مأزق الطاقة فى مصر

أصبحت مصر مستوردة للبترول والغاز الطبيعي، ما زاد أعباء الميزان التجاري المصاب بالعجز المزمن، وأعباء دعم الطاقة بالموازنة المصابة أيضا بالعجز المزمن.. يتبع.

ممدوح الولي*

اتسعت الفجوة بين إنتاج النفط في مصر واستهلاكه خلال السنوات الأخيرة، لتصل خلال العام الماضي، حسب بيانات منظمة أوبك، إلى 294 ألف برميل يومي ، كفرق بين إنتاج النفط الخام البالغ 532 ألف برميل في اليوم، والاستهلاك اليومي البالغ 826 ألف برميل.
واستوردت مصر بالعام الماضي كمية من الخام، وكمية أكبر من المنتجات البترولية حيث تستورد المازوت والسولار والبوتاجاز. وكان نظام الانقلاب العسكري قد حصل على كميات من الخام والمشتقات في شكل منح من دول الخليج العربي: السعودية والإمارات والكويت، خلال الشهور التالية لوقوع الانقلاب .
إلا أن تلك الكميات تراجعت وتحولت إلى استيراد كميات من الخام من الكويت بتسهيلات طويلة الأجل في الدفع ، ما يضغط على الميزان التجاري المصري المصاب بالعجز الضخم المزمن والمتزايد .
ويأتي المأزق المصري من مزيج الطاقة غير المتنوع ، والذى يكاد يعتمد فقط على نوعين فقط من الطاقة ، حيث يشير التوزيع النسبي لموارد الطاقة بالعام الماضي إلى استحواذ الغاز الطبيعي على نسبة 50% ، والبترول على نسبة 45% والطاقة الكهرومائية 3.6% ، والفحم 0.8% والطاقة المتجددة بنسبة نصف في المئة.
وظلت مصر تصدر كميات جيدة من الغاز الطبيعي لسنوات، لكن تراجع إنتاجها خلال السنوات الماضية لأسباب ترجع لنضوب آبار، وتوقف الشركات الأجنبية العاملة بمصر عن الاستثمار لتأخر سداد مستحقات لها، ومن ناحية أخرى نمو الاستهلاك المحلى، ما أدى لتراجع كميات التصدير برغم وجود عقود، ووجود محطتين لإسالة الغاز لتصديره .
وهكذا تناقص الإنتاج المصري من الغاز الطبيعي إلى 48.8 مليار متر مكعب العام الماضي، بينما بلغ الاستهلاك المحلى 48 مليار متر مكعب العام الماضي برغم نقص الإنتاج عن العام السابق، ما أدى لاستيراد الغاز للمرة الأولى في أبريل/نيسان من العام الحالي ، وإبرام عقود لاستيراده مسالا خلال السنوات المقبلة، والتفاوض على استيراده بالأنابيب من قبرص وإسرائيل .
وبرغم أن الغاز القطري يعد الأقرب جغرافيا للسوق المصرية، خاصة مع عدم تصدير كل من السعودية والكويت والعراق للغاز الطبيعي، واستيراد كل من الامارات وسلطنة عمان للغاز، فإن الخلاف القطري مع نظام الانقلاب العسكري بمصر، أدى إلى استيراد مصر الغاز من روسيا والجزائر وشركات أوربية.
وكانت كميات  التصدير من الغاز الطبيعي  المصري قد توقفت مع إسرائيل والأردن ، بسبب عمليات تفجير خط الغاز من قبل معارضين بسيناء ، كما انخفضت الكميات الإجمالية من التصدير والذى كان معظمه مسالا، من 18.3 مليار متر مكعب في العام 2009، الى 6.7 مليار متر مكعب بالعام الماضي .
وهكذا تتعدد جوانب مأزق الطاقة في مصر، فحتى تقوم شركات البترول العاملة بمصر بعمليات البحث، لابد من سداد مالها من ديون، بينما هيئة البترول المصرية متخمة بالديون، والموازنة المصرية بها عجز ضخم، كما تطالب تلك الشركات برفع قيمة توريد الغاز، وتهدد الشركات القائمة على محطتي إسالة الغاز، اللتين توقفتا عن التصدير باللجوء للتحكيم الدولي .
ويعتمد توليد الكهرباء بمصر بشكل رئيسي يكاد يتخطى نسبة 90% على  الوقود، وانقطاع الكهرباء يعطى مظهرا شعبيا لفشل النظام الحاكم، ولابد من توفير كل الكميات الضحمة من الوقود الذى تحتاجه محطات توليد الكهرباء، وهو ما تم على حساب الشركات الإنتاجية في مجالات الأسمنت والحديد والسماد والسيراميك وغيرها. والتي أصبحت تعمل بجزء من طاقتها الإنتاجية لنقص الغاز، ما أدى إلى استيراد السماد بعد أن كانت مصر تصدره، وامتد الأثر السلبى لتأخير الوفاء بمتطلبات الشركات الجديدة من الطاقة، وبرغم قيام وزارة الكهرباء بتسعير مخرجات محطات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة خاصة الشمس والرياح، لتقليل الاعتماد على الوقود، إلا أن تنفيذ تلك المحطات يتطلب وقتا.
وإذا كان عدم الوفاء بمتطلبات محطات إنتاج الكهرباء، وما ينجم عنه من نقص بالإنتاج يتسبب في الغضب الشعبي، واتهام النظام الحاكم بالفشل، فإن الأمر نفسه ينطبق على ضرورة توفير كميات الاستهلاك المطلوبة من البنزين والسولار والمازوت، والتي يتم استيراد كميات كبيرة منها، لأن ظهور طوابير السيارات أمام محطات الوقود يعطى انطباعا شعبيا بفشل النظام، والأمر نفسه في حالة نقص اسطوانات الغاز المنزلي الذى يتم استيراد معظم استهلاكه.
ومن ناحية أخرى يلتهم دعم الطاقة نسبة كبيرة من الإنفاق بالموازنة المصابة بالعجز المزمن والمتزايد، ورضخت الحكومة لمطلب صندوق النقد الدولي بخفض دعم الوقود بالعام الماضي، لكنها لم تستطع السير في  استكمال خطتها لخفض دعم الوقود، وأجلت مشروعا لصرف البنزين والسولار بالبطاقا ، كان يهدف لبيعهما بعد ذلك بسعرين: سعر مدعم لكميات محددة، وسعر أعلى للكميات الأكبر من الاستهلاك.
وهكذا تعد أزمة الطاقة من المشاكل الرئيسية التي تواجه الموازنة المصرية، بسبب كبر حجم الدعم والذى نال 62مليار جنيه للمشتقات بموازنة العام المالي الجديد، وتواجه ميزان المدفوعات المصري الذى تحول للعجز  في ظل زيادة قيمة الواردات البترولية.
 وتواجه الأزمة شركات إنتاج الكهرباء حتى ينتظم إنتاجها، كما تواجه المستثمرين الحاليين والمرتقبين، ما دفع الحكومة للتصريح لهم بإنشاء محطات كهرباء خاصة، واستيرادهم لاحتياجاتهم من الغاز الطبيعي .

____________________

*كاتب مصري وخبير اقتصادي
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه