارجية الأمريكية بحضور مندوب للبيت الأبيض في العام 2015، ولكن تحركات سريعة لكفلاء السيسي السعوديين والإماراتيين بالإضافة إلى اللوبي اليهودي أوقفت أي اتصالات أخرى.

ضبط السيسي

محدودية التحركات الخارجية للمعارضة المصرية ترجع أساسا لغياب الإمكانات المادية والكفاءات البشرية، ومع ذلك نجحت بإمكانات بسيطة في مطاردة بعض المسؤولين المشاركين في الإنقلاب، ومنهم السيسي نفسه الذي عدل عن زيارة كانت مقررة لجنوب أفريقيا للمشاركة في القمة الأفريقية في يونيو 2015، بسبب رفع دعوى قضائية ضده ومطالبة بضبطه.
 وقد سبق للمعارضة أيضا رفع دعوى قضائية ضد السيسي وأركان حكمه في بريطانيا، ولكن القضاء البريطاني أقر بحصانة السيسي وسمح بملاحقة أي مسؤول آخر، شريطة وجوده على الأرض البريطانية، ولا ننسي أن رئيس الأركان السابق محمود حجازي كان على وشك الحبس في بريطانيا أيضا في سبتمبر 2015 بسبب تقديم بلاغ ضده، لولا مسارعة الحكومة البريطانية بمنحه حصانة خاصة مؤقتة، وهو ما تكرر مع بعض الوزراء ومع النائب العام الراحل هشام بركات في باريس في2015.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه