طابور متواصل لضحايا العمالة الزراعية

ومع الكثافة السكانية العالية لا تتوفر وسائل المواصلات الكافية، لذا يتم استخدام سيارات التوك توك ونصف النقل في نقل الأشخاص

             

يوم الثلاثاء 11 من يونيو/حزيران تسبب تصادم سيارة نصف نقل مع سيارة ميكروباص في مصرع 8 فتيات واصابة 14 فتاة، وكل القتلى والمصابين من العمالة الزراعية النسائية، على طريق الحاجر الواصل بين حوش عيسى والدلنجات بمحافظة البحيرة المصرية.

 بعد نزول الميكروباص إلى ترعة الحاجر، تمكن الأهالي من إنقاذ عدد من الفتيات من الغرق ونقلهن للمستشفى، أصدر محافظ البحيرة توجيهاته لمديري التضامن والصحة والأوقاف وحكمدار مديرية الأمن بالتوجه لمستشفى حوش عيسى لتفقد المصابين.

وفى اليوم التالي كانت وزارة الاجتماعي المصرية تحتفل مع منظمة الأغذية والزراعة باليوم العالمي للحد من عمالة الأطفال بالزراعة، من دون أن تذكر رئيسة الادارة المركزية للرعاية الاجتماعية بالوزارة المشاركة بالاحتفال شيئا عن فتيات ترعة الحاجر.

بعد ذلك لقى خمسة عمال زراعيين مصرعهم وأصيب ثلاثة من قرية المنيرة التابعة لمركز القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، إثر حادث تصادم بين سيارة “نصف نقل” محملة بالعمالة الزراعية وأخرى “نقل ثقيل” بطريق القناطر المناشى، وتراوحت أعمار العمال القتلى بين 15 و17 عاما.

وخلال شهور العام الحالي ذكرت المواقع الإخبارية العديد من حوادث الطرق، التي راح ضحيتها العديد من العمالة الزراعية من الذكور والإناث، خاصة بمحافظة البحيرة، منها ثلاث حوادث بالأيام الأخيرة من يناير/كانون الثاني أسفرت عن مصرع 16 وإصابة  61 شخصا.

وفى فبراير/شباط كان هناك أكثر من حادث للعمالة الزراعية بالبحيرة منها مصرع أربع فتيات نتيجة انقلاب سيارة بكوم حمادة، وإصابة ثلاثة عمال في حادث آخر.

وفى مارس/آذار كان هناك أكثر من حادث أسفر أحدها عن إصابة 9 عمال زراعيين بسبب انقلاب سيارتهم بوادي النطرون بحيرة، ووفاة 6 واصابة 32 في حادث آخر بكفر الدوار، وفى أبريل/نيسان أصيب 15 من العمالة الزراعية بسبب انقلاب سيارة نقل تحملهم بوادي النطرون.

استمرار الضحايا منذ سنوات

كما شهدت السنوات الماضية العديد من حوادث الطرق التي راح ضحيتها العديد من العمالة الزراعية، وكان مركز الأرض لحقوق الإنسان قد رصد الحوادث المنشورة بالصحف الخاصة بالعمالة الزراعية، خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2016، ليعلن عن بلوغ عدد ضحاياها 79 عاملا وعاملة زراعية وإصابة 190 آخرين بتلك الحوادث.

 وذكر المركز أن العدد الحقيقي للحوادث بتلك الشهور أكبر من ذلك لعدم اهتمام الصحف بالكثير من حوادث العمالة الزراعية، وجاء بالرصد أن محافظة البحيرة كانت الأولى في عدد الحوادث والضحايا.

ما دفع نادية عبده محافظ البحيرة في يوليو/تموز 2017 للاجتماع بمسؤولي الشركات الاستثمارية الزراعية، العاملة بنطاق المحافظة للتنسيق وتحديد حجم العمالة الزراعية الثابتة والموسمية التي تحتاجها المزارع والشركات، لتوفير وسائل النقل اللازمة لذلك

وفى الشهر التالي وجهت المحافظ الصندوق الاجتماعي للتنمية، لتوفير وسائل نقل مناسبة على أن يتم تمليكها للشباب لنقل العمال من المراكز والقرى الى المزارع، ولم يتم نشر شيء عن التنفيذ للمشروع حتى تركها منصبها.

ويظل السؤال لماذا البحيرة الأكثر عددا للحوادث؟ رغم أنها الخامسة في عدد السكان، بين محافظات مصر السبع والعشرين أي بعد القاهرة والجيزة والشرقية والدقهلية، بعدد 6.4 مليون نسمه في بداية العام الحالي، ذلك أن نسبة 81 % من سكانها يقيمون في الريف مقابل نسبة 19 % يقيمون بالمدن الست عشرة بالمحافظة.

ورغم أنها الثالثة بين محافظات الجمهورية في عدد القرى بنحو 479 قرية، مقابل 509 قرية بالشرقية و498 بالدقهلية، فإن بها 59 وحدة اعتبارية أخرى وهى تجمعات سكانية لم تصدر الجهات المسؤولة القرارات الخاصة باعتبارها قرى بعد، فإذا أضيفت تلك الوحدات لها لأصبحت الأولى في عدد القرى، حيث لا توجد مثل تلك الوحدات الاعتبارية في كل من الشرقية والدقهلية.

  51 % من الطرق ترابية

ورغم بلوغ مساحة البحيرة 9826 كيلو متر، فإن أطوال الطرق المرصوفة بالمحافظة بلغت 8841 كيلو متر، بالإضافة الى 9062 كيلو متر طرق ترابية، أي أن الطرق الترابية تمثل نسبة 51 % من الطرق بها، كما أن غالبية الطرق المرصوفة مفردة أي يتم سير المركبات بها في الاتجاهين من دون فاصل بينهما، لضيق الطريق الذي يستوعب سيارة بكل اتجاه.

ومع الكثافة السكانية العالية لا تتوفر وسائل المواصلات الكافية، لذا يتم استخدام مركبات التوك توك في نقل الأشخاص وكذلك سيارات نصف النقل، وهى السيارات التي تقوم بنقل البضائع والحيوانات بصندوقها الخلفي المكشوف أيضا في أحيان أخرى، الى جانب استخدام البعض العربات المكشوفة التي تجرها الجرارات الزراعية.

ولعل الميزانية المرصودة للطرق بالمحافظة بالعام المالي الحالي تبين صعوبة الإنفاق على صيانة تلك الطرق، حيث بلغت مخصصات مديرية الطرق بالمحافظة 48 مليون جنيه، نصفها لأجور العاملين بالمديرية، ونصفها للمستلزمات الحكومية بالمديرية ومنها صيانة الطرق، ولا شيء للاستثمارات أي للطرق الجديدة.

وربما يقول البعض إن حالة الطرق بالبحيرة ووسائل المواصلات المكشوفة بها، لا يختلف عن حال باقي محافظات الوجه البحري الريفية مثل كفر الشيخ والمنوفية والشرقية، ومحافظات الوجه القبلي مثل الفيوم وبنى سويف والمنيا كمحافظات ريفية بامتياز، فلماذا تزيد نسبة حوادث العمالة الزراعية بالبحيرة عن غيرها؟

وتجيب عن ذلك بيانات وزارة الزارعة الخاصة بالدخل الزراعي بالعام المالي 2016/2017، والتي تنشر بيانات منطقة النوبارية بمفردها رغم كونها تابعة إداريا لمحافظة البحيرة، ففي الدخل الزراعي من القمح تأتى الشرقية في صدارة المحافظات والبحيرة في المركز الثاني، لكنه مع إضافة النوبارية للبحيرة تصبح هى الأولى.

ونفس الأمر بالنسبة للفول حيث كفر الشيخ في الصدارة والبحيرة الثانية، وبإضافة النوبارية تصبح البحيرة الأولى، وفي الذرة الشامية البحيرة الأولى حتى من دون إضافة النوبارية، وفي البطاطس كانت البحيرة الأولى في الدخل الزراعي منه بين المحافظات حتى من دون إضافة النوبارية.

وبأخذ معيار المساحات المنزرعة عام 2016/2017 للخضراوات نجد البحيرة هى الأولى حتى من دون إضافة النوبارية، وبإضافة النوبارية يصبح نصيبهما من إجمالي مساحة الخضراوات في مصر 33% و31 % من الإنتاج.                  

وفى مساحة حدائق الفاكهة تأتى البحيرة في المركز الثاني بعد الإسماعيلية، لكنه بإضافة النوبارية تصبح في المركز الأول بجدارة، وهكذا يمكن تخيل كم يحتاج حجم إنتاج 1.58 مليون طن من الفاكهة بالبحيرة، بالإضافة الى 4.69 مليون طن من الفاكهة من النوبارية، من العمالة الزراعية لجمع الثمار ثم في مرحلة الفرز والتعبئة، وقل الأمر نفسه على الإنتاج البالغ 5.9 مليون طن من الخضر بهما، بخلاف المحاصيل التقليدية، لتتضح مدى الحاجة للعمالة الزراعية كثيرة العدد بالمحافظة.

   شهادات تأمينية للعمالة المنتظمة!

ومع توقع استمرار حوادث الطرق وسقوط ضحايا جدد لبقاء أسبابها مستمرة، وعدم خضوع العمالة الزراعية النسائية لأحكام قانون العمل، يأتي التساؤل عن المساعدات التي توفرها وزارة التضامن الاجتماعي لهؤلاء الضحايا من العمالة الزراعية.

 ويجيب قرار الوزارة الصادر في مارس/آذار الماضي بأن المساعدات في حالة الوفاة تكون عشرة آلاف جنيه، إذا كان المتوفى رب أسرة أو هو العائل الوحيد لها، لكنها تصبح خمسة آلاف جنيه إذا كان المتوفى أحد أفراد الأسرة المُعالين.

وكذلك تتدرج قيمة المساعدات في حالة الاصابة في الحوادث، فهي خمسمئة جنيه إذا كان المصاب قد تم نقله للمستشفى وظل به أكثر من 24 ساعة، وترتفع الى ألف جنيه إذا ظل بالمستشفى سبعة أيام، وتزيد الى ألفى جنيه إذا ظل بالمستشفى 15 يوما فأكثر.

ورغم سداد الشركات والجهات المختلفة المبالغ التأمينية المستحقة عليها عن العمالة الموسمية والمؤقتة، وبلوغ الحصيلة لتلك المبالغ أكثر من 400 مليون جنيه بوزارة التضامن الاجتماعي، فإنه لا يتم إنفاق تلك المبالغ على العمالة الموسمية والمؤقتة لعدم وجود قواعد بيانات خاصة بها.

وكان رأس النظام المصري قد دعا للتأمين على تلك العمالة المؤقتة قبل انتخابات الرئاسة الثانية، وأسفر الأمر عن إصدار شركة مصر لتأمينات الحياة في مارس/آذار من العام الماضي شهادات أمان المصريين، لتلك الشريحة بقيمة خمسمئة جنيه للشهادة التي تستحق بعد ثلاث سنوات، وتعطى لحاملها الحق في صرف تعويض عشرة آلاف جنيه عند الوفاة الطبيعية و50 ألف جنيه عند الوفاة في حادث.

وتسابق عدد من الجهات الرسمية لشراء تلك الشهادات للعاملين بها مثل وزارة البترول والإسكان والقوى العاملة، حتى بلغ عدد الشهادات المباعة 850 ألف شهادة في يوليو/تموز الماضي، ولا يعنى ذلك بلوغ عدد المستفيدين العدد نفسه، حيث يمكن شراء خمس شهادات للفرد كحد أقصى، ما يعنى أن عدد المشترين لها أقل من عدد الشهادات.

لكن الأهم أن وزارة البترول قامت بإجبار العاملين في شركاتها على شراء تلك الشهادات، ومثلها فعلت وزارات أخرى ما يعنى عمليا أنها اتجهت في جانب كبير منها الى العمالة المنتظمة، وليس الى العمالة الموسمية والمؤقتة التي استهدفتها الشهادات أساسا، وهى العمالة التي ذكر وزير القوى العاملة أن عددها يتراوح من 10 إلى 14 مليون عامل! 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه