ميسي والمهاجم الوهمي

 

نادرًا ما تجد لاعب كرة يمتلك المهارة الفردية العالية ويحرص على الوصول للمرمى من الطريق السهل القصير، معظمهم يستعرض مهاراته أولا ثم يفكر في البحث عن المرمى، فيصل إليه – إن وصل – من أطول طريق وأصعبها!!

الأرجنتيني ليونيل ميسي نجم برشلونة الإسباني هو اللاعب الوحيد في العالم الذي يملك المهارة العالية ومع هذا لا يفعل ما يفعله غيره من أصحاب المواهب، فهو لا يستعرض مهاراته، ولا يختال بموهبته، فتجده يقصد الهدف مباشرة، ويصل المرمى من أقصر الطرق وأسهلها..

وميسي رغم موهبته الهائلة وإمكاناته الفردية العديدة، إلا أنه يفضل اللعب في المساحات الواسعة ويقصد المرمى من الطريق القريب، فهو لاعب مباشر، نبوغه ينبع من فرط بساطته، لذا فهو سيد لاعبي العالم الذين يشغلون مركز 10، بل إن شئت قل إنه اللاعب الوحيد في العالم الذي يتقن اللعب في هذا المكان، ويحقق مهامه المطلوبة بحرفية بالغة الدقة..

خلف رأس الحربة:

ولاعب مركز 10 لمن لا يعرف هو اللاعب الذي يلعب خلف رأس الحربة، ويطلق عليه أيضا المهاجم الوهمي، وواجباته تتركز حول أربع مهام أساسية، هي الربط بين خطي الوسط والهجوم، وتمويل المهاجمين بالكرات، وصناعة الأهداف، وإحرازها، ويمكن أن تضاف إليهم بعض المهام الأخرى طبقا لقدرة كل لاعب على فعلها، مثل التسديد القوي، والتهديف من الضربات الثابتة القريبة من مرمى المنافس، والتسديد الناجح لضربات الجزاء، وتزيد أهمية لاعب هذا المركز وقيمته السوقية طبقا لقدرته على إنجاز هذه المهام، فمن يستطيع أن يفعلها كلها يصبح “ميسي” أما من يفعل بعضها فهو بين باقي اللاعبين أمثال نيمار وهازارد ومبابي وكوتينيو وخميس وغريزمان وراشفورد، وغيرهم..

ولاعب مركز 10 هو صاحب أعلى قيمة سوقية، فطبقا لموقع ترانسفير ماركت تجد من بين أغلى عشرة لاعبين على مستوى العالم هناك ستة يلعبون بهذا المركز، يأتي خلفهم لاعبو الهجوم، هذا بالرغم من أن المهاجمين في الغالب ما يكونون الأكثر شعبية والأعلى مكانة بفرقهم..

وإذا كانت الفرق المختلفة تذخر بالعديد من النجوم المؤثرين الذين يكون لهم الدور الأول في تحقيق أي إنجازات، إلا أن لاعب مركز 10 يظل هو الرقم الأهم في فريقه، فعليه يتوقف مستوى أداء الفريق بالكامل، يرتفع إذا كان حاضرا وفي الفورمة، وينخفض إذا كان غائبا أو بعيدا عن مستواه، والذي شاهد مباراة برشلونة أمام أتلتيك بلباو في افتتاح الدوري الإسباني والتي خسرها الفريق الكتالوني بهدف نظيف، شاهد بنفسه كيف تأثر أداء برشلونة بغياب ميسي، فعلى مدار تسعين دقيقة لم تظهر لبرشلونة خطورة حقيقية على مرمى مضيفه، بل لم نر برشلونة الذي نعهده أصلا، هذا طبعا لا يعني أن غياب ميسي عن تلك المباراة هو الذي أدى للهزيمة، فكثير من المباريات شارك فيها ميسي وخسرها البارسا، لكن ما قصدته هنا هو أن وجوده بالتشكيل حتى في حالة الخسارة، يعطى طعما وشكلا وروحا للفريق، عكس الحال في غيابه حيث نرى الفريق كما رأيناه أمام أتلتيك بلباو، شلل هجومي، وعجز تام عن اختراق دفاع المنافس، بالرغم من مشاركة لاعب كبير بحجم غريزمان- أغلى صفقات الموسم حتى الآن- والذي يلعب في نفس المركز..

ظاهرة:

نعم ميسي ظاهرة كروية لا تتكرر كثيرا ومن الصعب مقارنته بأي لاعب أخر، بل ربما يكون من الخطأ القياس عليه للحكم على أقرانه من اللاعبين، لكن ما أردت التأكيد عليه هنا هو انضباطه التكتيكي وليس مهارته، فقيمة ميسي الحقيقية تتمثل في انضباطه تكتيكيا والتزامه الحرفي بالواجبات والمهام المكلف بها أكثر من تمتعه بالموهبة، فانضباطه التكتيكي أمر يندر أن تجده في اللاعبين أصحاب المواهب العالية، فمعظمهم تغرهم مواهبهم، فيتعالون على زملائهم ويرفضون الانصياع لتعليمات مدربيهم، فيكون الفريق في واد وهم في واد أخر، وجل اللاعبين ممن يملكون الموهبة والذين هم في الأغلب يشغلون مركز 10 تجدهم لا يلتزمون بأداء المهام المطلوبة منهم بنفس التزام ميسي، معظمهم يميل للأنانية واستعراض المهارات، فتجدهم مشغولين بكيفية انتزاع أهات الجماهير على حساب الأداء الجماعي، وكثير منهم تراه ينافس زملاءه المهاجمين على إحراز الأهداف بالرغم من أن وظيفته الرئيسية هي تهيئة الكرات وتمريرها إليهم لإحراز الأهداف، أما ميسي فيؤثر مصلحة فريقه على نفسه، وهذا هو السر في نجاحه الكبير واستمراره بالملاعب حتى الآن.. معظم أصحاب المواهب عمرهم قصير بالملاعب، إلا ميسي الذي مازال يمتعنا حتى الآن.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه