سامية علي تكتب: الإختلاف الأعمي

لقد امتد التعصب إلى الانتماء السياسي فهذا مؤيد للنظام، وهذا معارض، والسؤال الأدهي الذي يأتيك بدون حسن نية أبداً هو: أنت انتخبت مين؟ يتبع

سامية علي* 

كنت مسافرة إلي نيودلهي عن طريق البحرين، وبعد إقلاع الطائرة بفترة قصيرة تعرض أحد الركاب لأزمة قلبية، وكانت زوجتة تصرخ بشدة. وعلي الفور سألت المضيفة الجوية الركاب إذا كان يوجد طبيب علي متن الطائرة؟ ، فتوجه أحد الأطباء إلى الحالة وبعد فحص الرجل سريعا أخبر المضيفة أنه يجب نقله إلي المستشفي في أقرب وقت لأن حالتة متأخرة.

بعد دقائق أعلن الطيار أن الطائرة سوف تعود إلي مطار البحرين لضمان سلامة الرجل، وبعد ذلك نعاود السفر، وأبدى اعتذاره عن التأخير الذي سوف يحدث للأخرين.

المريض كان مسلما وزوجته كانت ترتدي الحجاب، أما الطبيب فكان هندوسيا والركاب كانوا من مختلف الجنسيات، ولم يتذمر أحد للتأخير؛ رغم أن كل شخص ربما لديه ارتباطات والتزامات بمواعيد محددة، أو أن هناك من ينتظر البعض بالمطار.

لم يسأله الطبيب الذي ذهب إليه مسرعا عن ديانته، ولم تأخذ المضيفة وقتا لتفكر إن كان عليها أن تسأل إذا كان هناك طبيبا علي متن الطائرة أم لا؟  ولم تمنع ديانة المريض الطيار أن يتخذ قرارا بالعودة للمطار ثانية؟ ولم يتذمر الركاب وقتها من التأخير الذي سوف يحدث؟  كل ما كان يفكر فيه الجميع هو سلامة الرجل.

إنها الإنسانية التي جعلت الجميع يتصرف تلقائيا، دون الأخذ في الأسباب بجنسية أو ديانة المريض ، الإنسانية التي غابت عن الكثيرين هذة الأيام .

أتعجب كثيرا من تصنيف البعض للأخر هذا مسلم وهذا مسيحي وهذا هندوسي وهذا يعبد الصرصار! دون التفكير في أن الإنسان حر والحرية ليست حكرا علي أحد دون الأخر ، لو كل إنسان فكر كيف يطور من نفسه ؟ كيف يعمل علي تحسين حاله؟  وكيف يخلق من نفسه إنسانا منتجا غير مستهلك؟ وأن يركز فقط علي حياته الخاصة  وقتها لن يجد وقتا لنقد الأخرين .

علي مدى 7 سنوات كان هناك صديق يرسل لي كل عام تهنئة في “عيد الميلاد المجيد” وأول مرة استغربت لماذا أرسلها لي؟ وبعدها فهمت أنه ربما توقع أني مسيحية. وذات مرة صحح له أحد الأصدقاء معلومته فجاء يعتذر فقلت له لماذا تعتذر بالعكس كنت تضفي عليّ بهجة الاحتفال بأعياد أخرى؛ وكأنها تذكرة منك لأرسل لأصدقائي المسيحيين التهنئة. وقد تعلمت في الصغر أن الإسلام يعني ” السلام” ويعلم التسامح والمحبة والرحمة لكل الناس بغض النظر عن ديانتهم، والقرآن يقول( لا إكراه في الدين).

وتعلمت من جارتنا المسيحية محبة كل الناس حتي الأعداء “أَحِبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم” .

وقرأت ذات مرة أن  الامبراطور “أشوكا” أعظم ملوك الهند  بعد أن اختار مسار البوذية ليسير عليها أعلن أن أديان الأخرين كلها تستحق التكريم لسبب أو لأخر.

لقد امتد التعصب إلى الانتماء السياسي فهذا مؤيد للنظام وهذا معارض، والسؤال الأدهي الذي يأتيك بدون حسن نية أبداً هو: أنت انتخبت مين؟ وحبذا لو لم يأت الرد علي مزاج السائل فقد تُتهم بالخيانة العظمي!  

فلماذا التعصب الذي نشهده اليوم؟ لماذا نخلق الكراهية بين الناس؟ وفرق تسد لتصبح أكثر قوة.

إن عدم احترام التعددية الفكرية سوف يؤدي إلى استمرار الكراهية بين الناس. متي نتعلم كيف نحترم وجهات النظر وألا نستخف بحرية الأخرين في الفكر والذكاء؟

أتمني أن يجلب لنا العام الجديد مزيدا من الوعي والحب والسلام، وأن يحقق حلم الحالمين بغد أفضل ، وأن يعيد المنفيين خارج حدود الوطن والصامدين خلف القضبان، وأن تشرق الشمس ليذهب البرد القارص ويسري بالشريان دفء يذهب الألم، وأن يعيين اللاجئين الذين وصلوا إلي بر الأمان وافترشوا أرضاً ليست لهم..

___________________________

*كاتبة مصرية 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه