متى يحبسون نقيب الصحفيين المصريين؟!

 

جميل أن يتدخل نقيب الصحفيين المصريين ومجلس نقابته للإصلاح بين محام وبعض الصحف التي تطاولت عليه، والأجمل أن يقرر النقيب تفعيل ميثاق الشرف الصحفي الذي أقسم كل صحفي على احترامه لحظة استلامه بطاقة عضوية النقابة، وساعتها سيتوقف تطاول المتطاولين وتحريضهم ضد أبناء شعبهم، والأجمل من كل ذلك أن يتذكر ضياء رشوان دوما أنه نقيب الصحفيين وليس مندوب النظام لتمرير مظالمه بحق الصحفيين، ومنعهم من التعبير عن تضامنهم مع زملائهم السجناء كما حدث مطلع الأسبوع حين دعا بعض الصحفيين للقاء تضامني مع زملائهم السجناء الذين اعتقلوا مؤخرا (هشام فؤاد- حسام مؤنسن -آية علاء) داخل صحن النقابة (وليس على سلالمها الخارجية التي لطالما احتضنت احتجاجات صحفية وشعبية)، ولكن النقيب طلب وقف ذلك اللقاء التضامني مدعيا أنه سيقوم بواجبه وسيتواصل مع المسؤولين في الدولة لمتابعة حالة الصحفيين السجناء والضغط لإخراجهم، لكنه لم يفعل شيئا سوى أنه نجح في تمرير ذلك اليوم بدون احتجاج، وإن كان هؤلاء الصحفيون عادوا للاحتجاج مجددا داخل صحن النقابة بعد ذلك بيومين.

85 صحفياً

في الوقت الذي يرزح فيه عشرات الصحفيين والصحفيات في السجون المصرية بسبب كتاباتهم الصحفية أو ممارسة حقهم في التعبير عن الرأي فإن نقيب الصحفيين لم يكلف خاطره بزيارة هؤلاء الصحفيين خصوصا من يحملون عضوية النقابة، وهم الذين يوجب قانون النقابة على النقيب حمايتهم والوقوف إلى جانبهم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية وعن الاتهامات الموجهة إليهم، فما بالك وتلك الاتهامات تتعلق بالنشر الصحفي أو التعبير عن الرأي وليست متعلقة بعمليات قتل أو حتى شيكات بلا رصيد.

الحالة المزرية التي وصلت إليها حرية الصحافة في مصر، والعدد الضخم للصحفيين والإعلاميين المحبوسين والذي يتجاوز 85 صحفيا، أضيف إليهم مؤخرا أولئك الصحفيين الثلاثة: هشام فؤاد وحسام مؤنس وآية علاء، هو الذي هبط بمصر إلى قاع سحيق في مؤشر حرية الصحافة في المنطقة السوداء أو المظلمة وفقا لتصنيف منظمة مراسلون بلا حدود واللجنة الدولية لحماية الصحفيين (المركز 163 عالميا).

لم تصل مصر من قبل إلى هذه المكان السحيق سواء في العهد الملكي أو حتى في العهد الناصري أو الساداتي أو حتى المباركي، بل إن حرية الصحافة بلغت عنان السماء بعد ثورة 25 يناير وترسخت في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي رفض أن يحبس صحفيا واحدا في عهده، وتدخل لإصدار تعديل تشريعي لمنع حبس أحد الصحفيين تخصص في سبه وقذفه من أول صفحة حتى آخر صفحة في الصحيفة التي كان يرأس تحريرها، كما أنه أصر على اصطحاب إحدى الصحفيات على طائرته الرئاسية بعد إطلاق سراحها من احتجازها في السودان، وهو الذي أمر الإدارة القانونية برئاسة الجمهورية بسحب ما قدمته من بلاغات ضد الصحفيين المتطاولين عليه مرددا توجيها لكل العاملين معه “فلتتسع صدورنا لتحمل النقد، ولنحتمل بعضنا بعضا، فنحن في تجرية ديمقراطية وليدة، وهذا الانفلات هو أمر عارض وستصحح التجربة نفسها بنفسها).

النقابة التي كانت

كانت نقابة الصحفيين قلعة للحريات في كل العهود السابقة منذ تأسيسها عام 1941، وكانت بيتا للأمة دفاعا عن المظلومين من كل فئات الشعب التي لجأت إلى سلالمها للتعبير عن مظالمها، وكم استضافت في قاعاتها الندوات والمؤتمرات السياسية والثقافية التي عجز أصحابها عن عقدها في أماكن أخرى، لكنها تعرضت للهيمنة عقب انقلاب الثالث من يوليو 2013 وشارك نقباؤها وغالبية أعضاء مجالسها في هذه الجريمة بصمتهم وتبريرهم، وهو ما أغرى النظام باقتحام النقابة لأول مرة في تاريخها مطلع مايو 2016 في عهد النقيب السابق، الذي كان عليه أن يستقيل فورا احتجاجا على تلك الجريمة فلم يفعل، ولذلك تجرأ النظام عليه لاحقا ليوجه له اتهاما و”يجرجره” في أقسام الشرطة ليبيت ليتلتين ثم يحال إلى محكمة تحكم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ، وليظل هذا الحكم سيفا مسلطا على رقبته يمكن أن ينفذ في أي وقت حال تلفيق قضية جديدة له، وما أسهل ذلك.

يشعر الصحفيون وخاصة الذين شهدوا العصر الذهبي للنقابة بالغربة حاليا حين يزورون نقابتهم، ولسان حالهم يردد” ليست هذه هي النقابة التي تربينا فيها وكنا شهودا على حيويتها واحترامها من كل النظم السابقة”” ليست هذه هي النقابة التي كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها حين يحبس صحفي واحد، وتظل في حالة طوارئ نقيبا ومجلسا حتى يفرج عن ذاك الحبيس” “ليست هذه هي النقابة التي كان النظام يحسب لها ألف حساب، والتي أجبرت مبارك في عز جبروته على إلغاء قانون الصحافة سيئ السمعة (القانون 93 لسنة 1995، بعد أن أصدره البرلمان وصدق عليه الرئيس فعلا، وبعد أن قال كلمته الشهيرة (نحن لا نبيع ترمس!).

صمت الصحفيين وتخاذلهم في الدفاع عن زملائهم المحبوسين، وصمتهم على قمع حرية الصحافة بشكل عام لن ينجيهم من الملاحقة، ولن يوفر لهم أمنا ولا أمانا ولا استقرارا وظيفيا، بل إنه يغري النظام بارتكاب المزيد من القمع والإجرام بحقهم، وها نحن نرى النظام يلاحق صحفيين أو صحفيات لا يصنفون كإخوان أو تيار إسلامي بل إن بعضهم كان من ألد أعداء الإخوان، وكانوا من الداعمين والحاشدين لمظاهرات 30 يونيو وممن دعموا انقلاب 3 يوليو، كما أن النظام لم يقصر قمعه على الصحف والقنوات الإسلامية بل تعداها إلى صحف وقنوات مستقلة أوليبرالية أو يسارية، بل إلى قنوات ومواقع مرتبطة به حتى اللحظة لم يسلم العاملون فيها من الضرر، سواء بالاعتقال أو الاحتجاز للبعض أو الفصل والتشريد الجماعي لعشرات الصحفيين كما حدث في صحيفة الدستور والتحرير والبوابة نيوز، وحتى اليوم السابع والمصري اليوم والوطن الخ.

المكان الطبيعي للصحفيين لممارسة حقهم في الاحتجاج على حبس زملائهم وقمع حرية الصحافة هو نقابة الصحفيين، ومن واجب النقيب ومجلس نقابته حماية المحتجين حين يتجمعون، وليس إبلاغ الأمن عنهم، أو طردهم من النقابة، فلو استمر الحال على هذا التردي فلن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي نقول فيه الحرية لضياء رشوان أو أعضاء المجلس حين يتم اعتقالهم ليلحقوا ببقية زملائهم، فهذا نظام ليس لديه عزيز.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه