“مِيتة تليق به”

محمد عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر

عاش رجلاً، ومات بطلاً، فكان طبيعياً أن يموت “محمد مهدي عاكف”، “ميتة” تليق به؛ فالرجل التسعيني، لم يتغير أبداً، لم يعط الدنية شاباً، لكي يعطيها كهلاً.

في عهد عبد الناصر، تم سجن الشاب “محمد مهدي عاكف”، لأنه تصرف برجولة، عندما آوى أحد قيادات الجماعة، المطلوب لحكم العسكر، فكان الحكم عليه بالإعدام، وتم الطلب منه أن يقدم من سجنه “طلب استرحام” لعبد الناصر، يشعره بالنشوة و”انتفاخ الذات”، وقدرته على كسر النفوس، وقهر الرجال، لكنه رفض تماماً، ليتم تخفيف الحكم للأشغال الشاقة المؤبدة “من دون طلب”، ثم يموت عبد الناصر ليفرج عنه في عهد السادات أيضاً “من دون طلب”.

“مهدي عاكف”، الذي أصبح مرشداً عاماً لجماعة الإخوان المسلمين، قاد فتحاً في تاريخ الجماعة، عندما قرر أن يفتح حواراً مع الأحزاب السياسية، وذهب لقادة هذه الأحزاب في مقارها، وكان من بينها زيارته لرئيس حزب التجمع “رفعت السعيد”، الذي جعل من هجومه على الإخوان وظيفة، تقربه للسلطة القائمة زلفى.

وقد طلب من شباب الجماعة، ألا ينغلقوا على أنفسهم وأن يشاركوا في الحراك الذي تقوم به القوى المدنية، فقد كان ضد الانكفاء على النفس، ومع خوض قضايا الوطن، واتخذ قراراً مهماً بالإعلان عن نفسه، في وسائل الإعلام بأنه المرشد العام للجماعة!

ثم أقدم على خطوة مهمة، عندما رفض الترشح لمنصبه لدورة جديدة، ليسن سنة حسنة، هي أن يكون هناك المرشد العام السابق، وليس الراحل، ورفض كل المطالب التي رفعت تطالبه بالتراجع عن هذا القرار.

لقد قام الانقلاب العسكري بسجن “مهدي عاكف”، ورفض عبد الفتاح السيسي الإفراج عنه رغم مرضه، ورغم أن حالته الصحية تدهورت إلى حد كبير، وأيضا رغم شيخوخته، فما هي الجريمة التي يمكن أن يرتكبها شخص في سنه، وما هى الخطورة التي يمثلها على أمن البلاد، لتدفع بقائد الانقلاب العسكري إلى الفجور في الخصومة، ويبدو أمام العالم كله، كما هو متجرداً من أي علاقة يمكن أن تربطه بالإنسانية!

لقد تراخت سلطة العسكر في علاجه، وكان مصاباً بالسرطان، وطالب كثيرون الأستاذ “عاكف” بأن يتقدم بكتاب إلى عبد الفتاح السيسي يطلب منه فيه الإفراج الصحي عنه، لكنه رفض بإباء، فتصرف لم يفعله في شبابه، رغم حكم الإعدام، لن يفعله في نهاية عمره.

وفي الحقيقة أن كلاً منهما تصرف بما يليق به: فعبد الفتاح السيسي رفض العفو الصحي عن الرجل، بما يليق بكائن لا يرقب في المصريين إلا ولا ذمة، فماذا تنتظر من قائد عسكري لم يخض معركة عسكرية طيلة حياته، وكانت المعركة الوحيدة التي خاضها ومنح نفسه بسببها رتبة المشير، هي قتل المصريين وإضرام النيران في جثامين القتلى، غير عابئ بحرمة الجسد الإنساني.

وفي المقابل، فقد تصرف “مهدي عاكف” بما يليق به وبتاريخه، وكونه قدوة، لا يجوز له أن يسترحم حاكماً مغتصبا للسلطة، لينجو بنفسه من العذاب.

إنها خاتمة تليق بـ “مهدي عاكف”، الرجل الذي ظل رجلاً حتى النهاية. فلا نامت أعين الجبناء.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه