مع القرضاوي (4).. كواليس كتابة كتاب الإخوان المسلمون سبعون عاما!!

 

 

بدأت العمل مع شيخنا القرضاوي، وكان أول كتاب عملنا فيه، هو كتاب: الإخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة والتربية والجهاد، فوجئت بقصاصات على مكتب الشيخ، فيها عناوين ومحاور، فسألته: ما هذا يا مولانا؟ فقال: أنا أكتب كتابا بمناسبة مرور (70) عاما على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وقد اتصل بي الحاج مصطفى مشهور مرشد الإخوان آنذاك، يستحثني على إنهاء الكتاب، وقال: ليتك تعجل به، فالناس تنتظر كلمتك وكتابتك أنت تحديدا.

سبب تأليف القرضاوي للكتاب:

وقد حفز القرضاوي على كتابة الكتاب: أنه شاهد لقاءً على قناة (الجزيرة) في برنامج (الاتجاه المعاكس)، للدكتور فيصل القاسم، استضاف فيه المرحوم الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي، أحد كبار قيادات الإخوان التاريخية، وأحد أعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان، والذي أوكل إليه الشيخ حسن البنا ملف التواصل مع الحركات النضالية في شمال إفريقيا ضد الاستعمار، وكان الطرف المقابل له هو: اللواء فؤاد علام وكيل جهاز أمن الدولة سابقا، وفؤاد علام معروف بعدائه للإخوان، بل ومتهم بتعذيب المرحوم كمال السنانيري حتى الموت، ولذا كان يلقب بـ (ملك التعذيب).

والعجيب أن نقاشا دار في الصحف المصرية قبل ثورة يناير بسنوات قليلة، كشف فيها المستشار علي جريشة رحمه الله، وهو رمز إخواني كبير، أن فؤاد علام بعد خروجه من الخدمة طلب من جريشة أن يسعى له في فرصة عمل في الخليج، وبالفعل حاول جريشة، ورد عليه بما نشره المصري اليوم آنذاك: يبدو يا أخ فؤاد إن سمعتك عند الناس مش كويسة، فلم أستطع أن أوفق لك في فرصة عمل!!

كان لقاء (الاتجاه المعاكس) والذي دار عن الإخوان المسلمين، في صيف 1998م، حافزا للقرضاوي لكتابة الكتاب، وذكرى مرور (70) عاما على تأسيس الجماعة، ومرور (50) عاما على وفاة المؤسس حسن البنا رحمه الله، ووجود موضوعات طرحت في البرنامج والإعلام وقتها، لم يجب عنها توفيق الشاوي، بحكم وضعه الصحي، وسنه.

قسم الشيخ كتابه، إلى أبواب تناول فيها فكر الإخوان ومنهجهم، وما قدمته الجماعة من جهود للأمة والعالم الإسلامي والإنساني، وناقش الشبهات التي تثار حول الجماعة، ورد عليها ردا متوسطا بين الإسهاب والإيجاز، يفي بالغرض، ولن أعرض لما في الكتاب من تناول، ولكني أتناول ما لم يكتب في الكتاب، من معلومات حوله، وتفاصيل تكمل الصورة حوله.

كان لحسن حظي أن بدأت عملي مع الشيخ بكتاب عن الإخوان، وعن فكرهم وتاريخهم، فهذا الملف أتقنه جيدا، وأعرف جل تفاصيله وتاريخه، حيث أمتلك أرشيفا تاريخيا وعلميا هائلا عن الجماعة، والشيخ يعلم ذلك، قام الشيخ كعادته في الكتابة بوضع عناصر للكتاب في ورقات صغيرة، ثم بدأ يكتب فصول وأبواب الكتاب، مستعينا بمن يساعد في بعض المعلومات، خاصة في جانب الرد على الشبهات، فقد احتاج الشيخ إلى إحصاءات معاصرة عن موقف الإخوان من العنف، والأقباط، وقد أمده بهذه المعلومات والبيانات بعض الإخوان في أوروبا ومصر.

غلاف كتاب الاخوان المسلمون مكتبة وهبة
مفاوضات حول عبارة:

بعد أن انتهى القرضاوي من كتابة الكتاب، كعادته – أيضا – يعطي الكتاب قبل طباعته الطباعة النهائية، لبعض أهل التخصص أو المهتمين بالموضوع، كي ينظروا فيه نظرة نقدية، من باب النقد أو الإضافة، وقد أعطاه لبعض المهتمين بشأن الإخوان، وكان من هؤلاء: الدكتور عصام البشير أحد أقرب تلامذة الشيخ إليه، وممن عاصروا الشيخ سنوات طويلة في العمل الإسلامي في أوروبا وغيرها، وكان وقتها أستاذا زائرا في كلية الشريعة جامعة قطر في هذا الوقت، وعند قراءة مقدمة الكتاب، فوجئ بعبارة كتبها الشيخ عن علاقته بالإخوان، وهي قوله: (ولقد نشأت في جماعة الإخوان ثم بعد ذلك نضجت واستقللت).

وكان الدكتور أشرف عبد الغفار يزور الدوحة، والتقاه البشير وأخبره بالجملة التي في مقدمة الكتاب، وجاءا لمكتب الشيخ، وجلسا معي، وجلس ثلاثتنا، نتكلم حول قيمة كتاب الشيخ وأهميته، ولكن للأسف دفعنا وقتها تحيزنا للتنظيم، أن نطلب من الشيخ أن يحذف هذه العبارة، أو أن يعدلها.

اتفقنا أن ندخل لنتفاهم مع الشيخ حول العبارة، وبدأت بالحديث حسب الاتفاق، يا مولانا: الكتاب ممتاز جدا، لكن فيه عبارة ستجعل الإخوان يرمونه بعيدا، وربما يمزقونه، قال: لم؟! قلنا: عبارة أنك كنت في الإخوان ثم نضجت واستقللت، توحي بأن من يبقى في الجماعة هو غير الناضح وغير المستقل، ثم قلت له: يعني احنا بهايم من يتركنا فقط هم الفاهمون والمستقلون؟! فقال: أنا تركت التنظيم منذ عشر سنوات، فهل في إعلاني ذلك ما يضير الجماعة في شيء؟!

في الحقيقة كان ثلاثتنا نحرص بحكم معرفتنا بالتنظيم على أن يقرأ كتاب الشيخ، ونعرف عقليات البعض، فقال الشيخ: وماذا تقترحون؟ فكرنا، واقترح البشير هذه العبارة: (ولقد نشأت في الإخوان ثم نضجت واستقللت في العلم والفكر)، فقبل بها الشيخ، وقال: لا مانع، فقال: اكتبها يا عصام، قلت له يا مولانا: لا يكتبها إلا حضرتك، فكتبها، وقلت مازحا: والإخوان ليس عندها أي مانع، أن تكون في العلم أبو حنيفة، أو الفكر أبو حامد الغزالي. ولكن الشيخ صاغها بصيغة أفضل مما اقترحنا، فكتبها كما يلي: (لكني لا أتنكر لدعوة الإخوان، ولا أجحد أني نشأت في ظلها، وتعلمت من إمامها وإخوانه وتلاميذه، وصهرت في بوتقتها حتى نضجت واستقللت في العلم والفكر).

د. أشرف عبد الغفار
اقتباس البنا:

طلب الشيخ أن أقرأ الكتاب، ولو رأيت موضعا لنصوص من الوثائق والدوريات التي لدي، أن أقترحه، وفعلا أقترحت في مواضع معينة، وقد ذكر ذلك الشيخ في الكتاب، في موضعين أن من أمده بهذه المادة هو العبد الفقير. وكان هناك نص ثالث، أعطيته للشيخ، وأعجب به، كان النص عبارة عن ورقة يطبعها الإمام حسن البنا على غلاف مجلة الإخوان سنة 1932م، بعنوان: عقيدتنا، أعتقد، وأتعهد. وقد كتب أحد الإخوان خطابا للبنا، يخبره أنه أعطى الورقة للبروفيسور رينان، وأعجب بها، وكتب حولها مقالا، فلم يكذب خبرا البنا، وكتب مقالا في افتتاحية مجلة الإخوان بعنوان: (عقيدة الإخوان المسلمين عند رينان)، فاقتبس الشيخ من مقال البنا عن مقال رينان.

وكان الشيخ في هذا الوقت، على تواصل مع الباحث الدكتور ثابت عيد في سويسرا، صاحب كتاب: (الإسلام في عيون السويسريين)، فدار حديث بينهما عن مقال رينان عن الإخوان المسلمين، فقال له ثابت عيد: كيف يكون إرنسنت رينان حيا، وقد التقى بالإمام محمد عبده وتناقشا، وهو من جيل محمد عبده، لقد مات قبل تأسيس الإخوان بسنوات طويلة، عندئذ حذف الشيخ الفقرة التي عن رينان، وقال لي: عصام هذا خطأ علمي كبير وقع فيه الأستاذ البنا، إذ كيف لم يستوثق من الأمر؟ ولم يراجع المعلومة؟

وسكت وقتها، ولكني بعد طبع الكتاب، راجعت كتاب: (مذكرات الدعوة والداعية) لحسن البنا، فوجدته يتحدث عن مقال رينان، واستدرك قائلا: ويبدو أن رينان كاتب المقال هو حفيد رينان المستشرق المعروف، وللحقيقة العلمية: بين مقال البنا القديم المكتوب سنة 1934م، ومذكراته المكتوبة سنة 1947م، مدة يبدو أن أحدا راجعه في المعلومة، ولكن بعد نشر الكتاب، ذكرت ذلك للشيخ، فقال: نعم، هكذا يستقيم الأمر.

من المقالات المهمة التي استشهد بها القرضاوي في كتابه، مقال للأستاذ صلاح عيسى، كان عنوانه: حسن البنا لا عنف ولا تزمت، نشر في جريدة الشرق القطرية، نفى عن البنا العنف والدموية، الذي يتهم بهما، وذكر تفاصيل مهمة حول التنظيم الخاص لجماعة الإخوان، وكان كلامه منصفا، ولذا وضع القرضاوي المقال كاملا في الكتاب لأهميته، لأنه صادر عن كاتب لا يتهم بمحاباة الإخوان.

الكاتب اليساري صلاح عيسى
ما فعله فؤاد علام

بعد انتهاء الكتاب، أرسلناه لناشر كتب الشيخ، الحاج وهبة حسن وهبة رحمه الله، صاحب مكتبة (وهبة)، صاحب نصيب الأسد في كتب الشيخ، وبينهما علاقة نشأت منذ شبابهما، سيأتي حديثي عنها إن شاء الله في موضعها، وطبع الكتاب، وجاءت أولى نسخه، وكنت في مكتبة وهبة مع الحاج وهبة رحمه الله، فقال لي: والله يا ابني لو حكيت لك ما فعله معي المجرم فؤاد علام لشاب شعر رأسك، وما فعله مع غيري من التعذيب والتنكيل.

ثم قال الحاج وهبة وقد أمسك الكتاب، قبل أن يضع سعره: بأي سعر تقترح أن نبيع الكتاب؟ فقلت له: لو جعلت سعره (12) جنيها يكون جيدا، فقال: سأبيعه بـ (10) جنيهات فقط، إكراما للإخوان، ولأستاذي حسن البنا وللشيخ القرضاوي، وذلك حتى ينتشر الكتاب، وبالفعل اشترى الإخوان كمية منه لتوزيعه، وبيعه في مكتباتهم.

أثناء كتابة الكتاب، حدثت طرفة مع أحد متعصبي قيادات الإخوان المصريين في قطر، فقد طلب مني الشيخ أن أتفرغ من عملي الإخواني هذه الفترة لإنهاء كتاب الإخوان، فاعتذرت لمدة شهر عن هذه الأنشطة، وفي أثناء ذلك، كانت هناك دعوة في منزل الشيخ عبد المعز عبد الستار رحمه الله – وهو أحد المقربين من حسن البنا، وأستاذ الشيخ القرضاوي – في حضور عدد من الإخوان المصريين، فقلت للشيخ: يا مولانا بعض الإخوة يتهمني بالتكاسل والاعتذار، فقال الشيخ: أنا من طلبت منه، وأرجو إعفاءه هذه الفترة فنحن نقوم بعمل كتاب مهم عن الإخوان. فرضي الجميع، عدا واحدا انتحى بي جانبا، وقال لي: يؤسفني أن أقول لك: أنت والشيخ القرضاوي، لا تفهمون في الدعوة. لأن أهم شيء في دعوة الإخوان حضور الأسرة الإخوانية، وعدم الحضور يدل على قصور في الفهم.

بعد فترة حكيت الموقف للشيخ كطرفة، فضحك، وقلت له مازحا: طيب أنا سهل يأتون لي بمن يفهمني الدعوة على حقيقتها، فأنا شاب عمري (25) سنة، سهل يجدوا من يكبرني كي أفهم منه، لكن حضرتك بمن سيأتون لك به كي يقوم معك بهذا الواجب؟!! وهذا التعصب للأسف يضر الجماعة ولا يفيدها، فكتاب يكتبه القرضاوي عن الجماعة أكثر أثرا من مثل هذا اللقاء، لكنه التعصب للشكل دون النظر للجوهر.

الحاج وهبة حسن وهبة

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه