وزير الغلابة: “باسم عودة” صورة من قريب!

وزير التموين الأسبق، باسم عودة وممثل وزارة الزراعة الأمريكية بالقاهرة
وزير التموين الأسبق، باسم عودة وممثل وزارة الزراعة الأمريكية بالقاهرة

منع وزير التموين الأسبق، باسم عودة، خلط زيت التموين بزيت الصويا الرديء، وأوقف استيراد “كواسح” الزيت وأصر على توفير زيت “عباد الشمس” النقي من دون خلط وبسعر 3 جنيهات فقط.

لم يكن سبب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي أنه فشل، فها هي تجربة نجاح نرويها بعد قليل، تجربة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، لعلها تفسر  لماذا يجري التنكيل بصاحبها الدكتور باسم عودة وزير التموين، من خلال وضعه في سجن انفرادي، ومنع الزيارة عنه لسنوات طويلة.

ولنجاح التجربة، فإن هناك من يعتقد أن الدكتور عودة دخل الوزارة في بداية تولي الرئيس محمد مرسي الحكم، في حين أن عمره في الوزارة ليس أكثر من ستة أشهر، إذ عُيِّن في 6 يناير/ كانون الثاني 2013 حتى 03 يوليو/تموز 2013.

وقد دخل كاتب هذه السطور معه الوزارة مساعدًا له ومديرًا لمكتبه، ويمكنني عرض قصة النجاح هذه التي كنت شاهدًا عليها من قريب، وذلك بمناسبة مرور سبع سنين على الانقلاب العسكري، الذي انتهت فيه هذه التجربة الناجحة وزج بالوزير في السجن.

دخل الدكتور باسم عودة الوزارة في ظل سيطرة الدولة العميقة على الخبز والسلع التموينية والمنتجات البترولية، وحدد أهم أربعة ملفات حساسة في حياة المواطنين، وأعد خطة عاجلة لبدء تنفيذها لصالح عموم الشعب، وهو يدرك صعوبة المعركة مع المتنفذين والمفسدين داخل الدولة العميقة، والملفات هي:

1- تنفيذ منظومة الخبز الجديدة.

2- رفع جودة السلع التموينية.

3- ضبط منظومة البنزين والمنتجات البترولية.

4- تطوير وتنشيط قطاع التجارة الداخلية.

وقد حدث ما توقع إذ تعرض لهجوم شديد من الإعلام الموالي للدولة العميقة، ومن جماعات الفساد سماسرة الدعم، وجرى حرق ديوان الوزارة، ورغم ذلك نجح في أن يفجر مفاجأة في وجه أعداء النجاح وأنصار الثورة المضادة، إذ أسس مدرسة علمية لإدارة ملفات وزارة التموين، حققت نجاحًا باهرًا بشهادة كل المصريين المؤيدين والمعارضين على السواء.

الخبز البلدي المدعم

بدأ باسم عودة بتطبيق منظومة الخبز ليحصل المواطن علي رغيف الخبز بكرامة تليق به بعد ثورة يناير؛ فقضى على ظاهرة طوابير الخبز “القاتلة” التى راح ضحيتها بالفعل عدد من المواطنين في عهد حسني مبارك، وجعل رضا المواطن على جودة المنتج هو الشرط الأول والأخير لصرف أصحاب المخابر لقيمة الدعم عن طريق منظومة الكروت الذكية التي تحصر الكميات المباعة من الخبز فقط وليس المنتجة.

نفذ هذه الخطوة عبر اتخاذ قرار بأن يكون الدعم المقدم لرغيف الخبز على المنتج النهائي المباع بالفعل للمواطنين، وليس على الدقيق كما كان في السابق، وبذلك أصبح فرضًا على أصحاب المخابز خبز الكمية المصروفة لهم من الدقيق بالكامل بجودة وموصفات مرضية للمواطن.

ومن نتائج هذا القرار أيضًا، وفر عودة بهذه المنظومة 3.4 مليون طن من الدقيق المتسرب للسوق السوداء و11 مليار جنيه، كانت تُهدر  فى تسريب القمح من المطاحن والدقيق من المخابز للسوق السوداء، من غير أن يلزم المواطن حدا أقصى لعدد أرغفة الخبر، وبدون أن يعمد لتخفيض وزن الرغيف كما فعل النظام بعد الانقلاب العسكرى في 3 يوليو/تموز 2013، والذى خفض وزن الرغيف بنسبة 25%، من 120 غراما إلى 90 غراما، ووضع حدا أقصى هو خمسة أرغفة للفرد.

عمل عودة كذلك على تحقيق تطبيق الكرامة الإنسانية التي طالب بها المصريون في ثورة يناير؛ فمنع إضافة دقيق الذرة إلي رغيف الخبز، مما حسّن جودته على نحو رفع من جودة الخبز التمويني لتليق بالكرامة الإنسانية، كما حافظ بهذا القرار على صحة المصريين من الإصابة بالسموم الفطرية الموجودة فى دقيق الذرة لعشرات السنين والتى تسبب سرطان الكبد.

وقرر أن يكون الحق لكل المواطنين في الخبز والبوتاجاز؛ فأصدر قرارًا بصرف الخبز وأسطوانات البوتاجاز لجميع المواطنين بالدولة، ولا يُشترط أن يكون ممن يحمل بطاقة تموينية بما فيهم المغتربون بين المحافظات، عن طريق استحداث بطاقة صرف خبز للمغتربين، بمعنى أن الأهل يصرفون حصتهم بالمحافظة المقيمين بها، وهو يصرف بالمحافظة التي يعمل ويقيم بها.

الاكتفاء الذاتي من القمح

وحتى يحقق الاكتفاء الذاتي من القمح المستخدم في إنتاج الخبز في أربع سنوات، طالب عودة بضرورة تشكيل لجنة من عدد من الوزارات لإدارة موسم الحصاد، ورفع سعر التوريد لصالح المزارعين المصريين إلى 400 جنيه للأردب للمرة الأولى في تاريخ القمح المصرى، ليتوجه الدعم للفلاح المصري نفسه وليس للمزارع الأمريكي أو الأوكراني كما كان يحدث على مدي نصف قرن.

وأعلن عن مسابقة بين المحافظات وصرف جائزة قدرها مليون جنيه لأكثر محافظة تورِّد قمحًا محليًّا للوزارة، مما جعل كل محافظ حريص بشدة على تسهيل الخدمات للفلاحين حتى يتمكنوا من توريد أكبر قدر من القمح للوزارة.

واعتمد حملة إعلانية بالتلفزيون المصري لحث الفلاحين من خلال فيديوهات تمثيلية قصيرة، لتوريد إنتاجهم من القمح للوزارة بشكل مباشر وحفظ أموالهم من جشع التجار.

كما أنتجت الوزارة أغنية جديدة لموسم حصاد القمح، وجرى ترتيب حضور رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي احتفال بدء موسم الحصاد في برج العرب بالإسكندرية.

 

منظومة القمح الجديدة

كل هذه الإجراءات والقرارات جعلت هذا الموسم من أفضل المواسم التي مرت على مصر في زراعة القمح، خاصة الكميات التي ورَّدها الفلاحون لوزارة التموين بشكل مباشر.

وتحقيقا للعدالة الإجتماعية وإنصاف المزارعين الفقراء، عمد باسم عودة إلى تطبيق منظومة القمح التى سمحت باستلام 3.7 مليون طن من المزارعين المصريين، على أن يتسلموا ثمن القمح في أقل من 24 ساعة، وبدعم من الدكتور مرسي إكراما للمزارع المصري، وبدون زحام أمام الشون أو تأخير فى استلام ثمن القمح، في حين كانوا يقفون في السابق أمام شون القمح ثلاثة أيام كاملة، ولا يتقاضون ثمنه إلا بعد عدة أسابيع إن نجحوا أصلا في بيعه للحكومة مباشرة ولم يبيعوه للتجار بثمن بخس!

وبقرار ذكي سدد الوزير عودة ضربة قاتلة للدولة العميقة، بإعلان منع استيراد القمح الأجنبى من أول فبراير/شباط  2013 ولمدة ستة أشهر، قبل موسم حصاد القمح المحلي بشهرين كاملين حتي نهاية موسم الحصاد.

وبما أن مصر تعد أكبر دولة في العالم  تستورد القمح، فقد هز هذا القرار بورصة القمح العالمية، وتسبب في خفض سعر القمح المستورد بواقع 70 دولارا للطن الواحد، مما وفر لميزانية الدولة وقتها أكثر من ملياري جنيه من الميزانية المعتمدة لاستيراد القمح من الخارج؛ لسد الفجوة بين الكمية المنتجة والمطلوبة، فضلًا عن تحقيق هدفين في آن واحد على المستوى الداخلي للدولة:

الهدف الأول: أعطى الفرصة لتفريغ الصوامع المعدنية الحديثة، التي خصصها نظام المخلوع حسني مبارك لتخزين القمح الأجنبي فقط رغم سوء جودته، واستخدمها في تخزين القمح المحلي لتكون أول وآخر مرة يخزن القمح المصري في هذه الصوامع الحديثة، بعد أن كان يُخزَّن في الشون الترابية ويُترك عرضة للحشرات والمطر والشمس غارقا في مياه الصرف الصحي.

 الهدف الثاني:  إغلاق الباب على الفاسدين من التجار؛ بمنع خلط القمح المحلى العالي الجودة بالمستورد الرخيص الفاسد، وهي عملية قذرة معروفة من العهد البائد بـ “تدوير القمح” والتربح من فوارق الأسعار علي النحو الذي حدث الموسم الماضي، إذ استلمت وزارة التموين  مليوني طن من القمح الأجنبي على أنه قمح محلي بعلم الوزير وكذلك رأس النظام الفاسد، ما كبَّد الدولة ملياري جنيه فروق أسعار بين القمح المحلي والأجنبي.

 

السيسي لم ينطق

في المقابل لم ينطق الجنرال عبد الفتاح السيسي بأي كلمة عن الاكتفاء الذاتي من القمح مطلقا طوال فترة حكمه، بل إن وزير تموينه السابق خالد حنفي اعتبر أن كون مصر أكبر مستورد قمح في العالم “نقطة قوة”، وقال : “لا يجب أن يكون عندنا اكتفاء ذاتي من القمح، وليس من مصلحة مصر أن تكتفي ذاتيا من القمح”، وقفز بالاستيراد إلى 12 مليون طن، بزيادة 70 في المئة.

وفي عهد السيسي انتكست المساحات المزروعة بالقمح، وكشف تقرير رسمي صادر عن شؤون المديريات الزراعية على مستوى الجمهورية، التابع لوزارة الزراعة في 2016، عن تراجع بمقدار 500 ألف فدان عن العام السابق بنسبة 16%، وجاء تقرير الجهة نفسها، لعام 2018، كاشفا عن تراجع آخر بلغ 269 ألف فدان عن العام السابق بنسبة 11%.

وفي الموسم الماضي 2017، أعلن خالد حنفي عن استلام 5.2 ملايين طن من المزارعين، ليكشف النائب العام عن توريدات وهمية بنسبة 40% من الكمية وخلط القمح المستورد بالمحلي، وتدخلت مؤسسة الرئاسة التي تدعي محاربة الفساد لغلق الملف، واكتفى النظام بإقالة الوزير بدلا من محاكمته.

وقد أثبتت لجنة برلمانية أن استيراد القمح في خلال الأشهر الستة التي تولى فيها الدكتور باسم عودة وزارة التموين في حكومة الدكتور هشام قنديل كان الأقل في تاريخ استيراد القمح. وكان حنفي قد ادعى توفير 1.8 مليون طن من الأقماح المستوردة، وأنه خفض 30 في المئة من مخصصات الدعم، ولكن اللجنة أثبتت أن استيراد القمح زاد بواقع 4 ملايين طن عما كان عليه الوضع في فترة باسم عودة.

تعهد باسم عودة بدعم من الرئيس مرسي بالاكتفاء الذاتي من القمح في غضون 4 سنوات، وزادت المساحة المزروعة بنسبة 10%، والإنتاجية بنسبة 30%، بحسب إحصاءات وزارة الزراعة الأمريكية.

الرضوخ الأمريكي

وقد شهدت بنفسي وكنت حاضرا اللقاء الذي تم بمقر الوزارة  بين الدكتور باسم عودة وممثل وزارة الزراعة الامريكية بالقاهرة، وهو يقول للدكتور باسم: “هذا قرار خاطىء يتسبب لكم في الكثير من المشاكل، وأنت تحلم إذا فكرت بالوصول لحلم الاكتفاء الذاتي من القمح”.

وكان رد الدكتور عليه: “إنني من شباب ثورة يناير وتعلمت منها أن الأحلام يمكن أن تتحقق، وأنتم يجب أن تعلموا أن مصر بعد الثورة مختلفة تماما عن مصر قبل الثورة، وأنا أشترط عليك وعلى أي دولة تورد لنا القمح ثلاثة شروط كي أفضلها في التوريد”.

وكانت شروط الدكتور باسم هي ( الجودة – السعر- أن توفر لي صوامع للتخزين على أرضها، مع شحن الكميات المطلوبة على دفعات حتى أتمكن من تخزين القمح المحلي بالصوامع، وحتى أنتهي من مشاريع الصوامع الجديدة بالدولة)، وأكد كذلك أنه مضى عهد تخزين القمح المستورد بالصوامع، والمحلي على التراب، وانصرف الرجل مصدومًا من رد الدكتور، وبعد يوم اتصل بالوزير وقال: “لقد وافقت الحكومة الأمريكية على الشروط الثلاثة”.

وأوقف استيراد مليون طن في موسم الحصاد، ولم تزد فاتورة الاستيراد في عهده عن سبعة ملايين طن.

وفي أحد حقول القمح بقرية بنجر السكر، التابعة لمحافظة الإسكندرية، افتتح مرسي موسم حصاد القمح وقال بين المزارعين “الفلاح المصري في عين الشعب المصري، ننتج حتى لا يتحكم فينا أحد، من يريد أن يكون عنده إرادة.. لازم ينتج غذاءه”.

باسم عودة مع المندوب الأمريكي
صوامع القمح

اعتمد الدكتور باسم خطة وميزانية من الحكومة لإنشاء عدد من الصوامع الضخمة بأكثر المحافظات انتاحية لمحصول القمح، وافتتح بالفعل عددًا من الصوامع التي أنشئت.

وكشف حادث انهيار صومعة قمح قبل فترة قريبة عن أن تكلفة إنشاء الصومعة بلغت 20 مليون جنيه، وهو مبلغ كبير لإنشاء صومعة صغيرة سعتها التخزينية 5 آلاف طن فقط، بينما في الفترة التي تولى فيها الدكتور باسم عودة وزارة التموين، كانت تكلفة إنشاء الصومعة التي تصل سعتها إلى 60 ألف طن لا تزيد عن 80 مليون جنيه، وبعد الانقلاب تدخلت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في الإشراف على مشروع إنشاء الصوامع وزادت التكلفة إلى 180 مليون جنيه، ثم تضاعفت التكلفة بعد ذلك.

الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تشرف على إنشاء الصوامع من دون خبرة سابقة، وبالأمر المباشر، ومن دون إشراف من مكتب استشاري مستقل، وفي مناخ غابت عنه الشفافية ومبدأ المحاسبة، ومن ثَمَّ فإن انهيار صوامع القمح سوف يتكرر.

تطوير الشون الترابية

في عهد الرئيس مرسى، اعتمد الوزير عودة اتفاقًا مع شركة (المقاولون العرب) لتطوير جميع الشون الترابية المكشوفة، حتى تكون جميع الشون خرسانية ومظللة مما ترتب عليه توفير ما يقرب من 20% من إجمالي القمع المخزن بها، كان يُهدر بسبب الخلط بالتراب وعبث الطيور.

زيت التموين عالي الجودة

– منع باسم عودة خلط زيت التموين بزيت الصويا الرديء، وأوقف استيراد “كواسح” الزيت وأصر على توفير زيت “عباد الشمس” النقي من دون خلط وبسعر 3 جنيهات للمواطن، ولا تزيد تكلفته على الدولة عن 9 جنيهات بدلا من 12 جنيه للتر، وهو الإنجاز الذي أشار إليه للقاضي في المحاكمة التي ظهرت في وسائل الإعلام.

– كما تشدد فى مواصفات الأرز التموينى، ورفض استلام الأنواع المكسرة أو استيراد الأرز الفلبيني الرديء، وهو ما يعمد إليه النظام الحالي دون مراعاة لذوقيات المواطن المصري الذي تعود تناول أرز بلاده الجيد.

– أوقف عودة كذلك تسليم السكر بوزن 800 غرام، وأصر على أن يكون وزن العبوة 1000 غرام كاملة دون غش المواطن، ودشن مبادرة أفضل منتج لأكرم شعب.

إضافة المواليد

– قرر وزير التموين باسم عودة في حكومة الرئيس محمد مرسي، إضافة الأطفال من مواليد سنة 2005 حتى 2011 إلى منظومة البطاقات التموينية، وعددهم 5 ملايين طفل، والبدء في صرف السلع التموينية المقررة لهم اعتبارًا من أول يوليو/تموز 2013 وتدبير المبلغ في الموازنة العامة للسنة المالية 2013/2014، وأُلغي القرار بعد الانقلاب مباشرة.

– باشر الوزير عودة تنقية منظومة الدعم من المتوفين والمكررين والمسافرين للخارج فقط، ودون حذف أي فئة أخرى من المنظومة كما يفعل النظام الآن، وهو الإجراء الذي وفر  ملياري جنيه، بحسب بيانات الموازنة العامة للدولة لسنة 2013/ 2014.

– طلب عودة من رئيس الحكومة، الدكتور هشام قنديل، أن تعود قيمة وفورات الدعم إلى المستحقين في منظومة البطاقات التموينية في صورة سلع غذائية إضافية أو زيادة كمية السلع الموجودة في المنظومة، ووافق رئيس الحكومة.

سلع تموينية مجانية بمناسبة شهر رمضان

قبل شهر رمضان بأيام أعلن باسم عودة عن مبادرة لتوزيع السلع التموينية فى الشهر الكريم بنصف ثمنها وتقديم سلع مجانية من المكرونة والفول كسلع إضافية على البطاقة التموينية بدون مقابل وبتشجيع من الدكتور مرسي، وهي المبادرة التي لم تر النور بسبب الانقلاب العسكري الذي وقع قبل أيام من الشهر الفضيل.

ويذكر كاتب هذه السطور مكالمة هاتفية بين الرئيس مرسي والوزير عودة، وخلالها سأل الرئيس مرسي: ماذا تقدمون للفقير في هذا الشهر الفضيل؟ وأجاب الدكتور باسم: لدينا مبادرة (أفضل منتج لأكرم شعب)، وفيها نقدم تخفيضات على جميع السلع التموينية تبلغ 20 في المئة، في الأسواق التابعة لوزارة التموين.

قال الرئيس مرسي: “مش كفاية يا دكتور، نريد ألا يحتاج الفقير لأحد في الشهر الفضيل، ابذل ما في وسعك وشوف هتقدر تعمل إيه تاني، لو الحكومة مساعدتكش، لك كل الدعم من رئاسة الجمهورية”.

 

وزير التموين باسم عودة وكاتب هذه السطور

وكشفت مطالبة جبهة الإنقاذ بقيادة الدكتور محمد البرادعي بإقالة الدكتور باسم عودة، رغم النجاحات المتعددة في وزارة التموين، عن أن حملة الهجوم علي الرئيس محمد مرسي لم تكن خوفا من فشله، ولكن خوفا من نجاحه، بتعبير المفكر القبطي رفيق حبيب.

 مشروع أفضل منتج لأكرم شعب

دشَّن الوزير عودة مبادرة تجمع بين المجمعات الاستهلاكية التابعة لدولة والهايبر ماركت التابع للقطاع الخاص؛ لتوفير السلع الأساسية في صورة أسواق متنقلة بتخفيض عن السعر المعلن بقيمة 20% بشكل دائم.

– مشروع آخر كان الوزير عودة بصدد تطبيقه، ويستهدف تحسين الحالة الغذائية والصحية للأطفال داخل الأسرة المصرية، وهو إصدار كروت تموينية ذكية، تُودِع الوزارة من خلالها مبلغ الدعم فيها بحسب عدد الأطفال في الأسرة، ثم يُخصص جزء من هذا المبلغ لأغذية الأطفال فقط، مثل البيض واللبن المدعم بالفيتامينات والحديد.

هذا المبلغ المشروط لا يستطيع رب الأسرة استخدامه في شراء سلع أخرى مثل السجائر أو غيرها، لكن توقف المشروع بسبب الانقلاب العسكري ورفض الوزير الاستمرار في الوزارة، وألغيت قرارات عودة بعد الانقلاب مباشرة.

الوزير باسم عودة يتابع مبادرة أفضل منتج لأكرم شعب
توفير أسطوانة البوتاجاز

وفي ملف أسطوانة البوتاجاز، بذل “باسم عودة” وبدعم من الدكتور مرسي بطبيعة الحال، جهدا خارقا في بناء مخزون استراتيجي من هذه السلعة الحيوية يكفي البلاد طول فصل الشتاء وتوفير الإسطوانة للأسرة المصرية، خاصة في محافظات الصعيد المحرومة، بوزن 12.5 كيلو غرام غاز وبالسعر الرسمي، وأوقف التلاعب بوزن الأسطوانة التى كانت تصل إلى نصف وزنها لتنفد الأسطوانة بعد أسبوع واحد من الشراء.

ووفر عودة للمصريين سبعة مليارات جنيها كانت تهدر فى السوق السوداء للبوتاجاز، وللمرة الأولى يمر شتاء على المصريين من دون طوابير بوتاجاز وسقوط قتلى فيه.

وحل عودة مشكلة مصانع الطوب ومزارع الدواجن التي كانت تستخدم الاسطوانات المنزلية، وذلك عبر عمل عقود توريد بينهم وبين شركة بوتجازكو؛ بتوريد الشركة  الاسطوانات التجارية للمصانع والمزارع بالسعر الرسمي بشكل مؤقت، حتى يتسنى للمصانع والمزارعين إدخال الغاز الطبيعي إلى مصانعهم ومزارعهم، وقد حصل الدكتور باسم لهم على قرار من وزير البترول بتقسيط الرسوم، بشرط ألا يستعملوا الاسطوانات المنزلية بشكل نهائي.

وكدليل على هذا الإنجاز غير المسبوق،ارتفع سعر الأسطوانة في أول شتاء يلي الانقلاب إلى عشرة أضعاف سعرها في عهد باسم عودة، واختفت تماما من محافظات الصعيد لأسابيع عدة.

محاربة مافيا تهريب وسرقة البنزين والمنتجات البترولية

جهَّز الوزير باسم عودة عرض غرافيك بجميع نقاط التهريب بموانئ مصر وأسماء القائمين عليها من المدنيين ورجال الشرطة والجيش، وعرض الملف بمجلس الوزراء بحضور ممثل عن وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وطالب الدكتور باسم وزارتي الدفاع والداخلية بالقبض على المهربين من المدنيين وضباط شرطة وقوات مسلحة.

ولا ينسى كاتب هذه السطور تعليق اللواء ممثل وزارة الدفاع بعد انتهاء الدكتور باسم من العرض، إذ قال في توتر وانزعاج شديد: “كنت أعلم أن الدكتور باسم وزير تموين ناجح جدا، ولكن الآن بعد حصوله على تلك المعلومات الحساسة والمهمة، أثبت لي أنه رجل مخابرات محترف”.

قضى الوزير باسم عودة الليالي الطويلة في القاهرة والمحافظات المحيطة، يحارب أصحاب محطات الوقود الفاسدين، والمهربين والمخربين بإلقاء السولار والبنزين المدعوم في الصحاري والمصارف، ونجح في القضاء على هذه المافيا حتى الشهر الذي سبق الانقلاب العسكري الذي شهد تكاتف الدولة العميقة مع المخابرات في تفاقم أزمة البنزين لتسهيل الانقلاب على الدكتور محمد مرسي.

 

 القوي الأمين

– رفض الدكتور باسم بشكل نهائي وقطعي صرف أي بدلات أو مكافأة حضور الاجتماعات أو اللجان أو مجالس إدارات الهيئات التابعة للوزارة، وهو أمر متعارف عليه وقانوني بجميع الوزارات، وأي بدل كان يتبرع به لصندوق العاملين بالوزارة، وحرص على صرف  مكافأة منه لمفتشي التموين الأكفاء في العمل، وكانت قيمة أحد هذه البدلات هو 300 ألف جنيه، ورفضها بالكامل وتبرع بالمبلغ كما هو مقرر من قبل لصندوق العاملين بالوزارة.

– في محافظة البحيرة، قتل اثنان من مفتشي التموين، فأصر الدكتور على السفر فورا إلى هناك رغم كل التحذيرات من وزير الداخلية ومدير أمن البحيرة والمحافظ بعدم الحضور، وقدَّم واجب العزاء لأسرتي المتوفين، وتعهد بعدم مغادرة المحافظة إلى أن يُقبض على الجناة، وهو ما حدث بالفعل بعد ضغط كبير من الوزير على مدير الأمن.

الوزير باسم عودة يؤدي صلاة الجنازة في البحيرة عقب مقتل مفتشي تموين

 

كما قرر صرف منحة عاجلة لكل أسرة من أسرتي المفتشين قدرها 15 ألف جنيه، وطلب من المحافظ صرف مبلغ مماثل، وحدث بالفعل، وقرر تعيين أحد أبنائهم بالوزارة، وتحدث مع وزير السياحة لتوفير رحلة حج لزوجتيهما على نفقة الوزارة، وأصدر قرارا بأن يكون يوم وفاتهما هو يوم الوفاء بالوزارة، وعمل لوحة شرف لهما بمدخل البوابة الرئيسية بديوان عام الوزارة.

مع عامل بوفيه مكتب الوزير

– في يوم وصل الدكتور للوزارة، وكان من عادة عامل البوفيه بمكتب الوزير “عم سعد”، عند وصول الوزير أن يجري مسرعا لفتح باب المِصعد (الأسانسير)، وهو واقف انتباه، وكان الدكتور باسم يعامله باحترام ولطف شديدين .

وفي يوم وقف الدكتور أمام كل القيادات بالوزارة، وقال له: “فيه أي حد في الوزارة مزعلك يا عم سعد؟ كله إلا عم سعد”.

وبعد أن دخل الوزير المكتب، انفجر عم سعد بالبكاء وأنا أخذته إلى داخل المكتب وسألته عن سبب البكاء؛ فقال لي: كنت في بعض الأيام أنظِّف وأرتب مكتب مدير الوزير، ورنّ جرس التليفون، وبدون قصد مني وقعت السماعة، وسمعت شخصًا يتحدث فرددت عليه؛ فقال:  من معي؟ قلت: أنا سعد! 

فقال لي: سعد مين؟ أنا الوزير! أنت إزاي ترد عليّا!

 فارتبكت وقلت له: آسف؛ فأغلق الخط في وجهي، وأرسل الحرس وأخذوني إلى مكتب الوزير، وصفعني الوزير بالقلم وضربني بالشلوت، وقال لي: أنت إزاي ترد عليَّا يا ابن الكلب! وخرجت أجري مسرعا من مكتبه إلى خارج الوزارة، وجلست بالبيت خائفا أيامًا؛ فتذكرت هذا الموقف وموقف الدكتور معي الآن، وكيف يعاملني بحب واحترام ورحمة فتأثرت وبكيت.

– في إحدى الجولات بمحافظة المنيا قابلتنا سيدة من الأهالي وهي تبكي وتقول له يا سيادة الوزير بيعطوني ب50 قرشا عيش وأنا عندي 5 عيال وعاوزه اخذ بجنية وصاحب الفرن مش راضي، فورا أمر الوزير مدير مكتب التموين بصرف خبز لها ب1.5ج بشكل يومي، وعندما ركبت معه السيارة بكى الدكتور وقال لي الناس لا تريد غير الستر فقط.

 

– كان الوزير يعمل أكثر من 16 ساعة باليوم مما جعلني أقسم فريق مكتب الوزير إلى فترتين (شِفتين) صباحي ومسائي، وأنا والوزير كنا نأتي للوزارة من السابعة صباحا حتى الواحدة صباحا.

عندما كنت أذكره ليرتاح قليلا أو يأخذ وقت لتناول الطعام، كان يقول لي: “من نعمة ربنا علينا أنه كلفنا بخدمة الناس واحنا لسه شباب وأنا عاوز استغل كل دقيقة في خدمة الناس ولو حسيت في أي وقت أني لا أستطيع تقديم الجديد للناس سوف أقدم استقالتي فورا“.

– وهناك الكثير والكثير من المواقف الإنسانية التي حدثت أثناء القيام بالجولات بين جميع محافظات مصر.

 وزارة التموين مع بداية العمل بها

– أزمات بكل الخدمات المقدمة للمواطن (أزمة خبر – أزمة بوتاجاز – أزمة بنزين وسولار- نقص في سلع تمونية وفقدان الجودة بها – فساد مستشرٍ في كل هيئات وقطاعات الوزارة).

– وزارة مهمة كوزارة التموين كانت تدار بطريقة الجزر المنعزلة، فكل إدارة ليس لها علاقة بالأخرى إذ لم يحدث اجتماع بينهم بحضور كل القطاعات، إلا بعد تولي باسم عودة للوزارة.

– لم يجتمع جميع وكلاء الوزارة بجميع المحافظات لتنسيق العمل بينهم والعمل على استراتجية عمل موحدة، والاستماع لهم والعمل على حل كل المشاكل التي تواجههم لتحقيق الأهداف المطلوبة، إلا بعد تولي عودة للوزارة.

– اجتماع لجنة البرامج وهي اللجنة المسؤولة عن إدارة ملف القمح في مصر، ويتم تشكيلها من ممثلين بوزارات: التموين والزراعة والاستثمار والنقل والصحة والداخلية والدفاع، كانت لا تعقد بوزارة التموين ولا برئاسة الوزير، مما كان يفتح بابا كبيرا للفساد في أهم ملفات الدعم، وهذا ما رفضه الدكتور عودة، وقال: “نحن المسؤولون عن ملف القمح المدعم في مصر، ويجب أن يكون الاجتماع عندنا وبرئاسة الوزير شخصيا، وكان لهذا أثرٌ كبير على ضبط منظومة القمح”.

 

– قواعد البيانات بالوزارة كانت غير مكتملة وغير منقاه، مما تسبب في إهدار الدعم عن طريق تكرار البطاقات التموينية لشخص غير مستحق بأكثر من مكان وحرمان شخص آخر مستحق من الدعم، ولذلك أنشأنا موقعًا إلكترونيًا يتيح للمواطنين الدخول عليه لتحديث البيانات عن طريق بطاقة الرقم القومي، وكذلك طلب الحصول على بطاقة تموين جديدة، أو حذف نفسه طوعية لعدم استحقاقة للدعم، أو الفصل الاجتماعي، أو إضافة المواليد الجدد دون المعاناة التي كانت تحدث في الطوابير أمام مكاتب التموين.

 – قطاع الرقابة والتوزيع من أهم القطاعات بالوزارة، وهذا القطاع مُترعٌ بالفساد والعشوائية.

– هيئة السلع التموينية، وهي الهيئة المسؤولة عن توفير السلع التموينية بالدولة من قمح لرغيف الخبر فضلًا عن السلع التموينية (سكر- زيت – أرز)، والمفترض أن وزير التموين هو الرئيس المباشر للهيئة ويدير الهيئة نائب الرئيس، كان المبدأ داخل الهيئة: (ادفع علشان تورد أو تستورد باسم الوزارة بغض النظر عن السعر والجودة)، وكان من أهم ملفات النجاح داخل الوزارة خلال عهد باسم عودة هو القضاء على الفساد واستبعاد كل الفاسدين من الهيئة، مما أدى إلى رفع جودة السلع وتوفير مبالغ كبيرة كانت مهدرة من الدعم.

 

وفي النهاية قدَّم الدكتور باسم عودة درسا في الأخلاق، ورفض المشاركة فى حكومة حازم الببلاوي بعد الانقلاب العسكري  على الرئيس الشرعي  الدكتور محمد مرسي، وكنت شاهدًا على اتصال مكتب السيسي بالدكتور باسم، ورفض الدكتور التواصل معه

ورددت على الاتصال، وكان المتصل رئيس المخابرات العامة عباس كامل، وطلب مني أن أوصله بالدكتورباسم؛ لأن السيسي يريد الحديث معه، ثم تلقيت اتصالًا من مجلس الوزراء يطلب مني الطلب نفسه.

ورفض الدكتور باسم التواصل معهم، وقال لي: “السيسي يظن بي أني سوف أخون القسم أمام الرئيس مرسي من أجل منصب زائل”.

وجمع الدكتور باسم أفراد أسرته وقال لهم: “عدم ردي على السيسي هيكون تبعته كبيرة؛ فهل تتحملون معي قالوا نعم نتحمل“؛ ليظل الدكتور باسم عودة صاحب مدرسة وحجة على وزراء التموين السابقين واللاحقين، الذين عجزوا عن توفير العيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لهذا الشعب الكريم رغم قصر المدة التي قضاها وزيرًا للتموين والتي لم تزد عن ستة أشهر فقط.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه